حياة بين الأموات.. كفيفة في غزة نزحت إلى مقبرة مع طفلتَيها

04 ديسمبر 2024
زهر وطفلتاها نازحات في خانيونس، جنوب قطاع غزة، 3 ديسمبر 2024 (محمود بسّام/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعيش زهر أبو جاموس، كفيفة فلسطينية، في خيمة بمقبرة في غزة، حيث تعتني بطفلتيها ذواتي الإعاقة باستخدام حاستي اللمس والسمع، وتعتبر فقدان بصرها نعمة لتجنب رؤية مشاهد الدفن.
- تعتمد زهر على حاسة اللمس لرعاية طفلتيها، وتخطط لتعليمهن طريقة برايل، بينما تعيش العائلة على المساعدات وتواجه تحديات بسبب نقص الموارد وأماكن موائمة للإعاقة.
- تعاني العائلة من ظروف قاسية بسبب الحصار والحرب، وتعيش زهر في خوف دائم داخل المقبرة بسبب نباح الكلاب وتسلسل الأفاعي، وتعتبر المقبرة غير آمنة.

في خيمة صغيرة نُصبت في نطاق مقبرة بمدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة الذي يتعرّض لحرب إسرائيلية متواصلة منذ نحو 14 شهراً، تصارع امرأة فلسطينية كفيفة لرعاية طفلتَين من ذوي الإعاقة، معتمدةً على حاستَي اللمس والسمع لتسيير كلّ شؤون العائلة. هي تدعى زهر أبو جاموس وتبلغ من العمر 32 عاماً، وتحمل شهادة دبلوم "معلم صف تربية طفل" من الكلية الجامعية والعلوم التطبيقية في غزة.

وبينما تسرّح زهر شعر ابنتها روان البالغة من العمر أربعة أعوام في داخل الخيمة مصنوعة من النايلون، تخبر وكالة الأناضول أنّها اضطرّت قسراً إلى العيش في نطاق المقبرة، على الرغم من أنّها كانت تشعر بخوف كبير كلّما مرّت بجوار المقابر قبل أن تشنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي حربها على قطاع غزة والفلسطينيين فيه، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وتلفت زهر إلى أنّ فقدانها حاسة البصر في هذا الوقت خصوصاً "نعمة وهبة من الله"، وذلك كي لا تبصر "مشاهد وصول الجثث إلى المقبرة من أجل دفنها".

الصورة
زهر أبو جاموس وابنتها الكبرى روان في خانيونس - جنوب قطاع غزة - 3 ديسمبر 2024 (محمود بسام/ الأناضول)
زهر أبو جاموس تسرّح شعر ابنتها الكبرى روان في خانيونس، جنوب قطاع غزة، 3 ديسمبر 2024 (محمود بسام/ الأناضول)

وكما هي حال العائلات الفلسطينية في قطاع غزة بمعظمها، كذلك خبرت زهر وزوجها وطفلتاهما النزوح في أكثر من مرّة، هرباً من الجحيم الذي تخلّفه غارات الاحتلال التي تستهدف القطاع بكلّ مناطقه. ويواجه النازحون، الذين يبلغ عددهم نحو مليونَ فلسطيني من أصل 2.3 مليون نسمة في القطاع المحاصر والمستهدف، ظروفاً قاهرة في ظلّ نقص إمدادات المياه والغذاء ووسائل النظافة الشخصية والأدوية. وفي نزوحهم، يلجأ الفلسطينيون إلى خيام من القماش والنايلون، أو إلى مراكز إيواء في مدارس ومستشفيات ومراكز صحية اكتظّت بهم. وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإنّ خيام النازحين اهترأت بفعل العوامل الجوية التي شهدها القطاع خلال أكثر من عام من حرب الإبادة الجماعية المتواصلة.

تبيّن زهر أنّها تقوم بكلّ مهام الحياة اليومية مستندةً إلى لمس الأشياء بيدَيها والتعرّف إلى طبيعتها، وعلى سبيل المثال "في حال كانت الكأس غير نظيفة أغسلها، كذلك الأمر بالنسبة إلى الأطباق"، بحسب ما تؤكده المرأة الفلسطينية. والأمر مماثل مع طفلتَيها، فتقول: "لا أعتمد في رعايتهما على حاسة البصر إنّما اللمس، سواء في ما يتعلّق بملبسهما أو طعامهما أو نظافتَيهما، خصوصاً الصغرى التي تبلغ من العمر عامَين".

الصورة
زهر أبو جاموس وابنتها الصغرى في خانيونس - جنوب قطاع غزة - 3 ديسمبر 2024 (محمود بسام/ الأناضول)
زهر أبو جاموس مع ابنتها الصغرى في خانيونس، جنوب قطاع غزة، 3 ديسمبر 2024 (محمود بسام/ الأناضول)

وعلى الرغم من أنّ زهر تهتمّ بغالبية المهام، فإنّها أوكلت طهي الطعام إلى زوجها المُبصر، وذلك خشية احتراقها أو احتراق الخيمة والملابس القليلة المتبقية لدى العائلة. وتلفت إلى أنّ "حينما نزحنا، لم نحمل معنا ملابسنا ولا أمتعتنا، فقد تركنا كلّ شيء في المنزل الذي دمّرته إسرائيل". وحول إعاقة طفلتَيها، تقول إنّها تأكدت طبياً قبل اندلاع الحرب من أنّ طفلتها الكبرى روان كفيفة، فيما تعاني الصغرى من إعاقة بصرية لم تؤكَّد طبياً بعد بسبب الإبادة الجماعية المستمرة. وتعبّر زهر عن نيّتها تعليم طفلتَيها طريقة برايل للقراءة والكتابة، وذلك "حتى تواجها المجتمع بقوّة، بعد انتهاء الإبادة الجماعية".

ولا تخفي زهر أنّها، قبل اندلاع الحرب، كانت تعاني في المجتمع من جرّاء إعاقتها وعدم توفّر أدوات وأماكن موائمة للأشخاص ذوي الإعاقة. وتصف الظروف التي تعيشها في المخيّم العشوائي بـ"الصعبة جداً"، خصوصاً في ظلّ عدم توفّر مواد غذائية ولا مياه، مضيفةً أنّ عائلتها تعتمد في حياتها على المساعدات وما يقدّمه أهل الخير لهم.

الصورة
زهر أبو جاموس وزوجها في خيمة النزوح خانيونس - جنوب قطاع غزة - 3 ديسمبر 2024 (محمود بسام/ الأناضول)
زهر أبو جاموس وزوجها في خيمة نزوح عائلتهما في خانيونس، جنوب قطاع غزة، 3 ديسمبر 2024 (محمود بسام/ الأناضول)

سوء التغذية يؤخّر النموّ في غزة

في سياق متصل، تلفت المرأة الفلسطينية إلى أنّ طفلتها الصغرى كانت تخطو خطواتها الأولى وسط فرحة العائلة قبل الحرب، لكنّها تبدو عاجزة اليوم، فهي لم تتمكّن بعد من المشي. وكان أطباء ومسؤولون صحيون قد حذّروا من تأخّر نموّ الأطفال في قطاع غزة من جرّاء سوء التغذية التي يعانون منها بفعل الجوع المستفحل، بالإضافة إلى تأخّر كثيرين منهم عن تلقّي المقويات الغذائية واللقاحات الخاصة بهم بسبب الحصار المشدّد الذي يفرضه الاحتلال على القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023 والحرب المدمّرة التي يستهدفه بها.

إلى جانب ذلك، تعاني زهر أبو جاموس من ظروف صعبة على المستوى النفسي، بسبب إقامتها في داخل مقبرة، علماً أنّها وصلت إليها بعد نزوحها من شمالي غزة ثمّ رفح (جنوب) ومدينة أصداء في خانيونس. وتوضح: "اضطررنا إلى المبيت في هذه المقبرة، بعدما حصلنا على خيمة من فاعلي خير. أتى ذلك بعدما كان الشارع يؤوينا لمدّة 12 يوماً، عقب نزوحنا من مدينة أصداء". وتشير زهر إلى أنّها عارضت فكرة المبيت بين القبور، إلا أنّ عدم توفّر أماكن أخرى ومراكز إيواء متاحة للجوء إليها دفعها في نهاية الأمر إلى القبول قسراً.

صحة
التحديثات الحية

وتشير زهر إلى أنّها تعيش في خوف دائم في خيمتها بالمقبرة، ولا سيّما أنّ نباح الكلاب يُسمَع دائماً في المكان الذي تتسلّل إليه الأفاعي. وتقرّ بأنّ لولا عائلتها، لكانت ستفضّل المبيت في الشارع "عوضاً عن هذا المكان المخيف". لكنّ عائلتها ليست الوحيدة التي لجأت إلى هذه المقبرة، وتقول في هذا الإطار إنّ جاراتها يتحدّثن دائماً عن "جلب أشلاء شهداء وهياكل عظمية" لدفنها في المكان.

(الأناضول، العربي الجديد)

المساهمون