- عائلات المفقودين، مثل أسرة أحمد أبو عودة، تعيش في حالة قلق دائم، مستخدمة كل الوسائل الممكنة بما في ذلك الصليب الأحمر ومنصات التواصل الاجتماعي للحصول على أي معلومات، لكن دون جدوى.
- الوضع الحقوقي والإنساني في غزة معقد بوجود آلاف المعتقلين والمفقودين دون معلومات مؤكدة عن مصيرهم، وتواجه جهود المنظمات الحقوقية والأهلية لجمع المعلومات تحديات كبيرة بسبب التعتيم من السلطات الإسرائيلية.
يحاول العديد من النازحين من قطاع غزة العودة إلى منازلهم لمعرفة مصيرها، أو جلب وثائقهم الرسمية منها، لكن عشرات منهم فُقد أثرهم، ولا يُعرف إن كانوا معتقلين أم شهداء.
اختفى عدد كبير من الشبان والرجال الذين حاولوا العودة من جنوبي قطاع غزة إلى مناطقهم في مدينة غزة ومحافظة الشمال، سواء للاطمئنان على مصير منازلهم، أو إحضار أغراض مهمة منها، خصوصاً الوثائق الرسمية وجوازات السفر، أو الهواتف المحمولة.
وفقدت عائلات كثيرة أخبار أبنائها بعد تأكدها من كونهم اجتازوا وادي غزة باتجاه الشمال، ولا يعرف حالياً إن كانوا معتقلين أم مصابين أم أنهم شهداء، وحسب شهادات عدة وصلت إلى مؤسسات حقوقية محلية، فهناك عشرات من المفقودين، وبعضهم شوهدوا بالقرب من حاجز الاحتلال الإسرائيلي الذي يقسم القطاع إلى نصفين، والذي أطلق عليه الشارع "749".
وتشير ترجيحات حقوقية إلى اعتقال عدد منهم على الحاجز، وإعدام آخرين ميدانياً، خصوصاً بعد تداول مقاطع فيديو لإعدام جنود الاحتلال أشخاصاً بالقرب من الحاجز قبل شهرين، خلال محاولتهم اجتيازه من أجل العودة إلى مدينة غزة.
تعيش أسرة أحمد أبو عودة حالة من القلق، وتترقب أي أخبار عنه منذ نزوحها إلى منطقة المواصي في خانيونس. تقول زوجته فاطمة أبو عودة، إن زوجها الأربعيني حاول العودة إلى منزلهم المستأجر في مخيم الشاطئ، للبحث عن هاتفه وبطاقته البنكية باعتبارها الوسيلة الوحيدة لسحب الأموال من الصرافات الآلية، مشيرة إلى نزوحهم عدة مرات من مدينة غزة إلى وسط القطاع، ثم مدينة خانيونس، ومنها إلى مدينة رفح التي وصلوا إليها في فبراير/شباط الماضي، قبل أن يضطروا مؤخراً لمغادرتها مجدداً.
وتوضح أبو عودة لـ"العربي الجديد": "كانت عودة أحمد إلى الشمال محفوفة بالمخاطر، لكننا كنا نشعر بالجوع، وتنقصنا الكثير من اللوازم الأسرية، وكان قد نسي بطاقة البنك وهاتفه المحمول في المنزل حين غادرناه أثناء فترة الهدنة الإنسانية في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. عارضت لشهور فكرة عودته إلى المنزل، واستجاب لفترة، لكنه قرر الذهاب، ولم يخبرني، بل أبلغ شقيقه، وبعد أن بحثت عنه لأيام، أخبرني شقيقه أنه قرر العودة إلى المنزل لإحضار هاتفه وبطاقته".
تضيف أبو عودة: "أعيش منذ مغادرته من دون سند، وحياتنا مليئة بالمذلة، إذ ننزح من خيمة إلى خيمة. كان زوجي يريد العثور على هاتفه حتى يستخدم التطبيق البنكي، فكل محاولاته للحصول على بطاقة صراف آلي بديلة لم تفلح بسبب إغلاق البنوك، وقرر المخاطرة لإنقاذنا من الجوع، وفي كل مرة أسمع فيها عن مفرج عنهم، أسارع للسؤال إن كان من بينهم أحد يعرفه أو شاهده".
تتابع: "لا توجد أي جهة لنتواصل معها لمعرفة مصيره، والصليب الأحمر يقول إن التنسيق متوقف، وقمت بعمل مناشدة، ونشر تفاصيل على مواقع التواصل الاجتماعي، لكننا لم نتلق أي معلومة حتى الآن، وبعض المفرج عنهم يقولون إن هناك كثيرا من المعتقلين، ولا أعرف شيئاً عن مصيره، وقد سلمت أمري لله".
فقد محمد حمودة (36 سنة) بنفس الطريقة أثناء محاولة العودة إلى منزله في حي الرمال بمدينة غزة، بعد أن تلقى أخبارا حول تدمير المنزل أثناء عملية الاحتلال العسكرية على مجمع الشفاء الطبي في مارس/آذار الماضي، وعندما انسحب الجيش توجه رفقة ثلاثة من الشبان إلى هناك، وثلاثتهم فقد أثرهم.
يقول شقيقه الأكبر عماد حمودة (40 سنة) لـ"العربي الجديد": "كنت قد حذرته من غدر الاحتلال، لكنه لم يستجب لتحذيراتي. أرجح أن شقيقي معتقل لأنه اكد لي أنه سيرفع الراية البيضاء عندما يلاحظ أي خطر، لكني لا أضمن أي شيء. لقد أخفى نيته عن والدتي، وكان يريد معرفة مصير المنزل الذي كان يؤوينا ومعنا أكثر من 30 فرداً من أقاربنا، وكنا قد انتهينا من بنائه قبل عام واحد، كما كان يريد إحضار بعض الأغراض الضرورية".
لا توجد جهة يمكنها معرفة مصير آلاف المفقودين في قطاع غزة
وكشف المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، في منتصف شهر إبريل/نيسان الماضي، عن وجود نحو خمسة آلاف معتقل من مدينة غزة وحدها في سجون الاحتلال، وهؤلاء من تم الحصول على معلومات عنهم بشكلٍ مؤكد، إلى جانب وجود نحو 10 آلاف مفقود، بعضهم تحت الركام بناءً على معلومات توفرت لدى طواقم الدفاع المدني، وآخرون فقدوا خلال النزوح، وآخرون مفقودون لأسباب غير معلومة.
ولا تستطيع جهات التنسيق ولا المنظمات الأهلية والحكومية الحصول على أي معلومات مؤكدة حول مصير معتقلي قطاع غزة، وتجري محاولات من نادي الأسير الفلسطيني، وكذلك مؤسسات حقوقية في الضفة الغربية لجمع المعلومات والبيانات عن معتقلي غزة، ويؤكد نادي الأسير أن وتيرة الاعتقالات ارتفعت بشكل كبير منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويشير نادي الأسير الفلسطيني إلى أن أعداد المعتقلين في الضفة الغربية منذ بداية العدوان الإسرائيلي تتجاوز 8500، ويقدر وجود أكثر من 5 آلاف معتقل من قطاع غزة، من بينهم مئات من العمال الذين كانوا متواجدين في مدن الضفة الغربية، واعتقلوا لكونهم من قطاع غزة.
وأكد العديد ممن أفرج الاحتلال عنهم من معتقلي قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، وجود عشرات المعتقلين الذين تم اعتقالهم من داخل منازلهم في مناطق متفرقة من القطاع كحالهم، ووجود العديد من الشبان والرجال الذين اعتقلوا على الحاجز الإسرائيلي أثناء محاولتهم العودة إلى منازلهم في الشمال، ومنهم من رفعوا أيديهم عندما طلب الاحتلال منهم التوقف، ورغم ذلك أطلق عليهم الرصاص الحي، وبعضهم اعتقلوا وهم مصابون.
وأفرج الاحتلال صباح الاثنين، عن 76 أسيراً جديداً، كان من ضمنهم اثنان من طواقم جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية، وقد وصلوا في ساعات الصباح الباكر إلى مستشفى شهداء الأقصى في وسط مدينة دير البلح، من أجل الكشف الطبي عليهم نتيجة تعرض معظمهم للتعذيب والتنكيل.
ويؤكد أحد المفرج عنهم، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه لوجود عدد من أقاربه بين المعتقلين، وجود العديد من الشبان صغار السن ضمن المعتقلين، مع رجال في الأربعينات في العمر، والجميع كانوا يحاولون اجتياز وادي غزة وعبور الحاجز الإسرائيلي للوصول إلى منازلهم، لكن جرى اعتقالهم، وجميعهم تظهر على أجسادهم آثار ضرب وتعذيب، فيما آخرون مصابون بطلقات نارية.
يضيف المعتقل المفرج عنه لـ"العربي الجديد": "شاهدت في المعتقلات القريبة من غلاف غزة العديد ممن حاولوا اجتياز وادي غزة باتجاه الشمال، وعدد منهم أكدوا لي وجود شهداء، وأنهم منعوا من الاقتراب من جثامينهم، وأن التحقيق معهم كان على خلفيات أمنية، بينما جميعهم كانوا يؤكدون أنهم يرغبون في العودة إلى منازلهم لتفقدها".
في يناير/كانون الثاني الماضي، قرر ماجد رزق (29 سنة) العودة إلى منزله الواقع في منطقة الشيخ عجلين، من أجل إحضار جوازات السفر الخاصة بأسرته المكونة من سبعة أفراد، بعد أن أبدى شقيقه المغترب في بلجيكا استعداده لإرسال المال اللازم لدفع كلفة التنسيقات الأمنية المصرية. حاول رزق العودة إلى المنزل لكنه فقد على الحاجز الإسرائيلي، ولا تزال عائلته تناشد الصليب الأحمر والمؤسسات الحقوقية لمعرفة أي أخبار عنه.
يعمل الحقوقي محمد عبد الرحمن ضمن فريق لتقصي الحقائق حول المفقودين والمعتقلين في قطاع غزة، وقد رصدوا أعداداً كبيرة من المفقودين على الحواجز الإسرائيلية عبر شهادات من أهاليهم. يقول عبد الرحمن لـ"العربي الجديد": "لاحظنا ارتفاع أعداد الشباب الذين يندفعون بسبب اليأس لعبور وادي غزة باتجاه المنطقة الشمالية، ووردتنا الكثير من القصص حول شبان مفقودين منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقد شوهدت جثامين البعض منهم قرب حاجز شارع الرشيد، وهناك آخرون لا يعرف أحد مصيرهم، ويعتقد أنهم إما تم إعدامهم أو اعتقلوا".
يضيف: "تفاقمت صعوبات ملف المفقودين بعد العدوان نظراً لأن الاحتلال سلم الجانب الفلسطيني جثامين تم تصنيفها على أنها مجهولة الهوية، مع بعض الملامح الأخيرة التي رصدت في الجثمان، ما يعني أنه سيكون من الصعب تحديد هويات المفقودين في قطاع غزة بعد انتهاء العدوان، وقد يستغرق هذا الملف سنوات قبل أن يتم البت فيه".