حكم قاضي محكمة الاستئناف البريطانية نيكولاس أندرهيل لمصلحة عشرة أشخاص من طالبي اللجوء المهدّدين بالترحيل إلى رواندا، ومنَحهم الإذن بتقديم طعون قانونية ضدّ وزارة الداخلية. ويأتي هذا التطوّر المهمّ بعد أسبوع من إعلان رئيس الوزراء ريشي سوناك ووزيرة الداخلية سويلا برافرمان عن مشروع قانون يتيح للحكومة احتجاز المهاجرين طالبي اللجوء وترحليهم على الفور إلى بلدهم الأصلي أو إلى بلد ثالث "آمن" مثل رواندا أو غيرها.
وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة، فإنّ حقوقيين وعاملين في مؤسسات المجتمع المدني في بريطانيا يجدونها غير كافية على الإطلاق لتبديد المخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان.
ويقول مؤسس "لايف سيكرز إيد" كنان البيرقدار لـ"العربي الجديد"، إنّ منح أندرهيل الإذن لطالبي اللجوء العشرة بالاستئناف ضد سياسة الحكومة البريطانية المثيرة للجدال، لن يمنع للأسف الطائرة الأولى من الإقلاع هذا العام إلى رواندا الواقعة شرقي أفريقيا. ويرجّح البيرقدار أن تنطلق طائرة الترحيل الأولى في بداية شهر مايو/ أيار المقبل أو في منتصفه، أي بعد أيام من انعقاد جلسة الاستئناف الكاملة حول قانونية خطة رواندا المقرّرة في الفترة ما بين 24 إبريل/ نيسان المقبل و27 منه.
وبينما لا يشير الحكم الذي أصدره نائب رئيس الدائرة المدنية في محكمة الاستئناف، أمس الثلاثاء، بإصبع الاتهام إلى وزارة الداخلية مباشرة، إلا أنّه ينطوي على اعتراف ضمني وغير معلن بافتقار قرار المحكمة الصادر في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي إلى الدقة والتدقيق.
وكانت المحكمة البريطانية العليا قد عدّت رواندا "مكاناً آمناً" لإرسال طالبي اللجوء، قبل أشهر، وأنّ سياسة الحكومة بشأن خطة رواندا "قانونية" عموماً. ورحّبت حينها وزيرة الداخلية بقرار المحكمة ووصفته بأنّه "انتصار"، مع أنّ المنظمات الحقوقية أكّدت أنّ الخطة لا تتوافق مع حقوق الإنسان الأساسية الممنوحة لطالبي اللجوء بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والتي كانت المملكة المتحدة أولى الدول الموقّعة عليها، وكذلك بموجب اتفاقية اللاجئين. وإلى جانب عدم اكتراثها بالآراء القانونية، لم تنظر برافرمان إلى التحذيرات التي وجّهتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى المحكمة العليا بخصوص عدم قانونية الخطة، إذ إنّ لدى هذا البلد الأفريقي سجلاً سيئاً في حماية حقوق الإنسان.
وبلغ عدد طالبي اللجوء ممّن تسلّموا قرارات ترحيلهم إلى رواندا ستّة آلاف على أقلّ تقدير، بحسب البيرقدار، وقد هربوا بمعظمهم من بلدان تعمّها الحروب والأزمات والقمع، مثل سورية والعراق وإيران والسودان وليبيا وأفغانستان وغيرها.
يُذكر أنّ "إخطار الترحيل" الذي ترسله وزارة الداخلية إلى طالبي اللجوء، لا يتضمّن سوى خيارات ضيّقة "أحلاها مرّ"؛ القبول بقرار الترحيل إلى رواندا أو إلى بلد ثالث (لم يحدَّد بعد) أو العودة إلى البلد الأصلي، على أن تقدّم الوزارة كلّ التسهيلات المرتبطة بذلك حتى وإن كانت "العودة معقّدة". والتسهيلات تشمل بطاقة السفر أو جواز سفر مؤقت يتيح العودة إلى البلد الأصلي أو وثيقة سفر طارئة لا تصلح إلا لمرّة واحدة.
وكان لافتاً أن يعبّر بعض "المحافظين" في بريطانيا عن رفضهم علناً مشروع القانون الذي تبنّاه سوناك إلى جانب برافرمان. فقد أعلنت النائبة البارزة عن "حزب المحافظين" ورئيسة لجنة المرأة والمساواة كارولين نوكس أنّها سوف تصوّت ضدّ مشروع القانون "المرعب واللاإنساني" والذي يأمل سوناك، من خلاله، بأن يحظى بأغلبية الأصوات في البرلمان ومجلس اللوردات قبل سبتمبر/ أيلول المقبل.
بدوره، أكد النائب المحافظ كريس سكيدمور أنّه لن يصوّت لمصلحة مشروع القانون، في خلال القراءة الثانية المقرّرة في البرلمان يوم الإثنين المقبل، وكتب في تغريدة على موقع تويتر: "لست مستعداً لخرق القانون الدولي أو اتفاقيات حقوق الإنسان التي تفخر المملكة المتحدة بلعب دور رائد في تأسيسها".
I am not prepared to break international law or the human rights conventions that the UK has had a proud history of playing a leading role in establishing.
— Chris Skidmore (@CSkidmoreUK) March 13, 2023
I will not be voting for the bill tonight.
أمّا وزير العدل السابق روبرت باكلاند، فعبّر عن عدم ارتياحه لمشروع القانون، إلا أنّه سوف يدعمه في خلال القراءة الثانية. وصرّح باكلاند لصحيفة "ذا إندبندت" البريطانية بأنّ "احتجاز الأطفال" الذي يقرّه مشروع القانون "مقلق جداً وشديد القسوة ويضرّ بسمعتنا في مقابل تحقيق مكاسب قليلة"، مطالباً الحكومة بإجراء تعديلات بما يضمن "الوفاء بالتزاماتنا الدولية".
ولم يتضمّن مشروع القانون أيّ تفاصيل أو توضيحات متعلقة بمصير الأطفال دون السنّ القانونية من طالبي اللجوء، إذ يؤكد في إحدى بنوده أنّ كلّ طالبي اللجوء الوافدين إلى شواطئ بريطانيا بطرق "غير نظامية" سوف يُحتجزون ويرحّلون على الفور، بما في ذلك العائلات. لكنّه يستثني، في بند ثانٍ، شريحتَين من الترحيل الفوري، هما كبار السنّ المرضى والأطفال دون السنّ القانونية. لكنّ برافرمان قالت أمام البرلمان، في الأسبوع الماضي، في أثناء إعلانها عن مشروع القانون إنّ المشمولين في هاتَين الفئتَين سوف يُرحَّلون في وقت لاحق، وهذا أمر "مؤكد". بالتالي، ثمّة مخاوف حقيقية من أن يُحتجَز الأطفال بصورة منفصلة عن ذويهم، ثمّ يتم ترحيلهم إلى بلدهم الأصلي أو إلى بلد آخر "آمن" من دون مرافقين.
ومن المرجّح أن تواجه الحكومة البريطانية تحدّيات قانونية كثيرة، سواء بشأن خطة رواندا أو بشأن مشروع القانون الجديد الذي يرمي إلى وقف عبور القوارب الصغيرة عبر بحر المانش انطلاقاً من فرنسا.
وكان لاعب المنتخب البريطاني الشهير غاري لينيكر قد غرّد على موقع تويتر، قبل أيام، أنّ اللغة التي تستخدمها وزارة الداخلية ضدّ "الفارين من الحروب" تذكّره بلغة ثلاثينيات القرن الماضي في ألمانيا، الأمر الذي دفع هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (بي بي سي) إلى وقف بثّ برنامجه الأسبوعي "مباراة اليوم"، قبل أن تتراجع سريعاً عن قرارها على خلفية تعرّضها لانتقادات لاذعة. وإن كان لينيكر معروفاً منذ سنوات طويلة بمواقفه المؤيّدة للاجئين، إلا أنّ المفاجأة كانت في موقف وزيرة الداخلية السابقة و"مهندسة خطة رواندا" بريتي باتيل التي عبّرت عن "تخوّفها" من احتمال احتجاز الأطفال بطريقة غير قانونية ثمّ ترحيلهم، بحسب ما جاء في صحيفة "ذا إندبندت".