حول عدالة الامتحان

08 سبتمبر 2022
فرحة ما بعد الانتهاء من إجراء الامتحانات (مجدي فتحي/ Getty)
+ الخط -

خلال نهاية الربيع وبداية الصيف، خاض طلاب الجامعات والمدارس امتحاناتهم، سواء أكانت فصلية ورسمية أم نهائية. وجاءت النتائج متباينة بطبيعة الحال بين طالب وآخر ومؤسسة وأخرى. وعلى الرغم من ارتفاع نسب النجاح بينهم، مقارنةً بالسنوات السابقة، إلا أن هذا لا يطمئن كثيراً، ويؤشر على مشكلة في المناهج المعتمدة والتصحيح والأداء، خصوصاً أن ما يعرفه القاصي والداني في القطاع، أن السمة الغالبة تؤشر على تراجع ثابت في المستوى التعليمي. ينطبق الوضع على التعليم الأكاديمي والمهني – التقني معاً. ومثل هذا الوضع يترك بصماته على سوق عمل يتطلب كفاءات عالية المستوى. وتزداد الخطورة بالإشارة إلى ما أوردناه قبلاً عن هجرة الكفاءات والأدمغة نحو الدول المتقدمة لأسباب شتى. والحصيلة أننا نخسر ذوي مؤهلات عالية ومدربة جيداً، وفي المقابل نُدخِل إلى المؤسسات المختلفة ذوي كفاءات ومؤهلات متدنية على الأغلب، وهو أمر من شأنه أن يلحق خسائر فادحة، ليس بالأفراد فقط، بل بجملة الاقتصادات الوطنية، سواء في القطاع العام أو الخاص.
وبالعودة إلى التقرير الذي أشرنا إليه سابقاً، الصادر عن كل من البنك الدولي والأونيسكو واليونيسف، وهي مؤسسات دولية معروفة بتدقيقها، يتبين أن دولاً عربية عدة اتخذت "قرارات صعبة في ما يتعلق بالامتحانات والتقييمات الوطنية". في نهاية العام الدراسي 2020-2021، حافظ 79 في المائة من الدول العربية على امتحانات التعليم الابتدائي. وفي المرحلة الإعدادية حافظ 79 في المائة منها على الامتحانات، وألغى 5 في المائة فقط العملية الامتحانية، وأرجئت الامتحانات في 5 في المائة أخرى من دول العالم العربي، فيما اختار 11 في المائة من تلك الدول تقليل المحتوى، وحذف بعض المواد "الكمالية" من امتحانات الشهادات الرسمية، أو توفير المزيد من الخيارات أمام الطلاب. وبالنسبة إلى المرحلة الثانوية، استكملت 89 في المائة من الدول الامتحانات، وأرجئت في 8 في المائة، مقابل تقليل المحتوى في 8 في المائة أخرى. وفيما استكملت 86 في المائة من الدول العربية الاختبارات، قررت 14 في المائة أخرى تأجيلها.

موقف
التحديثات الحية

واللافت أن التعامل مع هذه الاختبارات كان عشوائياً في معظم المراحل التعليمية. أمر تشارك فيه التعليم الرسمي العام والخاص، العالي وما دونه. واستُعيض عن جديتها بأوراق يقدمها الطلاب إلى المدارس. وقد اعتمد الطلاب في إنجازها على ذويهم عند توافر المعارف لديهم، أو استعانوا بمعلمين وأساتذة خصوصيين دفعوا لهم مبالغ مالية طائلة لقاء خدماتهم "الجليلة". لكن القسم الأكبر قام بنسخ ولصق ما قدمه له محرك البحث "غوغل" وويكيبيديا والمجلات والجرائد، دون التقيد بالحد الأدنى من شروط ومناهج البحث العلمي المعروفة، التي تخصص لها المدارس والجامعات حصصاً دراسية في عموم برامجها ضمن هدف محدد هو النجاح دون التقليل من التحصيل العلمي. 
الخطير أنه لا القطاع الرسمي ولا غير الرسمي، فكر قليلاً في إعادة الامتحانات مثلاً، والإفادة من فرصة الصيف لإعداد برامج تقوية فعلية للطلاب في المواد الأساسية، بل كأن شيئاً لم يكن. فقد حافظت هذه العطلة على ثباتها الزمني، وعلى حالة الفراغ التي تفرضها، مثلها مثل الفرص السنوية التي لم يطرأ عليها تعديل لجهة تقليص أيامها، والاستفادة منها لتحقيق مزيد من التعزيز للطلبة، وتلافي التراجع الذي أصاب الأداء التعليمي برمته. لا الحكومات ولا الإدارات كانت في هذا الوارد. وهكذا بتنا أمام أداء متراخٍ عن القيام بمجهود فعلي يردم الفجوات ويسد الثغرات. من قال إن الامتحان هو المقياس الوحيد لإصدار الحكم دون النظر إلى مقدماته الحقيقية؟! 
(باحث وأكاديمي) 

المساهمون