"حياة واحدة.. كبد واحد" والالتهاب يهدّد كلَيهما

28 يوليو 2023
التحصين ضدّ التهاب الكبد يحميه ويحمي أعضاء الجسم الحيوية الأخرى.. وكذلك الحياة (Getty)
+ الخط -

في 28 يوليو/ تموز من عام 1925، وُلد الطبيب الأميركي باروك بولمبرغ الحائز على جائزة نوبل في الطبّ (أو علم وظائف الأعضاء) في عام 1976، ويعود إليه الفضل في اكتشاف فيروس التهاب الكبد من نوع "بي" واستحداث اختبار لتشخيصه وتطوير لقاح مضاد له. وفي تقدير للجهود التي أتى بها في هذا المجال، أدرجت الأمم المتحدة هذا التاريخ على روزنامتها للأيام العالمية بهدف الإضاءة على الكبد والإحاطة بأمراضه.

وفي نسخة عام 2023 من اليوم العالمي لالتهاب الكبد، أطلقت منظمة الصحة العالمية حملة تحت شعار "حياة واحدة.. كبد واحد"، لتسليط الضوء على أهمية حماية الكبد من أجل حياة طويلة وصحية، علماً أنّ من شأن ذلك أن يحافظ كذلك على الأعضاء الحيوية الأخرى لدى الإنسان مثل القلب والدماغ والكليتَين وغيرها.

وتأتي الحملة في حين أنّ ملايين الأشخاص يعيشون مع التهاب كبد غير مشخّص وغير معالج في كلّ أنحاء العالم، بحسب ما يشير المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، على الرغم من توفّر "أدوات فضلى أكثر من أيّ وقت مضى للتشخيص والعلاج"، مشدّداً على "التزام المنظمة بدعم البلدان لتوسيع استخدام هذه الأدوات من أجل إنقاذ الأرواح والقضاء على التهاب الكبد".

لكنّ سؤالاً منطقياً يُطرَح: هل من الممكن فعلاً القضاء على التهاب الكبد بمختلف أنواعه؟ قد يكون كلام رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة هيلين كلارك، في خلال القمة العالمية لالتهاب الكبد 2022 التي أُقيمت افتراضياً، جواباً ممكناً على الرغم من شكوك كثيرة. هي قالت في الجلسة الافتتاحية للقمة التي تعقد أعمالها المقبلة في البرتغال في عام 2024، إنّه "إذا استهدفنا التهاب الكبد الفيروسي بالحماسة نفسها التي عمل بها العالم للقضاء على الجدري، فإنّنا قادرون على القيام بذلك".

وفي القمة نفسها التي عُقدت في العام الماضي، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنّ "ثمّة عدداً قليلاً من الأمراض التي يمكننا أن نحلم واقعياً بالقضاء عليها"، لافتاً إلى أنّ "التهاب الكبد واحد منها". وشدّدّ على أنّ "تمويلاً مستداماً ومناصرة لا هوادة فيها وقيادة سياسية حكيمة أمور ضرورية لتحقيق هذا الحلم".

يُذكر أنّ القمة العالمية لالتهاب الكبد، بحسب ما يوضح القائمون عليها، هي المؤتمر العالمي الوحيد الذي يُعنى بالتهاب الكبد من خلال التركيز على مقاربة للصحة العامة تقوم على تعدّد القطاعات وأصحاب المصلحة تجمع المشاركين باختلافهم، من الناشطين في المجتمع المدني إلى صانعي السياسات ومن القطاع الخاص إلى الأكاديميين، لجعل حلم القضاء على التهاب الكبد واقعاً.

ويُعَدّ اليوم العالمي لالتهاب الكبد فرصة لتعزيز الجهود الوطنية والدولية المبذولة لمكافحة التهاب الكبد بأنواعه، والتشجيع على العمل وعلى مشاركة الأفراد والشركاء والجمهور، وتسليط الضوء على ضرورة تعزيز الاستجابة العالمية في هذا السياق، بحسب ما جاء في التقرير العالمي لمنظمة الصحة العالمية بشأن التهاب الكبد لعام 2017. يُذكر أنّ التزاماً تاريخياً وُضع للقضاء على التهاب الكبد بحلول عام 2030 في جمعية الصحة العالمية لعام 2016.

لكنّ القائمين على هذا اليوم يشيرون إلى أنّ انخفاض مستوى التغطية باختبارات التشخيص كما العلاجات، يمثّل أبرز الثغرات الواجب سدّها من أجل تحقيق أهداف التخلّص من المرض على صعيد العالم، بحلول عام 2030. وقد دعت منظمة الصحة العالمية إلى توسيع نطاق اختبارات وعلاجات التهاب الكبد الفيروسي، محذّرة من إمكانية أن يقضي المرض على عدد أكبر من الناس مقارنة بالسلّ والملاريا والإيدز مجتمعة بحلول عام 2040، في حال استمرّت العدوى باتجاهاتها الحالية.

في حملة هذا العام "حياة واحدة.. كبد واحد"، تشرح منظمة الصحة العالمية أنّه في إمكان التهاب الكبد أن يفتك بكلَيهما؛ الحياة والكبد. وتشرح أنّ الكبد يؤدّي بصمت أكثر من 500 وظيفة حيوية يومياً، من أجل تمكيننا من البقاء على قيد الحياة. وتشدّد الوكالة التابعة للأمم المتحدة هذا ما يجعل إعطاء الأولوية لصحة الكبد، ومعرفة وضعنا لجهة الإصابة بالتهاب الكبد، أمراً مهماً جداً.

وتبيّن منظمة الصحة العالمية، في إطار المعلومات التي توفّرها في هذا السياق، أنّ التهاب الكبد الفيروسي يزهق أرواح أكثر من مليون شخص سنوياً. وتشرح أنّ التهاب الكبد من نوع "بي" والتهاب الكبد من نوع "سي" مجتمعَين يتسبّبان في 1.1 مليون وفاة إلى جانب ثلاثة ملايين عدوى جديدة سنوياً. كذلك يتعايش 350 مليون شخص مع عدوى التهاب الكبد الفيروسي المزمن.

ويومياً، يقضي ثلاثة آلاف شخص من جرّاء التهاب الكبد، الأمر الذي يمثّل وفاة واحدة في كلّ ثلاثين ثانية. وبخصوص العدوى، تُسجَّل أكثر من ثمانية آلاف حالات جديدة بالتهابَي الكبد من نوع "بي" و"سي" يومياً، الأمر الذي يعني أكثر من خمس حالات عدوى في كلّ دقيقة.

ويتخوّف القائمون على اليوم العالمي لالتهاب الكبد من استمرار هذا المسار، إذ إنّ ذلك سوف يؤدّي إلى ارتفاع عدد الوفيات السنوية الناجمة عن التهاب الكبد الفيروسي ليفوق عدد وفيات الملاريا والسلّ والإيدز مجتمعة، بحلول عام 2040.

وتعبّر منظمة الصحة العالمية عن قلقها إزاء الأعداد الكبيرة من الأشخاص المصابين بالتهاب الكبد الذين لم تُشخَّص إصابتهم والذين لا يحصلون على العلاج، مشدّدة على أنّه لا بدّ لهذا الأمر أن يتغيّر. وإذ تفيد بأنّ العدوى بالتهاب الكبد صامتة فيما مستوى الوعي بصحة الكبد منخفض، تشرح أنّ الأعراض بغالبيتها لا تظهر إلا في مراحل متقدّمة من المرض، الأمر الذي يحول دون تشخيص إصابة عدد كبير من الأشخاص المتعايشين مع التهاب الكبد، وكذلك إلى وفاة عدد كبير منهم لعدم تلقّي العلاج. وتلفت إلى أنّه حتى عند تشخيص الإصابة بالتهاب الكبد، فإنّ عدد الأشخاص الذين يتلقّون العلاج قليل بطريقة لا تصدّق.

ولا تخفي المنظمة أنّ جائحة كورونا أدّت إلى إبطاء التقدّم المُحرَز في جهود الاستجابة العالمية لالتهاب الكبد في السنوات الأخيرة، علماً أنّها تسبّبت كذلك في تراجع الإحاطة بأمراض أخرى كثيرة. لكنّها تلفت إلى أنّ النجاح المستمرّ في تخفيض حالات العدوى بالتهاب الكبد من نوع "بي" بين الأطفال يثبت أنّه من الممكن إحراز تقدّم. وبالتالي ترى أنّ الوقت قد حان لإعطاء الأولوية للاختبار والعلاج من أجل عالم خالٍ من التهاب الكبد.

المساهمون