في وقت أصبح النظام الصحي في السودان على وشك الانهيار، أعلنت نقابة أطباء السودان عن تفشي حمى الضنك والكوليرا في عدد من الولايات، بما فيها العاصمة الخرطوم. وسبق أن أعلن وزير الصحة السوداني هيثم إبراهيم عن توقف 100 مستشفى عن العمل، وذلك من جملة 130 مستشفى كانت تعمل في الخرطوم قبل اندلاع الحرب في 15 إبريل/ نيسان الماضي بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية بقيادة محمد حمدان دقلو. وأعلنت وزارة الصحة السودانية وفاة 18 شخصا بالكوليرا في ولاية القضارف شرقي البلاد. وأفادت في بيان، بأن "أولى حالات الاشتباه بالكوليرا سُجلت في قرية خاطر بمحلية القلابات الشرقية" بولاية القضارف شرقي البلاد. وأوضحت أن حالات الاشتباه بالإصابة بالكوليرا "بلغت 265 ومجمل الوفيات 18 حالة في ولاية القضارف".
ويوم الثلاثاء، قالت منظمة الصحة العالمية في بيان، إنه تم الإبلاغ عن تفشي الكوليرا وحمى الضنك شرقي السودان، حيث يحتمي آلاف الأشخاص مع احتدام القتال الدامي بين جيش البلاد وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى.
بدورها، حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من انهيار وشيك لقطاع الصحة في السودان على الرغم من الجهود التي تبذلها المنظمات الإنسانية والطواقم الطبية، نتيجة لتداعيات الحرب التي دخلت شهرها السادس. وقالت مصادر طبية غير رسمية من ولاية القضارف لـ "العربي الجديد"، إن عدد الإصابات بحمى الضنك تجاوز الألف حالة خلال شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، بالإضافة إلى 20 حالة وفاة نتيجة لمضاعفات المرض. وأوضحت أن حالات الإصابة بحمى الضنك ترتفع في وقت تجاوزت المراكز الصحية بالولاية التي استقبلت منذ منتصف إبريل الماضي 850 ألف نازح، قدراتها الاستيعابية.
وقالت وزارة الصحة بولاية القضارف، في آخر تقرير لها، إن حالات الإصابة بحمى الضنك بلغت 626 حالة منها 360 حالة إصابة مؤكدة و366 حالة مشتبها بها بانتظار نتائج الفحوصات. وقالت نقابة الأطباء السودانية في بيان، أمس الأربعاء، إن الإحصائيات الرسمية لوزارة الصحة الاتحادية سجلت 3398 حالة إصابة بحمى الضنك في ولايات القضارف والبحر الأحمر وشمال كردفان والخرطوم منذ الخامس عشر من إبريل وحتى منتصف سبتمبر/ أيلول الجاري.
وكانت وزارة الصحة بولاية الخرطوم أول من أعلنت عن ظهور حالات إصابة بحمى الضنك في مارس/ أيار الماضي. وقالت الإدارة العامة للطوارئ ومكافحة الأوبئة بالولاية أنها سجلت 1646 حالة يشتبه بإصابتها بالحمى، منها 933 حالة مؤكدة.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، سجلت ولاية شمال كردفان أول حالة إصابة بحمى الضنك قبل أن تنتشر في 13 ولاية من أصل 18 ولاية في البلاد. وقالت وزارة الصحة الاتحادية في تقارير رسمية العام الماضي إن عدد الحالات المشتبه بإصابتها بالحمى بلغ 3943 حالة و460 حالة إصابة مؤكدة و28 حالة وفاة.
وسجلت مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان خلال الشهر الجاري، عشرات الإصابات بحمى الضنك. وقال عاملون في ثلاثة معامل طبية بأم روابة، لـ "العربي الجديد"، إن الحمى اجتاحت المنطقة، ومن بين كل عشرة فحوصات هناك 7 حالات موجبة. وعلى الرغم من أن إدارة الطوارئ الصحية بمدينة أم روابة احتجزت الأسبوع الماضي حالتي إصابة بحمى الضنك بعدما أثبتت الفحوصات المحلية لها أن الحالتين موجبتان، إلا أن مسؤول إدارة الطوارئ بالمنطقة ياسر بشير بدوي رفض الإعلان عنهما. ويبين أن وزارة الصحة الاتحادية هي الجهة المنوط بها الإعلان الرسمي عن الحالات الموجبة من خلال وزارة الصحة الولائية.
ويقول مواطنون بمدينتي أم روابة والأبيض المتجاورتين بولاية شمال كردفان إن حالات الإصابة بحمى الضنك كبيرة. ويوضح والد أحد المصابين بالحمي أن المختبر أثبت إصابة ابنه بحمى الضنك وتم حجزه بالمستشفى. لكن مسؤول الطوارئ رفض اعتماد نتيجة الفحص بحجة أن إعلان الإصابة بحمى الضنك هي مسؤولية وزارة الصحة الاتحادية، كونها الجهة الوحيدة المنوط بها الإعلان الرسمي عن الحالات الموجبة.
وعلى الرغم من تشخيص المعامل الطبية الكثير من الحالات بحمى الضنك، لكن السلطات الرسمية بولاية شمال كردفان ترفض الحديث عن انتشار حمى الضنك. ويقول أحد المرضى لـ "العربي الجديد" إن المختبر أثبت إصابته بحمى الضنك، لكن السلطات الصحية طلبت منه الانتطار ريثما تُعتمد النتيجة من قبل وزير الصحة. وقال إنه بدأ في تلقي العلاج من دون انتظار اعتماد النتيجة التي أرسلت في منتصف الشهر الجاري.
ويقول الصحافي المتخصص في شؤون البيئة والصحة قرشي عوض، إن السلطات الصحية الولائية والاتحادية تجهل تماماً في الوقت الراهن العدد الحقيقي لحالات الإصابة بحمى الضنك، عازياً السبب إلى توقف المراكز الصحية الحكومية وغياب مراكز الإحصاء داخل المستشفيات. يضيف أن وزارة الصحة الاتحادية لا تستطيع في الوقت الحالي تقديم إحصائيات حول حالات الإصابة، وذلك لتوقف الكثير من المستشفيات عن العمل، مشيراً إلى أن مدينة الأبيض برمتها تعمل بها حالياً أربعة مراكز صحية فقط، وهو عدد لا يخدم 25 في المائة من سكانها.
وتوقف الأطباء بولاية شنال كردفان عن العمل أكثر من مرة خلال الأشهر الستة الماضية لعدم حصولهم على مستحقاتهم المالية الشهرية، ما تسبب في خروج عدد من المستشفيات عن الخدمة. ويوضح شهود عيان من مدينة أم روابة أن عدداً من حالات الإصابة بحمى الضنك جاء من منطقة أبو كرشولا بولاية جنوب كردفان، وتم حجزها لتلقي العلاج بمستشفى أم روابة.
وبحسب وزير الصحة السوداني هيثم عثمان، فإن النسبة الأعلى من الإصابة بحمى الضنك سجلت بولاية القضارف. وتقول مصادر طبية لـ "العربي الجديد" إن "هناك حالات إصابات مخيفة بولاية الجزيرة وكردفان الكبري وإقليم دارفور. وغالبيتها لم تتلق الرعاية الطبية إما لعدم توفر الأدوية الطبية أو لأن المرافق الطبية خرجت عن الخدمة نتيجة لوقوعها داخل مناطق الصراع العسكري بين للطرفين". وتقول مريم آدم من القضارف لـ "العربي الجديد" إن ثلاثة من بناتها أصبن بحمى الضنك، واضطرت إلى شراء الأدوية التي تضاعفت أسعارها. وتوضح لـ "العربي الجديد" أن "نسبة الإصابة مرتفعة في الحي الذي تسكن فيه، ويوجد عدد كبير من الوفيات".
وفي مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، تم تسجيل 17 حالة وفاة بحسب طبيب يعمل بالمنطقة. وتتجنب الكوادر الطبية في السودان الإفصاح عن رقم الإصابات الحقيقي، بسبب التعتيم الذي تمارسه وزارة الصحة الاتحادية. ويقول عثمان إن الوزارة أرسلت خبراء من وزارة الصحة الاتحادية وخبراء من منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" ومنظمة الصحة العالمية إلى المناطق التي ظهرت فيها الحمى، بالإضافة إلى تدريب الكوادر على التعامل مع المرضى.
وأقر هيثم بأن وزارة الصحة تحركت متأخرة، عازياً السبب للظروف التي تمر بها البلاد. ويقول إنهم أرسلوا الكثير من الأدوية لولاية القضارف.
إلى ذلك، أرجعت مديرة الشؤون الصحية ببلدية القضارف انتشار حالات الإصابة بالولاية إلى نقص الميزانيات المالية لمكافحة النواقل ورش الحشرات، وتهيئة البيئة في ظل زيادة أعداد المواطنين الذين قدموا إلى المنطقة من مناطق النزاع في الخرطوم وكردفان ودارفور.
بالإضافة إلى حمى الضنك، أصيب عشرات المواطنين في ولاية القضارف الكوليرا، ما أدى إلى حدوث وفيات. ويقول مسؤول الشؤون الصحية بمحلية القريشة بولاية القضارف شرقي السودان إنهم سجلوا 52 إصابة بالإسهال المائي.، موضحاً أن سبب ظهور الحالات يرجع إلى أن المواطنين يحصلون على مياه الشرب من نهر عطبرة مباشرة قبل معالجتها.
وظهرت حالات مماثلة بكل من الخرطوم ومدني بالجزيزة، وقالت مصادر طبية إن هناك حالات وفاة بين المصابين.
يضيف عثمان أن أول حالة إصابة بالكوليرا جرى تشخيصها بولاية جنوب كردفان. وبحسب هيثم، بلغ عدد الإصابات بجنوب كردفان ثلاثمائة حالة، بينها ثماني حالات وفاة.
أما في القضارف، فقد ظهرت حالات الإصابة الأولى في منطقة القلابات شرق الولاية منتصف شهر أغسطس/ آب. وبلغ عدد الحالات المسجلة بولاية القضارف وحدها 264 حالة، بينها 16 حالة وفاة. وفي ولاية الخرطوم، قال إنهم رصدوا 17 حالة بينها 4 حالات وفاة.