في الوقت الحالي لا يفكر زياد عبد الله جبرائيل بمغادرة مخيم الإيواء في منطقة معارة الأتارب بريف حلب الغربي، فكل ما يملكه في هذه الحياة دُمّر خلال الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في 6 فبراير/ شباط الماضي، وأصبح ركاماً على الأرض.
دمّر الزلزال بيت زياد الذي بذل 20 عاماً من الجهد والتعب لبنائه، وهو يقول لـ"العربي الجديد": "خلال شهر رمضان تلقيت مع عائلتي سلتي غذاء، ونحن نواجه صعوبات كثيرة في العيش بمخيم الإيواء حيث نعاني من البرد والحر. لم أخرج أي شيء من بيتي الذي سويّ بالأرض. لدي 11 ابناً، ولا مكان أذهب إليه كي أغادر مخيم الإيواء، واعتقد بأنني يمكن أن أغادره فقط في حال تأمين سكن لي ولعائلتي، أو دفع إيجار منزل لي. أمضيت 20 عاماً في بناء منزلي لكنه دمّر، ولا يوجد سوى مركز الإيواء كي نعيش فيه في الوقت الحالي، رغم الصعوبات الكبيرة التي نواجهها في العيش داخله".
وغالبية من يقيمون في مخيم الإيواء بمعارة الأتارب في ريف حلب الغربي من أبناء المدينة ذاتها، إلى جانب متضررين من مدن أخرى. والحياة داخل هذا المخيم صعبة على الأصحاء وتصبح أشدّ قسوة بالنسبة إلى المرضى خاصة أولئك الذين يحتاجون إلى عناية خاصة، وهذا ما تلفت إليه فاطمة محمد التي تقول لـ"العربي الجديد": "كلّ شيء صعب في المخيم، نحتاج إلى مراحيض وحمامات وأدوات منزلية، وأنا وأولادي وزوجي يجب أن نحصل على ادوية. أنا مصابة بسرطان البلعوم، وأحتاج دائماً إلى دواء، ولدي ابن مصاب بجرثومة في الكبد وآخر مصاب في قزحية العين، أما زوجي فحالته ليست أفضل من حالي وحالي ابنيّ، فهو مصاب بفشل كلوي، وعموماً لا مأوى لدينا سوى مركز الإيواء، ونحن نتحمل كل الظروف السيئة التي نعيشها لأن لا بيت لدينا".
أيضاً يقول أحمد عبد الكريم إبراهيم الذي يقيم في المخيم ذاته، لـ"العربي الجديد": "أقمت لمدة يومين عند أقاربي بعد حدوث كارثة الزلزال. لم يكن الوضع سهلاً، لذا قررت المجيء إلى مخيم الإيواء والبقاء فيه. يبلغ عمري 38 سنة، وعانيت كثيراً لبناء منزلي، وأبذل حالياً كلّ جهدي لإيفاء الديون التي تراكمت علي بسبب بناء المنزل".
ويرد نائب مدير الدفاع المدني السوري للشؤون الإنسانية، منير المصطفى، على سؤال وجهته "العربي الجديد" حول الأوضاع في مخيمات إيواء منكوبي الزلزال، وما تفتقده من خدمات بالقول: "ما الذي يتواجد في مراكز الإيواء المؤقتة؟ لا شيء فعلياً، فهي تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة، إذ بنيت على عجل لإيواء منكوبي الزلزال، ولا يوجد فيها إلا خيام، وتحتاج بالتالي إلى مجموعة كبيرة من المستلزمات والتجهيزات، بداية من توفير فرش للأرضيات، وإنشاء طرقات مناسبة داخلها، وتوفير خدمات المياه والصرف الصحي، وفتح مدارس، ونقاط طبية".
وفيما يبذل جهاز الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) جهوداً كبيرة لتوفير الخدمات لهذه المراكز، يوضح المصطفى أن "خدمات الخوذ البيضاء في مراكز الإيواء شملت تجهيز مخيمات في مدن دارة عزة، وأريحا، وإعزاز، وذلك بالتنسيق مع مجالسها المحلية، كما نصبت الفرق خياماً، وهيأت طرقاً مناسبة للوصول إلى هذه المخيمات من أجل ضمان نقل المياه بصهاريج، والسماح بقدوم عناصر الخدمات الطبية واللوجستية وجلب التجهيزات. بلغت مساحة الأراضي التي جرى تجهيزها وفرشها لاستقبال منكوبي الزلزال نحو 146 ألف متر مربع، كما زوّدت فرق الخوذ البيضاء مراكز الإيواء ضمن مناطق إدلب، وكفريحمول، وأريحا، وكفرتخاريم بمياه شرب معقمة مصدرها آبار معتمدة من أجل ضمان عدم تلوّثها بالكوليرا وغيرها من الجراثيم، وجرى تأهيل خطوط الصرف الصحي في مراكز إيواء ببلدة الغزاوية في ريف عفرين، وبلدات أخرى في ريف إدلب الغربي، وإغلاق مواقع عمليات الحفر بعد تركيب خطوط الصرف الصحي ضمن مراكز إيواء مؤقتة في مدينة جنديرس وريفها".
ويشير إلى أن "الخدمات استهدفت تقديم متطوعين ومتطوعات الرعاية الطبية المطلوبة للجرحى والمرضى في مخيمات الإيواء، سواء عبر جولات يومية، أو عبر نقل المرضى إلى مستشفيات أو مراكز مخصصة للنساء والأطفال في مراكز الدفاع المدني السوري، من أجل تقديم الرعاية الطبية والإسعافات لهم".
وفيما يخشى كثيرون أن تصبح هذه المخيمات دائمة، يقول المصطفى: "من حيث المبدأ يجب أن تكون هذه المخيمات مؤقتة، لكن التجارب السابقة المرتبطة بالحرب في سورية والوقائع الميدانية تظهر وجود مخيمات مؤقتة للمهجرين منذ 11 عاماً، ويعيش فيها أكثر من مليون ونصف المليون شخص، وتتشابه ظروف المخيمات المشيّدة منذ زمن طويل مع مراكز الإيواء التي أنشئت لاستقبال منكوبي الزلزال، لذا لا يمكن النظر إلى مخيمات الإيواء باعتبارها منفصلة عن مخيمات المهجرين من الحرب، فالمأساة السورية واحدة، وتستدعي إيجاد حلول متكاملة لجميع السكان. خطط بناء وحدات سكنية للمتضررين، أو إعادة بناء ما هدمه الزلزال تحتاج إلى دعم دولي وأممي، في حين نرى بالكاد وصول مساعدات إنسانية من أجل المساهمة في إنقاذ الحياة".
ويعتبر المصطفى أن "بقاء متضررين في هذه المخيمات أو مغادرتهم لها أمر يختلف بحسب نسب الدمار التي خلّفها الزلزال، وكيفية معالجتها في مرحلة ما بعد الكارثة، فمثلاً كانت آثار الزلزال متوسطة في منطقة جسر الشغور، وعاد غالبية المتضررين إلى منازلهم التي لحقت بها أضرار جزئية، لكن هناك مناطق تعرضت لأضرار شديدة مثل جنديرس، وعزمارين، والملند، وحارم، وسلقين، والتلول، وملس، وبسنيا، وهذه المناطق لم يبقَ لدى سكانها بيوت للعودة إليها، ولا يملكون حالياً إلا خيار المكوث في مراكز الإيواء".
يشار إلى أن عدد العائلات المتضررة من الزلزال في الشمال السوري تجاوز 334 ألفاً، وهي تضم نحو 1.8 مليون شخص، بحسب إحصاء نشره "فريق منسقو استجابة سورية" في 11 إبريل/ نيسان الماضي، ولفت أيضاً إلى تدمير 2171 مبنى في الزلزال، وتصنيف 5344 مبنى على أنها غير آمنة وغير قابلة للترميم.