خطة النظام السوري للاستيلاء على أموال الجمعيات الخيرية

30 ابريل 2023
يشكك سوريون في سمعة مؤسسات النظام الخيرية (تاو ران/Getty)
+ الخط -

 قبل بضعة أسابيع، وفي أثناء انعقاد مؤتمرات الجمعيات الخيرية لانتخاب مجالس إدارة لها، التي جرت بحضور ممثلين عن حزب البعث والمحافظة والشؤون الاجتماعية، أوعز مسؤولون بضرورة "توحيد الدعم المالي"، وجعله يصب في صندوق موحد في أحد المصارف العامة بحجة عدالة التوزيع، ما اعتبره الغالبية، ومن بينهم موالون للسلطة، باباً جديداً للاستيلاء على أموال المغتربين، وتوجيهها لدعم مؤسسات النظام الخدمية.
وزعم أحد مسؤولي حزب البعث خلال المؤتمر السنوي لجمعية "عرمان" الخيرية، وهي من أكبر جمعيات المحافظة، أن الهدف "إنشاء قاعدة بيانات تضم جميع الأشخاص الذين يجب مساعدتهم، وتنظيم عمل الجمعيات، وتوجيه تبرعات المغتربين إلى صندوق يضمن عدالة التوزيع بين جميع الشرائح المحتاجة". 
قوبل هذا التوجه بردود أفعال متباينة، غلب عليها الرفض من الجمعيات. يقول أحد أعضاء جمعية بلدة "عرمان" الواقعة في الريف الجنوبي من السويداء، الذي طلب عدم ذكر اسمه: "منذ أكثر من عام، تطلب قيادة حزب البعث في منطقة صلخد التي نتبع لها، تخصيص جزء من رصيد الجمعية المالي لصالح الخدمات العامة، كترميم المدارس، وإنارة الطرق، وتشغيل مقسم الهاتف بالطاقة الشمسية، وكنا نوافق بما أنها تخدم البلدة، في ظل عجز مؤسسات الدولة وإهمالها. لكن مع محاولة وضع الجمعيات وإداراتها وصندوقها تحت إشراف مؤسسة حكومية، وبطلب مباشر من أعضاء شعبة الحزب، بدأنا نستشعر الخطر على مصير الجمعيات وأموال المتبرعين". 
وتؤكد موظفة في مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في السويداء، طلبت أيضاً عدم ذكر اسمها لأسباب أمنية، أنه "لا يوجد قرار أو مرسوم يقضي بإنشاء صندوق موحد للجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية، ولكن هناك توصية بالعمل على إنشاء هذا الصندوق، وربط الجمعيات والمنظمات والمبادرات المجتمعية مع وزارة الشؤون الاجتماعية، ومع الأمانة السورية للتنمية، من أجل توحيد العمل، وتجاوز الأخطاء التي تعرقل العمل، بالإضافة إلى تحقيق المساواة في توزيع المساعدات على مستحقيها". 
وفي مطلع مارس/ آذار الماضي، أطلقت الأمانة السورية للتنمية منصة "تشارك"، عبر ورشتي عمل في العاصمة دمشق، جمعتا إلى جانب اتحاد الجمعيات الخيرية ومبادرة أهل الشام، عدداً من مسؤولي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

يسعى النظام السوري إلى الاستيلاء على أموال المتبرعين (تاو ران/Getty)
يسعى النظام السوري للاستيلاء على أموال المتبرعين (تاو ران/Getty)

بعدها، عقد وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومة النظام، لؤي المنجد، سلسلة اجتماعات مع عددٍ من المنظمات غير الحكومية، من بينها اتحاد الجمعيات الخيرية في دمشق، وجمعيات حلب الخيرية، وأكد أن منصة "تشارك"، هي إحدى الأدوات الرئيسية لمشروع تطوير بيئة عمل المنظمات غير الحكومية، التي تشرف عليه "السيدة الأولى"، بهدف تمكين هذه المنظمات، وتعزيز دورها، وتهيئة البيئة المناسبة لعملها من طريق زيادة التنسيق مع الجهات المعنية للمساهمة في تلبية الاحتياجات لأكبر شريحة ممكنة، وتوفير المعلومات التي يحتاجها أي متبرع.
لكنّ كثيرين يشككون بالغاية التي أُنشئت من أجلها منصة "تشارك"، ويؤكدون خطورة إدارة الأمانة السورية لعمل الجمعيات الخيرية، اعتماداً على استيلاء الأمانة على مبلغ يزيد على مليار وستمائة ألف ليرة سورية من أموال مغتربين من السويداء، ووقفها العمل بالقروض الصغيرة ضمن مبادرة "مشروعي" قبل عام 2020.
يقول المغترب السوري خلدون الجمال، المقيم في فنزويلا، لـ"العربي الجديد"، إن "أي قرار حكومي بإنشاء صندوق مالي موحد للجمعيات الخيرية، أو أية محاولة للتحكم بعمل الجمعيات سيكون سبباً لتوقف تدفق التبرعات على تلك الجمعيات، ونهاية لدورها. المغتربون سيجدون طرقاً أخرى لإيصال المساعدات للمحتاجين، والدولة لها جمهور من الممولين لصناديقها، على رأسهم تجار دمشق وحلب والسويداء. الأموال التي أنفقها تجار السويداء على إعادة ترميم مبنى المحافظة الذي احترق، هي حصيلة سرقات منظمة من المواطنين بإشراف مسؤولي المحافظة". 

ويوضح أحد مؤسسي الجمعيات الخيرية في السويداء، أن "التوجه الحكومي مرفوض، ورُفض المقترح من قبل الجمعيات بشكل قاطع. لكن يبدو أن الضغوط على الجمعيات ستكون أكبر من قدرتها على المواجهة. هذا القرار محاولة لتبييض صفحة بعض المتنفذين على حساب الناس، وهو بمثابة الاستيلاء على أموال المتبرعين تحت ستار عمل الخير بقوة الأمر الواقع". 
وتجربة السوريين مع كثير من الجمعيات الخيرية إيجابية، إذ كان لها دور رائد في مساعدة الأسر المحتاجة والمرضى خلال سنوات الحرب، فضلاً عن دعم الطلاب وترميم العديد من المنشآت الخدمية، بينما التجربة غير ذلك تماماً مع المنظمات الإنسانية التابعة للدولة، كالهلال الأحمر والأمانة السورية للتنمية وغيرها.

المساهمون