استمع إلى الملخص
- تحديات التعليم في ظل الدمار: الحرب دمرت مئات المدارس، مما جعلها غير صالحة للتدريس. المبادرات التعليمية تقدم الدعم النفسي والصحي والاجتماعي للأطفال، رغم الظروف الاقتصادية القاسية.
- أحلام الأطفال في مواجهة الحرب: الأطفال يعبرون عن سعادتهم بالعودة للتعليم رغم الدمار، ويحلمون بمستقبل أفضل. المجتمع الدولي يحذر من ضياع جيل كامل إذا لم يتم إعادة الأطفال إلى بيئة تعليمية مناسبة.
رغم الجوع الذي يضرب مفاصل الحياة في منطقة شمال غزة التي تتعرض لحصار إسرائيلي مشدد، التحق مئات الطلاب من الأطفال بخيام تعليمية لاستدراك ما فاتهم من الدروس خلال نحو عام من حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 أكتوبر. وهذه الخيام تم تجهيزها لتحلّ محلّ الصفوف الدراسية ضمن مبادرة تعليمية تطوعية، تم تنظيمها في مدارس مُستخدمة لإيواء النازحين في شمال غزة. وتحاول هذه المبادرة تعويض الطلبة عن انقطاعهم لمدة عام كامل عن مقاعد الدراسة، وتقديم الدعم النفسي لهم للتخفيف من وطأة الحرب وهولها.
مدرسة "الهاشمية" في حي التفاح شرق مدينة غزة، واحدة من المدارس التي احتضت خياما تعليمية لإنقاذ الطلبة ذهنيا. وداخل الخيمة، تسود حالة من التفاعل بين عدد قليل من الطلبة خلال تقديم إحدى المعلمات درساً باللغة العربية.
محاولة إنقاذ العملية التعليمية شمال غزة
وتسعى المعلمة لخلق نوع من الحماسة بين الأطفال لحثهم على التفاعل والمشاركة الشفهية معها، باستخدام أناشيد تفاعلية. وفي محاولة لإنقاذ العملية التعليمية، انطلقت في محافظات جنوبي قطاع غزة مبادرات تطوعية وأخرى نظمتها "أونروا"، في خيام وداخل مراكز إيواء، من أجل إعادة الأطفال جزئيا للتعلم إضافة لتقديم الدعم النفسي لهم.
ودمرت إسرائيل خلال الحرب 125 مدرسة وجامعة بشكل كلي، و336 مدرسة وجامعة بشكل جزئي، كما قتل 11 ألفا و500 طالب وطالبة و750 معلما ومعلمة وعاملا في سلك التعليم، بحسب آخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي.
ووسط هذا الدمار ومع تكرار عمليات النزوح والظروف القاسية، تحولت مدارس قطاع غزة إلى مراكز إيواء للنازحين الفارين من هول الحرب. وفي 2 سبتمبر/أيلول الجاري، قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إن أكثر من 600 ألف طفل بقطاع غزة يعانون صدمة شديدة ومحرومون من التعليم، فيما تحولت مدارسهم إلى مراكز لجوء مكتظة بالنازحين وغير صالحة للتدريس.
دعم نفسي وصحي
تقول الفلسطينية "أم البراء" جابر، مشرفة المبادرة التي يتم تنظيمها في مدارس تتبع لـ"أونروا" شمال غزة وتُستخدم مراكز للإيواء، إنهم نجحوا في افتتاح "صف أو صفين في كل مدرسة في الشمال". وتضيف لـ"الأناضول": "استطعنا تكوين هذه الصفوف في المدارس بعد القصف والدمار والجوع ورغم استمرار حرب الإبادة". وأوضحت أنه يتم تكفل الطلبة داخل هذه الصفوف "ليس فقط من الجانب التعليمي، إنما من خلال تقديم الدعم النفسي والصحي والاجتماعي لهم".
وفي 3 سبتمبر/ أيلول الجاري، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" إن أطفال غزة "بحاجة إلى الدعم المنقذ للحياة.. لا يوجد مكان آمن للأطفال مع تفاقم الأزمة الإنسانية".
وذكرت جابر أن المبادرة تمكنت من "تسليم كل طالب وطالبة التحقوا بهذه الصفوف حقيبة مع قرطاسية"، لافتة إلى جهود لتجهيز "الكسوة الشتوية" لهم. وتأتي هذه الجهود وسط ظروف اقتصادية قاسية تحرم أهالي الطلبة من تجهيز القرطاسية المدرسية أو الملابس لأطفالهم. وأشارت إلى أن عدد الطلبة الملتحقين في الوقت الحالي بلغ نحو 400 طالب وطالبة، لافتة إلى وجود حالات تسجيل لآلاف الطلبة الجدد لكن "لا يوجد متسع لهم بسبب ضيق الصفوف (الخيام)".
إنقاذ الجيل
بدورها، تقول معلمة اللغة العربية، مريم الشيخ، إنها، وبالاشتراك مع ثلاث معلمات أخريات، أطلقت هذه المبادرة في مركز إيواء "الهاشمية". وتضيف لـ"الأناضول": "بعد استمرار العدوان لسنة كاملة، أطلقنا منذ ثلاثة أشهر مبادرة تعليمية لتعليم الأطفال اللغة العربية والرياضيات واللغة الإنكليزية والعلوم، لإنقاذ الجيل من الضياع".
وأشارت إلى أن هذه المبادرة انطلقت في "خيمة تعليمية"، استقبلت الطلبة من كلا الجنسين من الصفوف التأسيسية من "الأول للخامس". وأمس، حذر المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، من الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي الإنساني في قطاع غزة، والتي تتفاقم يوميا في ظل عدوان الاحتلال الإسرائيلي المستمر.
ونقل موقع أخبار الأمم المتحدة، عن لازاريني قوله إن أكثر من 600 ألف طفل في غزة يعيشون بين الركام ويعانون من صدمات عميقة، منبها إلى أن التأخير في إعادتهم إلى بيئة تعليمية مناسبة يهدد بضياع جيل كامل، مما يمكن أن يؤدي إلى تعزيز مشاعر الكراهية والاستياء.
وتناول لازاريني الوضع المتدهور للمدارس والبنية التحتية في غزة، حيث تعرضت أكثر من 70% من منشآت أونروا للتدمير أو الضرر، مبرزا أن الوكالة واجهت استهدافا مستمرا، منذ 7 أكتوبر الماضي. كما أن عمليات الإغاثة الإنسانية تتعرض للإعاقة رغم التنسيق المسبق مع الأطراف المعنية.
Palestinian children in the #Gaza Strip and the #WestBank have endured terrible losses over the past year.
— Philippe Lazzarini (@UNLazzarini) September 24, 2024
While nearly 625,000 deeply traumatized girls and boys are out of school and living in the rubble in Gaza, many children in the West Bank suffer from escalating violence… pic.twitter.com/i4OQOhTMUU
وفي بداية سبتمبر/أيلول الجاري، حذر لازاريني من أن تعذر تعليم الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة بسبب الهجمات الإسرائيلية قد يؤدي إلى "ضياع جيل كامل".
سياسة التجهيل الإسرائيلية
من جانبها، تقول المعلمة إسلام أبو قرن، إن هذه المبادرة تسعى لمواجهة سياسة الاحتلال في تجهيل الطلبة بغزة. وتابعت لـ"الأناضول": "هذه المبادرة بعد حرب دامت عاما كاملا، وما زالت مستمرة، وتأتي بعد انقطاع الطلبة عن الدراسة وسط سياسة الاحتلال في التجهيل للطلبة". وأردفت قائلة: "كان لا بد لنا من وقفة بسبب الأوضاع المأساوية التي وصل لها حال الطلاب والمدارس والجامعات ورياض الأطفال أيضا". وذكرت أنهن بأبسط الإمكانات حاولن "نصب خيمة تعليمية وتجميع قرطاسية لاستدراك جيل كامل يضيع".
وعبرت عن ألمها لـ"خسارة قطاع غزة عددا كبيرا من الأطفال والطلبة الذين كانت لهم أحلاما، ولمعلمين ومدرسي جامعات". وعدت هذه المبادرة "محاولة لإعادة بناء ما دمره الاحتلال خلال عام كامل من الحرب".
إنقاذ علمي وذهني
تقول الفلسطينية سعاد السويريكي إنها جلبت طفليها "عادل وياسمين" للمشاركة في هذه المبادرة التعليمية بما ينقذهما "علميا وذهنيا". وتضيف لـ"الأناضول": "الحرب المستمرة التي نعاني منها من سنة كاملة، حُرمنا فيها من جميع ظروف الحياة". ورغم استمرار الحرب، إلا أن الوالدة أعربت عن حرصها واهتمامها بتعليم طفليها وإنقاذهما من "سياسة التجهيل". وعبرت عن حسرتها بعدما حرمتها الحرب من موسم "تجهيزات الأطفال بالزي المدرسي والقرطاسية، وحتى من وجبة الفطور".
وأعربت عن أمنياتها بانتهاء الحرب في وقت قريب، فيما نقلت عن طفلتها ياسمين قولها "لماذا يحصل كل هذا لنا؟ لماذا كل هذا الخوف (الذي يصيبنا)؟". وتأتي عودة الدراسة الجزئية رغم حالة التجويع التي تواصلها إسرائيل بحق الفلسطينيين في محافظتي غزة والشمال من خلال منع دخول المساعدات إليهم إلا بشكل شحيح.
ويقول المكتب الإعلامي الحكومي إن المساعدات الواصلة للشمال لا تلبي احتياجات السكان، فيما أدى سوء التغذية الناجمة عن المجاعة هناك إلى وفاة عشرات الأطفال. وبالعادة، يحتاج الطفل من أجل زيادة تركيزه الدراسي إلى وجبة متكاملة العناصر الغذائية، وهو ما يُحرم منه أطفال محافظتي غزة والشمال إذ يعتمدون في حياتهم على المعلبات فقط إن توفرت.
أحلام صغيرة
الطفلة جنى الجرش (ثماني سنوات)، واحدة من الطالبات الملتحقات بهذه الصفوف، قالت إنها "سعيدة لعودتها إلى التعليم". وتابعت لـ"الأناضول"، أن الجيش الإسرائيلي "يقصف المدارس ليمنعنا من التعليم... نريد أن نأتي إلى هنا ونتعلم". وأعربت الطفلة، التي تعيش حرب إبادة إسرائيلية اقتربت من العام، عن أحلامها المستقبلية بأن تصبح طبيبة. أما الطفل عمر الجدبة (تسع سنوات)، الملتحق بهذه المبادرة، فقال إن الجيش الإسرائيلي قصف خلال الحرب "منزلي وكتبي ودفاتري وألعابي". وتابع لـ"الأناضول": "جئت إلى هنا لأتعلم وأصبح طبيبا حينما أكبر".
وفي يوليو/ تموز الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، إن "أطفال غزة يموتون ويعانون إصابات خطيرة وصدمات نفسية، ويشاهدون والديهم يُقتلون وتُدمر منازلهم" من جراء الهجمات التي تشنها إسرائيل على القطاع.
وبدعم أميركي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حربا مدمرة على غزة خلفت أكثر من 137 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة. وفي استهانة بالمجتمع الدولي، تواصل إسرائيل الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية ولتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
(الأناضول، قنا، العربي الجديد)