"خرائب" تؤوي النازحين إلى الرقة السورية

16 يناير 2023
مسكن عائلة نازحة إلى الرقة (العربي الجديد)
+ الخط -

تعرضت عدة مناطق في مدينة الرقة للقصف خلال معارك تحريرها من سيطرة تنظيم "داعش"، وتضررت مئات المباني بشكل بالغ، وبات السكان المحليون يطلقون عليها اسم "الخرائب"، ومن بينها مناطق حيّ الفرات، وشارعا النور والادخار، ومفرق الجزرة والدرعية، لكنها في الوقت الراهن باتت مناطق يسكنها النازحون الذين يعانون من الفقر وعدم توافر المأوى. 
نزحت أم خليل (64 سنة) من "المغلة" في ريف الرقة الشرقي الواقع تحت سيطرة النظام، وتقول لـ"العربي الجديد": "اضطررت في عام 2019 إلى مغادرة قريتي مع ابناي وابنتاي، بعد انعدام مقومات الحياة، وغطرسة المليشيات، وأغلب سكان القرية، وخاصة العوائل التي تمتلك شباباً بعمر التجنيد، غادروا، وقد اتجهنا إلى مدينة الرقة لكونها الأقرب، ولنا أقارب فيها، وسكنت في منزل بالإيجار، لكن خلال 2019 توفيت ابنتي وابني بانفجار لغم في شارع النور، وأصيب ابني الثاني، ويعاني حالياً من إعاقة حركية".
تضيف: "بعدما فقدت ابني الأكبر الذي كان يعيلنا، اضطررت إلى البحث عن مأوى أقل كلفة، وعن عمل لي ولابنتي الصغيرة، فلم أجد أمامي سوى السكن في مدرسة مدمرة بحيّ الادخار، مع عشرات العوائل السورية الفقيرة. في البناء المتهدم، لا نملك شيئاً من مقومات الحياة، لكننا وجدنا عوائل أخرى جمعها المصير والفقر، ونعمل في التقاط المعادن والخردة والبلاستيك، وأحياناً نضطر إلى وضع النقاب للتسول كي نؤمّن اللقمة". 

يستغل النازحون أبنية الرقة المهدمة للسكن (العربي الجديد)
يستغل النازحون أبنية الرقة المهدمة للسكن (العربي الجديد)

وتروي فاطمة عيسى، النازحة من مدينة دير الزور إلى حيّ جمعيات الرشيد، لـ"العربي الجديد"، أنها كانت تتنقل منذ ثلاث سنوات مع زوجها وطفلهما من منزل إلى منزل بالرقة، وتقول: "زوجي عامل بناء بسيط يعمل يوماً ولا يجد عملاً لأيام، والحالة المعيشية صعبة، ما اضطرنا إلى السكن في أحد المنازل المقصوفة. قمنا بتنظيفه، ووضع شادر أمام المنزل لتوفير كلفة الإيجار. لا أحد هنا يطالبنا بفواتير الماء والكهرباء، أو الأمبيرات".
تابعت عيسى: "أساعد زوجي في تأمين لقمة العيش، فالحيّ تسكنه بعض العائلات الغنية، وأقوم بمساعدة النساء في الغسل، وإعداد المونة وغيرهما من الأعمال المنزلية، وساعدني الجيران كثيراً في علاج طفلي، وتأمين أعمال مياومة لزوجي".

أوضاع النازحين إلى الرقة مأساوية (العربي الجديد)
أوضاع النازحين إلى الرقة مأساوية (العربي الجديد)

ويوضح الناشط أسامة أبو عدي، من مدينة الرقة، لـ"العربي الجديد"، أن "الأحوال المعيشية للعوائل النازحة من المحافظات السورية إلى الرقة سيئة، سواء كانت تقطن في المخيمات، أو في المنازل المهدمة والخرائب بأحياء المدينة. المنظمات الإنسانية العاملة بالرقة عددها يقارب 130 منظمة، وبرامجها لا تشمل جميع الأوضاع المعيشية للوافدين، وأكثر المستفيدين من القاطنين في مخيمات رسمية، أما العوائل القاطنة في الخرائب، فأغلب الدعم الذي يصلها يكون على شكل هبات من الميسورين والمطابخ الإغاثية، وبرامج رعاية طبية يديرها ناشطون محليون".
وأضاف أبو عدي: "من الممكن إطلاق مبادرات لترميم بعض المباني التي يتخذها النازحون مساكن، أو نقل هذه العوائل إلى مخيمات مجهزة بالبنية التحتية، وفي وقت سابق من العام الماضي، كانت هناك مبادرات أهلية لمساعدة العوائل، شملت تزويدهم بوقود التدفئة والمدافئ، لكنها تظل مبادرات محدودة رغم أثرها".

ويقول أبو علي (60 سنة) النازح من منطقة الميسر في حلب، لـ"العربي الجديد": "غادرنا قبل سنوات إلى لبنان، وقبل عامين ضاقت بنا الأوضاع المعيشية، فاضطررنا إلى العودة إلى حلب، لكن لم نستطع البقاء هناك، إذ فقدت منزلي نتيجة القصف، ما اضطرني إلى النزوح إلى المنطقة الأكثر أمناً، وهي الرقة. عملت مع أولادي الأربعة في بيع الخردة وشرائها، لكونها الأكثر شيوعاً، ونلتقط يومياً الخردة والمعادن والبلاستيك، ثم نفرزها ونبيعها لاحقاً. نتيجة الظروف الصعبة وغلاء الإيجارات، اضطررت للسكن في بناء مهدم، وقمت بوضع عدة أغطية (شوادر)، لكنها لا تحمينا من البرد، كذلك فإن البناء لا يتوافر فيه الماء ولا الكهرباء". 
ويبلغ عدد المخيمات في الرقة 61 مخيماً عشوائياً، وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، تمكّنت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من تحرير مدينة الرقة بشكل كامل من سيطرة تنظيم داعش، بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات الأميركية، لتعود الحياة الطبيعية تدريجاً إلى المحافظة، من حركة سكانية واقتصادية، وعودة بعض المهجرين والنازحين، لكن عمليات الإعمار ما زالت بطيئة، ولا تزال العديد من المناطق مدمرة.

المساهمون