يأتي تصويت مجلس اللوردات البريطاني بتأجيل اتفاق الهجرة مع رواندا أو خطة رواندا ليثير استياء المحافظين، ما يشير إلى أن استراتيجية الهجرة المثيرة للجدل التي ينتهجها ريشي سوناك لا تزال تواجه عقبات سياسية وقانونية.
في تحوّل كبير للأحداث، صوت مجلس اللوردات بأغلبية 214 صوتاً مقابل 171 لتأجيل اتفاقية الهجرة التي أبرمها رئيس الوزراء ريشي سوناك مع رواندا. ومن المرجّح أن تثير هذه الخطوة استياء المحافظين اليمينيين وتضع إدارة سوناك في موقف دفاعي مرة أخرى.
وصوت المجلس مساء 22 يناير/ كانون الثاني الجاري على اقتراح التأجيل الذي قدمه رئيس لجنة الاتفاقات الدولية اللورد بيتر غولدسميث. وأوصت اللجنة بعدم التصديق الفوري على الاتفاقية مع التشديد على ألا تمضي حكومة المملكة المتحدة قدماً إلا بعد أن يقتنع البرلمان تماماً بأن التدابير الوقائية التي تتضمنها الاتفاقية وُضعت موضع التنفيذ بشكل فعال.
واستند قرار مجلس اللوردات إلى المادة 20 من قانون الإصلاح الدستوري والحوكمة لعام 2010، ورأى أنّه ينبغي لحكومة الملك التصديق على اتفاقية المملكة المتحدة ورواندا بشأن شراكة اللجوء بعد تنفيذ الحماية التي بالكامل، على أن يطلب من البرلمان إصدار حكم بناءً على الاتفاقية حول ما إذا كانت رواندا آمنة.
وخلال مناقشة مجلس اللوردات الاتفاقية بين المملكة المتحدة ورواندا، قال غولدسميث إنّ الحكومة تعتمد على المعاهدة كمبرّر لأحكام مشروع القانون. مع ذلك، فإنها في الوقت الحالي لا يمكن أن تكون بمثابة أساس للبرلمان للحكم بأن رواندا آمنة، لأن العديد من جوانب المعاهدة لا تزال غير نافذة ولم يتم اختبارها.
بدوره، دافع عضو البرلمان من ليفربول اللورد ديفيد ألتون عن الإطار الدولي لحقوق الإنسان من خلال استحضار ونستون تشرشل. وسلط الضوء على إيمان تشرشل بأهمية الهياكل الدولية القائمة على سيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان والأمن والانتعاش الاقتصادي. وشكك في رواندا كدولة آمنة، مؤكداً على ضرورة الحفاظ على الفصل بين السلطة القضائية والبرلمان، في ضوء محاولات الالتفاف على حكم المحكمة العليا. وأعرب عن مخاوفه بشأن سجل حقوق الإنسان في رواندا والقمع السياسي والتعامل مع المثليين.
تتوافق هذه الخطوة من مجلس اللوردات في المملكة المتحدة مع مؤسسات أخرى أعربت عن شكوكها حول جدوى وسلامة خطة رواندا. والجدير بالذكر أن محكمة الاستئناف والمحكمة العليا أثارتا المخاوف خلال العام الماضي حول هذه القضية. وتأتي لتهزم فوز سوناك في 17 يناير/ كانون الثاني الحالي الذي تغلب على المعارضة داخل حزب المحافظين، وحظي بموافقة البرلمان على اقتراحه بنقل طالبي اللجوء غير الشرعيين إلى رواندا. وعلى الرغم من هذا النصر التشريعي، فإن استراتيجية الهجرة المثيرة للجدل التي ينتهجها سوناك لا تزال تواجه عقبات سياسية وقانونية.
في هذا السياق، تقول أوليفيا دان من مكتب إعلام مجلس اللاجئين، رداً على سؤال لـ "العربي الجديد" عن التأثير المحتمل الذي يتوقعه المجلس على طالبي اللجوء، إنّهم نشروا بحثاً عن تأثير خطة رواندا وكيفية تغييرها الجذري للطريقة التي يعمل بها نظام اللجوء في المملكة المتحدة.
ويشير البحث إلى أنّ إصلاحات الحكومة سيكون لها تأثير كبير على القرارات التي يتخذها الأشخاص بمجرد وصولهم إلى المملكة المتحدة، بما في ذلك قدرتهم على الوصول إلى الخدمات الحيوية وتلبية احتياجاتهم الأساسية. وأفادت العديد من المنظمات الإنسانية بأنها لاحظت أنّ الأشخاص الموجودين في المملكة المتحدة يغيرون سلوكهم حتى قبل تنفيذ مشروع قانون رواندا. ويشمل ذلك الأشخاص الذين يعملون سرّاً.
علاوة على ذلك، يشير البحث إلى أنّ خطة رواندا قد تترك مئات الآلاف من الأفراد في حالة دائمة من عدم اليقين. ويمكن وضع عشرات آلاف الأطفال في مراكز الاحتجاز، عدا عن الآثار المالية. وما يثير القلق أن هذه النتائج تبدو قاصرة عن تحقيق أهداف الحكومة المعلنة المتمثلة في "إيقاف القوارب". كذلك، تعتقد العديد من المنظمات الحقوقية الناشطة أن هذا لن يؤدي إلا إلى زيادة قوة وسيطرة المتاجرين بالبشر. وإذا لم يشعر الأشخاص الذين يطلبون اللجوء بالأمان في الوصول إلى وزارة الداخلية أو غيرها، سيكونون أكثر عرضة لخطر الاستغلال الشديد.
في المقابل، تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أنّه مع تراجع الأصوات الداعمة للمحافظين وتقدّم حزب العمّال بشكل كبير، يحاول رئيس الوزراء ريشي سوناك وضع سياسة الهجرة المثيرة للجدل كدعامة محورية في محاولته تأمين النصر في الانتخابات المقبلة. ويؤكّد أن ترحيل طالبي اللجوء غير الشرعيين أمر بالغ الأهمية لمنع الأفراد من دخول البلاد عبر قناة المانش وتعطيل النموذج التشغيلي لشبكات تهريب البشر.
ويواجه سوناك معارضة عدد من أفراد الجناح اليميني للحزب الذين يرون أن مشروع القانون غير كاف لردع الهجرة إلى المملكة المتحدة. ويطالبون بالمزيد من التشديد في إطار مشروع القانون، بيد أنّ محاولاتهم فشلت يوم الأربعاء 17 يناير، حين رفض المشرّعون العديد من التعديلات، بما في ذلك التعديل الذي كان من شأنه أن يسمح للسلطات البريطانية بتجاهل بشكل روتيني أوامر الطوارئ الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
في السياق، تقول مديرة المحتوى والقنوات الرقمية لدى "رابطة ممارسي قانون الهجرة" جيني راينر، لـ "العربي الجديد"، إنّ فريقهم القانوني أعدّ إحاطة مشتركة مع منظمة العدالة والحرية من التعذيب، للقراءة الثانية لمشروع القانون في مجلس العموم.
وحثّ مجلس النواب بقوة وبشكل جماعي على رفض الموافقة على مشروع القانون خلال القراءة الثانية، ومعارضته في كل مرحلة بعد ذلك. إذ إن مشروع القانون مخالف لسيادة القانون، ويشرع خيالاً قانونياً يلغي اختصاص محاكمنا المحلية للنظر في قضية اللاجئين، وهو لا ينطبق مع المعاهدات المحلية التي تلتزم بها المملكة المتحدة على المستوى الدولي. علاوة على ذلك، ينتهك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وكما أنه هجوم على التدقيق القضائي ومن شأنه تقويض الفصل الدستوري بين السلطات.
خطة رواندا، التي أطلقها بوريس جونسون حين كان رئيساً للوزراء في إبريل/ نيسان 2022، أبطلتها المحكمة العليا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وأعلنت أنها غير قانونية بسبب مخاوف من عدم إمكانية ضمان سلامة الأشخاص الذين يطلبون اللجوء في رواندا، وخصوصاً خطر إعادتهم إلى رواندا أو بلدهم الأصلي.