مع كل زلزال يضرب بلدا أو منطقة، يتحدث جيولوجيون وخبراء زلازل، عن توقعهم المسبق لحصول الهزات الأرضية، أو يروجون لتحذيرات سابقة أطلقوها حول إمكانية تعرض دول لزلازل، ما يطرح علامات استفهام حول مدى إمكانية التنبؤ بالزلازل تمهيداً للتحذير من مخاطرها، وإلى أي مدى يمكن أن يلعب العلم دوراً في تحديد مكان ونطاق الزلزال لتفادي الخسائر البشرية.
يميز الخبراء بين نوعين من التنبؤ بالزلازل، أولها يعرف بالتنبؤ الخاص، ويشمل تحديد عناصر الزلزال، مثل التوقيت، والنطاق الجغرافي، والقوة، وهو أمر يستحيل حتى الآن معرفته، والثاني خاص بمعرفة الأماكن المعرضة لزلازل بالاعتماد على الدراسات الحديثة التي تساعد في معرفة المناطق الواقعة على خطوط الزلازل، وحسب مجلة scientific american، لا يعد الحديث عن وقوع زلزال في كاليفورنيا تنبؤا مسبقا لأن الولاية تتعرض يومياً لعشرات الهزات الأرضية.
يقول الجيولوجي سمير زعاطيطي لـ "العربي الجديد": "لا يمكن معرفة تاريخ حدوث زلزال، ولا توجد تقنية علمية قادرة على اكتشاف ذلك، والسبب أن الزلازل ظاهرة طبيعية تحدث بسبب تغيرات في باطن الأرض خلال فترة زمنية. حتى نفهم طبيعة الزلازل، لا بد من فهم كيفية حصولها، وهي تحدث نتيجة انزلاق مفاجئ في الصدع، وعادة ما تتحرك الصفائح التكتونية ببطء، لكنها تلتصق عند حوافها بسبب الاحتكاك. الصفائح في حركة دائمة، ولكن عند نقطة معينة، يتغلب الضغط على الاحتكاك فتحصل الهزة الأرضية، ويتوقف مدى قوة الهزة على طبيعة الضغط، ويطلق الزلزال الطاقة في موجات تنتقل عبر القشرة الأرضية، وتسبب الاهتزاز الذي نشعر به".
يضيف زعاطيطي: "هناك أسباب متعددة تجعل التنبؤ بالزلازل صعباً على الرغم من وجود فهم جيد لكيفية حدوث الزلازل، ولا يزال تحديد العناصر الثلاثة الأساسية غير ممكن، وهي التوقيت، والنطاق الجغرافي، والقوة. يتداول الخبراء أن الحيوانات قادرة على الشعور بحدوث الزلازل قبل وقوعها، لكن لم يتم تأكيد ذلك بطريقة علمية".
وبحسب مجلة "نيتشر" الطبية، توصل العلماء إلى وسيلة قد تساعد في معرفة إمكانية وقوع زلازل من دون تحديد مدى القوة، إذ يتابع الخبراء زيادة كميات غاز الرادون في مصادر المياه، والتي تشكل شقوقاً صغيرة في الصخور تحت السطح قبل التمزق الرئيسي، والتي يمكن اعتبارها إشارة إلى إمكانية حصول الزلازل، ومع ذلك، لم يتم تأكيد هذه الفرضية، وهناك القليل من الأدلة التي تؤكد ارتباطها بالزلازل.
وأورد تقرير سابق نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أنه في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، شرع الباحثون في البحث عن إشارات قد تسبق الزلازل من خلال النظر في خليط من الإشارات، مثل سلوك الحيوان، وانبعاثات غاز الرادون، والإشارات الكهرومغناطيسية، وأظهرت النتائج في بعض الأحيان أنماطاً، لكن لم يكن أي منها موثوقاً بدرجة كافية لتلبية المتطلبات العلمية.
على سبيل المثال، قال علماء زلازل إن جزءا من صدع "سان أندرياس" بالقرب من باركفيلد في كاليفورنيا، ينذر بحدوث زلزال، وقاموا بتحليل كميات كبيرة من البيانات التاريخية للتنبؤ به، وقرروا أن الزلزال سيضرب المنطقة بحلول عام 1993، لكن ذلك لم يحدث حتى عام 2004، حين ضرب الزلزال وسط كاليفورنيا من دون سابق إنذار.
وحاول العلماء إنشاء نماذج رياضية متطورة لحركة الصفائح التكتونية المعروفة، وضبط برامج التعلم الآلي لقراءة وتحليل البيانات، ورغم أن هذه النماذج تبدو واعدة، إلا أنها لم تحقق بعد الدقة المطلوبة.
ويشير المتخصص بالهندسة البيئية، جو عطا الله، إلى أن "الخبراء يعتمدون على نماذج مختلفة لمحاكاة حصول الزلازل، لكنهم حتى الآن لم يتمكنوا من تحديد موعدها، وبدأت مراكز علمية في رصد ما يحصل داخل الصفائح التكتونية، لكن ذلك لم يساعدهم على التوصل إلى معرفة دقيقة بوقت حدوث الهزة الأرضية، أو مدى قوتها. يحاول الجيولوجيون استخدام الأساليب العلمية للتنبؤ بالزلازل منذ الستينيات، لكن من دون نجاح، وقد يكون السبب وراء ذلك هو عدم القدرة على فهم آليات عمل الصدوع الموجودة في باطن الأرض".
ويتفق كل من زعاطيطي وعطا الله على أن التنبؤ بالزلازل مهمة صعبة في الوقت الحالي، لكنهما يأملان أن يتمكن الخبراء من تطوير الوسائل والأدوات لمعرفة تاريخ حصول الزلزال قبل وقوعه.
ووفق منظمة الصحة العالمية، تسببت الزلازل في نحو نصف الوفيات الناجمة عن الكوارث الطبيعية خلال العقود الأخيرة، ما يعني أن القدرة على التنبؤ بها يمكنه إنقاذ عدد كبير من الأرواح، ومع ذلك، فإن التحذيرات المضللة أو الكاذبة قد تكون لها أضرار كبيرة، إذ يمكن أن تكبد تكاليف وجهودا غير ضرورية، كما تقوض مصداقية الأنظمة العلمية، ما يؤثر في النهاية على كيفية استجابة الناس للإنذارات في المستقبل.