حوادث السير تحصد أرواح المئات في المغرب سنوياً

24 اغسطس 2023
تتكرر حوادث السير القاتلة في المغرب (فرانس برس)
+ الخط -

خلال أقل من أسبوعين، شهدت طرق المغرب حوادث سير خلفت عشرات الوفيات، كان آخرها الثلاثاء الماضي، حين أدى تصادم بين ثلاث سيارات على الطريق الرابطة بين مدينتي خريبكة وبني ملال (وسط)، إلى مقتل 10 أشخاص، وقبلها بأيام فقط، شهدت الطريق الرابطة بين مدينتي مراكش وتامنصورت، اصطدام سيارتين ما تسبب في مصرع أربعة أشخاص.
وفي 6 أغسطس/ آب، أودى حادث سير في منطقة دمنات بإقليم أزيلال (وسط)، بحياة 24 شخصاً كانوا داخل حافلة صغيرة، وسجل خلال الأسبوع الثاني من شهر أغسطس، 1759 حادث سير، لقي 29 شخصاً حتفهم فيها، وأصيب 2439 آخرين بجروح، وكانت إصابات 86 منهم بليغة.
ويقول عضو المجلس الإداري للوكالة الوطنية لسلامة الطرق (حكومية)، عماد العسري، إن حوادث السير أزمة كبيرة يعاني منها المجتمع المغربي، وإن هناك أسباباً عدة تقف وراء تكرارها، من بينها السرعة الزائدة، وعدم احترام قوانين المرور، أو مسافة الأمان بين المركبات.
ويوضح لـ "العربي الجديد"، أن "العامل البشري يظل أبرز الأسباب المؤدية إلى الحوادث المميتة، وبنسبة تفوق 80 في المائة، فضلاً عن مسببات أخرى تتعلق بالبنية التحتية، وبحالة المركبات الميكانيكية، وقلة إشارات الطرق، أو انعدامها في بعض التقاطعات، لكن هناك مجهوداً كبيراً يقوم به العديد من المتدخلين في مجال سلامة الطرق، وسجل انخفاض في عدد حوادث السير خلال السنة الماضية، بفضل الاستراتيجية الوطنية لسلامة الطرق التي تراهن على تخفيض نسبة الحوادث إلى النصف بحلول عام 2026".
ويشدد العسري على أهمية حملات التوعية، خاصة في الفترات التي تعرف ارتفاع أعداد حوادث السير، ومن بينها مواسم العطل والإجازات، وعلى ضرورة احترام جميع مستعملي الطرق قوانين السير لتخفيض أعداد الحوادث التي تثقل كاهل الدولة اقتصادياً، وتخلف انعكاسات مجتمعية كبيرة.
ولم تنجح الإجراءات القانونية التي اتخذتها السلطات خلال السنوات الماضية في الحد من "حرب الطرق"، وأبرزها تطبيق قانون "مدونة السير" بداية من مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2010، وإنشاء لجنة وزارية لسلامة الطرق، لتظل حوادث السير أحد أبرز أسباب الوفيات في البلاد.
وكشفت "الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية" في فبراير/ شباط الماضي، عن تسجيل 3201 قتيل خلال عام 2022 بانخفاض يعادل 6,84 في المائة عن العام الذي سبقه، وبحسب المعطيات الرسمية، فقد كلفت حوادث السير البلاد أكثر من 19,5 مليار درهم (ما يقارب من ملياري دولار) في عام 2019، أي ما يعادل 1,69 في المائة من الناتج المحلي، بالإضافة إلى أن تلك الحوادث تسببت في ضغط هائل على المستشفيات التي استقبلت الضحايا والمصابين.
ومنذ عام 2017، كان لافتاً رهان السلطات المغربية على الاستراتيجية الوطنية (2017 - 2026) لخفض نسبة ضحايا حوادث السير بـ 50 في المائة بحلول عام 2026، أي الوصول بالأرقام إلى أقل من 1900 قتيل سنوياً، والتي تستهدف توعية الراجلين، وقائدي الدراجات النارية ذات العجلتين أو الثلاث عجلات، والحوادث التي تتورط فيها مركبة واحدة، والأطفال أقل من 14 سنة، ومركبات النقل المهني، وتشمل تدابير السلامة على الطرق، والتوعية بالعقوبات، وتأمين المركبات، والإسعافات المقدمة للضحايا.

الصورة
السرعة الزائدة بين أسباب تكرار الحوادث (Getty)
السرعة الزائدة من أسباب تكرار الحوادث (Getty)

من جانبه، يقول الخبير الدولي في سلامة الطرق، إدريس الناجح، إن هناك مفارقة غير مفهومة بين الجهد الذي تقوم به الدولة في مجال سلامة الطرق، وبين واقع تكرار حوادث السير، والأرقام المخيفة للضحايا التي تخلفها في كل عام، مؤكداً أن "الوضوح يقتضي طرح كل الأسباب الممكنة، والقيام بتقييم كل السياسات والإجراءات التي اتخذت، والفراغات التي لم يجر ملؤها بعد، والتي تتسبب في وقوع الكثير من الحوادث المميتة".
ويلفت الناجح في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن "السؤال الذي ينبغي إعادة طرحه والتدقيق فيه، هو المؤهلات التي ينبغي توفرها في الشخص كي يستحق حمل رخصة القيادة، وبشكل خاص ما يرتبط بالمؤهلات الصحية والنفسية، في التجارب الأوروبية على سبيل المثال، تُشترط شهادة طبية يقدمها طالب الرخصة حتى يجري التأكد من سلامته من بعض الأمراض الخطيرة، والتي يكون لها تأثير سلبي على سلامة الطرق، وينبغي خضوع طالب رخصة القيادة لتدريب لا يقتصر على البعد المعرفي والمهاري، بل يتضمن أيضاً أبعاداً أخرى سيكولوجية، وسوسيولوجية، وتربوية، فيتعلم بعض جوانب التسامح على الطريق، ومساعدة الآخرين عند دخول الطريق المزدحم، ومساعدة الذين يهمون بالتجاوز، من دون إغفال التدريب التقني، وكل ذلك قد يسهم في تفادي وقوع الكوارث".

ويعتبر الخبير المغربي أن "البعد التقني الخاص بسلامة العربة من العيوب، وملاءمة قطع الغيار قضية محورية، وينبغي التعامل معها بجدية، وحماية السوق الوطنية من قطع الغيار المغشوشة التي تساهم في حصول عدد من الحوادث المميتة، كما يجب تطوير منظومة سلامة الطرق، كي تؤدي إلى تحقيق نتائج تنعكس في انخفاض أعداد حوادث السير، خصوصاً المميتة منها، ويقتضي ذلك تدريب السائق، واستحضار جميع أبعاد التدريب، وتفعيل الإجراءات القانونية المرتبطة بخصم النقاط، وسحب رخص القيادة في حال التمادي في الخطأ، أو في حال القيادة تحت تأثير الكحول أو المخدرات، وإخضاع الراغب في استعادة الرخصة لتدريب خاص، واشتراط شهادة طبيب بأنه شفي تماماً من تعاطي المخدرات أو الكحول".
ويتابع الفالح: "لا يعقل في بلد يتقدم في مجال صناعة السيارات والبنية التحتية أن تبقى سلامة الطرق متدهورة، وتعبر الأرقام عن اختلالات جسيمة فيها. لا بد من القطع مع كل أشكال التحايل، وتغيير طبيعة المركبات، وإخضاع أي عملية إضافة على المركبة لرأي خبير يثبت تأثير ذلك التغيير على توازن السيارة، أو القدرة على التحكم فيها، وبالتالي على سلامة الطرق".

المساهمون