بعد مرور أكثر من عام على بدء تفشّي جائحة كورونا، تعيش أوكرانيا أياماً عصيبة لناحية الوضع الوبائي في البلاد وسط تسجيل نحو 17 ألف حالة إصابة جديدة يومياً وارتفاع إجمالي عدد الوفيات منذ بدء الجائحة إلى نحو 39 ألفاً. ومُدّد الإغلاق العام في العاصمة كييف حتى 30 أبريل/ نيسان الجاري، ويشمل إغلاق المدارس وفرض نظام التصاريح لاستقلال وسائل النقل العام، فيما يقتصر عمل المطاعم على تسليم وتوصيل الطلبات.
مع ذلك، أعلنت السلطات الأوكرانية يوم 15 أبريل/ نيسان الجاري، عن تجاوز ذروة الإصابات بفيروس كورونا. وأوضح مدير عام مركز الصحة العامة التابع لوزارة الصحة الأوكرانية، رومان رودينا، أن أكثر من مليون شخص أصيبوا بفيروس كورونا في أوكرانيا خلال عشرة أشهر من العام الماضي، بالإضافة إلى 808 آلاف خلال الأشهر الثلاثة والنصف الأولى من العام الجديد 2021.
وفي الوقت الذي تحولت فيه المناطق الحمراء للحجر الصحي إلى شرق البلاد، تشهد المقاطعات الغربية تراجعاً في معدل الإصابات. وما يزيد من متاعب أوكرانيا في مواجهة كورونا هو صعوبة توفير جرعات اللقاح لغالبية سكان البلاد البالغ أكثر من 40 مليون نسمة، لا سيما في ظل رفض كييف استيراد لقاح "سبوتنيك ـ في" الروسي، في ظل استمرار المواجهة السياسية وحتى العسكرية بين البلدين في منطقة دونباس الواقعة شرق أوكرانيا والموالية لروسيا.
وبحسب الأرقام الأخيرة الصادرة عن وزارة الصحة الأوكرانية، فإن أكثر من 400 ألف شخص قد تلقوا اللقاح، بينما سجل 450 ألفا آخرون أسماءهم إلكترونياً.
في هذا الإطار، يعزو الباحث الأكاديمي الأوكراني، إيغور سيميفولوس، تدهور الوضع الوبائي في أوكرانيا إلى مجموعة من العوامل، بما فيها عدم توفر كميات كافية من اللقاح وعدم تعامل المواطنين بجدية مع الجائحة. ويقول في حديث لـ "العربي الجديد": "الوضع سيئ ويتجه نحو مزيد من التدهور، وليس هناك أمل كبير في توفير عدد كاف من اللقاحات وإجراء حملة تطعيم على النطاق اللازم. وقد يكون العدد الفعلي للإصابات أعلى كثيراً من الأرقام المعلنة، إذ إن غالبية المرضى لا يعانون من أي أعراض قوية، فلا يجرون اختبار اللعاب ويسقطون من الإحصاءات الرسمية".
وحول أسباب رفض أوكرانيا شراء لقاح "سبوتنيك ـ في" الروسي، يقول: "لن تشتري أوكرانيا اللقاح الروسي لأسباب سياسية، إذ إن روسيا تستخدمه لأهداف جيوسياسية، حتى إنها أطلقت عليه اسم سبوتنيك، ويعني باللغة الروسية "قمر صناعي" ويعكس التوسع الخارجي الروسي". يضيف: "حتى في روسيا نفسها، فإن نسبة التطعيم منخفضة للغاية".
وبحسب الأرقام الأخيرة، فإن سبعة ملايين فقط من إجمالي سكان روسيا البالغ نحو 146 مليوناً، قد تلقوا الجرعة الأولى من اللقاح حتى الآن، رغم حملات ترويجية واسعة النطاق.
ويتحدث عن عوامل أخرى ساهمت في تفشي كورونا بهذه الصورة في أوكرانيا، منها أن "نظام الإغلاق في كييف لم يؤد إلى أي نتائج باستثناء ارتفاع أسعار التنقل بسيارات الأجرة. وما يؤثر سلباً أيضاً هو انعدام المسؤولية لدى السكان تجاه الآخرين، وهو أمر سائد في الجمهوريات السوفييتية السابقة، حيث يرغب الناس دائماً في عمل ما هو عكس تعليمات الدولة".
وما يزيد من صعوبة مواجهة كورونا في أوكرانيا، هو استشراء الفساد والتجارة الإلكترونية بالشهادات الطبية عبر الإنترنت، إذ إن نتائج محركات البحث لطلب "شراء شهادة طبية" يظهر عدداً من المواقع التي تقدم طيفاً كاملاً من الشهادات الطبية المزورة، بدءاً من تقارير المعالج النفسي وشهادات الحمل، وصولاً إلى اختبارات كورونا سالبة أو حتى موجبة للحصول على إجازة مرضية من العمل.
من جهة أخرى، يبدي سكان كييف تفهماً للإجراءات الصارمة المتخذة لمواجهة كورونا، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته مجموعة "ريتينغ" للبحوث الاجتماعية أن 72 في المائة من المستطلعة آراؤهم دعموا قرار عمدة مدينتهم فيتالي كليتشكو، تشديد نظام الحجر الصحي خلال الفترة من 5 إلى 16 أبريل/ نيسان الجاري، بينما أعرب 69 في المائة عن دعمهم لتمديد نظام الإغلاق الكلي.
وسبق لكليتشكو أن اعتبر أن فرض نظام الإغلاق الكلي على مستوى عموم البلاد وفرض قيود على حركة السفر بين أقاليمها، هو السبيل الوحيد للحد من عدد المصابين بكورونا. في المقابل، يرى رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميغال، أنه لا جدوى من فرض الإغلاق الكلي في كل البلاد، معتبراً في الوقت نفسه أنه يتعين على السلطات المحلية التفاعل بمسؤولية مع الوضع بأقاليمها.