حياكة المعاوز... حرفة تقليدية يمنية تقاوم الانقراض

08 اغسطس 2024
خلال حياكة المعاوز يدوياً (عامر الصبري)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **المعوز في الثقافة اليمنية**: يُعتبر المعوز جزءاً أساسياً من اللباس التقليدي اليمني للرجال، ويُرتدى في جميع المحافظات، خاصةً الجنوبية والوسطى. تُعد حياكة المعاوز من الصناعات التقليدية التي حافظت على وجودها رغم المنافسة من المنتجات المستوردة.

- **عملية حياكة المعوز**: تتطلب أدوات خشبية محلية الصنع ومهارات خاصة. تُصنع المعاوز على مرحلتين وتختلف حسب المدن اليمنية. النساء يشاركن في حياكة المعاوز، خاصة في منطقة وصاب.

- **التحديات الاقتصادية وتأثيرها على سوق المعاوز**: شهد سوق المعاوز اليدوية ركوداً بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتدهور العملة المحلية. البضاعة المستوردة تُباع بأسعار أقل، مما يؤثر على الإقبال على المعاوز اليدوية.

يحتلّ المعوز مكانة استثنائية في اللباس التقليدي اليمني الخاص بالرجال، ويرتديه هؤلاء في جميع المحافظات اليمنية، وإن كان ارتداؤه طاغياً في المحافظات الجنوبية والوسطى للبلاد. والمعوز قطعةُ قماش مستطيلة الشكل، مطرزة بأشكال هندسية بديعة، تُلَفّ على الجزء السفلي من جسم الرجل، وتُربط من منطقة الخصر إما بحزام يسمى الكَمر وإمّا بالخنجر اليمني المعروف بالجنبية.
وتعد حياكة المعاوز من الصناعات التقليدية في اليمن، وتدخل ضمن الصناعات النسيجية مهنةً أصيلةً حافظت على بقائها في مواجهة الصناعات الخارجية التي تأتي من عدة دول أبرزها الصين. ولا يزال المعوز الذي صنع يدوياً المفضل لدى اليمنيين على الرغم من ارتفاع سعره مقارنة بالمعوز المستورد من الخارج.

وتحتاج حياكة المعوز إلى أدوات خشبية مصنوعة محلياً، ويصنع الحائك آلته التي تتكون من مجموعة من القطع الخشبية تسمى القاعدة، على أن تثبت بمساحة مترين وحفرة في الأرض بعمق 60 سنتمتراً لوضع الدعاسات أو ما يسمى بالزناجر فيها.
وتتم صناعة المعوز أو حياكته على مرحلتين. في كل مرحلة، يتم إنتاج قطعة يطلق عليها شقة ثم تلصق إحداهما بالأخرى من خلال آلة التطريز الخاصة. وحياكة المعاوز ليست بالأمر السهل كما قد يتوقع البعض، بل تحتاج إلى امتلاك الحائك مهارات  ترتيب الخيوط وفنونه بما يساهم في تشكيل خطوط وأشكال هندسية بالخيوط الملونة، وهذه حرفة تحتاج إلى قدر كبير من الإتقان في التطريز وابتكار النقوش.

للمعاوز أنواع مختلفة تتعلق بهوية المدن اليمنية المختلفة (عامر الصبري)
للمعاوز أنواع مختلفة تتعلق بهوية المدن اليمنية المختلفة (عامر الصبري)

وللمعاوز أنواع مختلفة تتعلق بهوية المدن اليمنية المختلفة، فهناك الشبواني والبيضاني والحضرمي واللحجي والحديدي والعدني والوصابي، وتختلف هذه الأنواع في شكلها ونوع الخيوط المصنوعة منها. كما تختلف خامة الخيط المستخدم في صناعة المعوز بحسب المحافظة. فالمحافظات الساحلية غالباً ما يكون الخيط فيها من النوع الخفيف بسبب ارتفاع درجات  الحرارة في هذه المحافظات، على عكس المحافظات الجبلية التي تُحاك المعاوز فيها بخيوط أثقل على أن يتناسب المعوز مع الطقس العام الذي يكون معتدلاً صيفاً وبارداً في الشتاء.

حياكة المعاوز من الصناعات التقليدية في اليمن (عامر الصبري)
حياكة المعاوز من الصناعات التقليدية في اليمن (عامر الصبري)

ويتميز المعوز اللحجي بكثرة النقشات فيه، وهو الأصعب لناحية الصناعة، على عكس المعوز الشبواني الذي يكون خفيف النقشات، بينما يتربع البيضاني على قمة المعاوز وهو الأغلى ثمناً، وقد يصل سعره إلى ما يقرب من 200 دولار. ولا تقتصر مهنة صناعة المعاوز على الرجال فقط، بل إن العديد من النساء يحترفن هذه المهنة خصوصاً في منطقة وصاب في محافظة ذمار وسط اليمن. ويحرص عدد من أهالي المنطقة على إنشاء معامل خاصة بحياكة المعاوز داخل المنازل، وتمارس النساء عملية الحياكة، ثم يُصدَّر المنتج إلى الأسواق. وتعد مهنة الحياكة مصدراً لرزق العديد من الأسر.
وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اليمنيون نتيجة الحرب المستمرة منذ أكثر من تسع سنوات، شهد سوق المعاوز المحاكة يدوياً ركوداً نتيجة تدهور القدرة الشرائية للمواطن، وتدني القيمة الشرائية للريال اليمني الذي شهد تدهوراً غير مسبوق (الدولار في مناطق الحكومة الشرعية يساوي 1850 ريالاً، وفي مناطق سيطرة الحوثيين يساوي 535 ريالاً).

تحتاج صناعة المعاوز إلى امتلاك الحائك مهارات ترتيب الخيوط (عامر الصبري)
تحتاج صناعة المعاوز إلى امتلاك الحائك مهارات ترتيب الخيوط (عامر الصبري)

وأحد الأسباب التي سبّبت ركود سوق المعاوز هو البضاعة المستوردة من الخارج، كما يقول حائك المعاوز فهمي الوصابي لـ "العربي الجديد". ويؤكد أن ارتفاع وتضاعف أسعار الخيوط الخاصة بحياكة المعاوز سبّب ضعف الإقبال على شراء المعاوز المصنوعة يدوياً، بالإضافة إلى غزو المعاوز المستوردة من الخارج خصوصاً من الصين، للأسواق اليمنية علماً أنها تباع بأسعار قليلة مقارنة بالمعاوز اليدوية. ويبلغ سعر المعوز المستورد حوالي 10 دولارات، وهو سعر مقبول للمواطن الذي يعاني وضعاً اقتصادياً صعباً". يضيف الوصابي أن المعاوز المنسوجة يدوياً باتت تباع في مواسم الأعياد فقط، كما أن الإقبال عليها يقل عاماً بعد عام بسبب الأوضاع في البلاد، وأكثر من يقبل على شرائها هم المغتربون الذين لا يزال وضعهم المادي أفضل من المقيمين داخل اليمن".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

من جهته، يقول رضوان سعيد، لـ "العربي الجديد"، إنه يحرص على شراء المعاوز المصنوعة بالطريقة التقليدية، حتى وإن ارتفع سعرها لأنها ذات جودة عالية وتدوم وقتاً أطول، كما أن شكلها جميل وجذاب أكثر من تلك المستوردة، بالإضافة إلى أنها جزء من التراث الذي يجب أن نحافظ عليه ونعتز به". يضيف رضوان أن المعاوز المصنوعة يدوياً تفتقر إلى الاهتمام والترويج لها من الجهات المختصة، علماً أن حرفة حياكة المعاوز من المهن التقليدية التي تعبر عن هويتنا وتراثنا المتأصل والمتجذر في أعماق التاريخ، ويجب أن يحضر المعوز في المؤتمرات والمحافل الدولية بوصفه جزءاً من تراثنا وهويتنا الوطنية".
وكان السفير اليمني في لندن ياسين سعيد نعمان قد لفت الأنظار خلال تسليمه أوراق ابتعاثه لملكة بريطانيا سفيراً لليمن عام 2015، وهو يرتدي المعوز اليمني الذي يلف النصف الأسفل من جسمه حتى ساقيه، في صورة أثارت إعجاب اليمنيين وتداولها رواد وسائل التواصل الاجتماعي.