فاقمت سنوات الحرب الطويلة التي عاشتها أفغانستان من الفقر والأزمات المعيشية، الأمر الذي دفع مئات الآلاف إلى التسول. وتُتّهم حركة "طالبان" بتهميش هذه القضية، بالإضافة إلى غيرها من القضايا والملفات، على الرغم من أن زعيمها الملا هيبت الله أخوند زاده كان قد أمر بإطلاق حملة للحد من التسول على مستوى البلاد، بدأت من العاصمة كابول.
في 23 أغسطس/ آب الماضي، أطلقت حملة تهدف إلى الحد من ظاهرة التسول في كابول بإشراف مكتب نائب رئيس الوزراء ورئيس المكتب السياسي لـ"طالبان" الملا عبد الغني برادر، أدت إلى انتشال 3048 متسولاً من الشوارع حتى الخامس من الشهر الجاري، بينهم 2000 امرأة، علماً أن البقية من الأطفال وكبار السن.
وأفاد بيان صادر عن مكتب الملا عبد الغني برادر بأن هناك خطة مرسومة وميزانية مخصصة من أجل التصدي للتسول، مؤكداً أن لجنة خاصة تعمل على القضية وتجمع المتسولين لينقلوا إلى أماكن خاصة، على أن يوفر لهم كل ما يحتاجون إليه من طعام وشراب ومسكن إلى حين الانتهاء من دراسة أوضاعهم. بعدها، يفترض أن تؤوي الحكومة الأشخاص الأكثر حاجة، وتعلم كبار السن بعض الحرف لإعالة أنفسهم. كما يُلحق الأطفال بالمدارس أو دور التربية أو الأيتام، مع منحهم ما يحتاجون إليه شهرياً. أما النساء، فإما يتعلمن الحرف أو يحصلن على المال، بهدف الحد من التسول في الشوارع والأسواق.
وفي الخامس من الشهر الجاري، وبعدما انتشلت السلطات المعنية 3048 متسولاً من شوارع كابول، أعلن مكتب الملا برادر أن 958 شخصاً من هؤلاء أرغموا على التسول بفعل أحوالهم السيئة، بينهم أطفال ونساء وكبار في السن. أما البقية، فلديهم أعمالهم. أضاف: "أخذت بصمات أصابع هؤلاء وضمانات لعدم عودتهم مجدداً إلى التسول. وفي حال تكرر الأمر، يلاحقون قانونياً ويسجنون"، موضحاً أن الحملة مستمرة وامتدت إلى ولايات أخرى.
في هذا السياق، يقول رئيس مكتب وزير الأمور الاجتماعية المولوي شرف الدين أشرف لـ"العربي الجديد": "تشرف لجنة خاصة على القضية، وتساعدنا الشرطة في انتشال المتسولين، والهدف من الحملة القضاء على مظاهر التسول التي تنجم عنها الكثير من المشاكل. وبعد أيام لاحظنا أن عدد المتسولين قد قل إلى حد كبير". يضيف: "يومياً، ننقل المتسولين إلى المراكز الخاصة، ونرسل الأطفال إلى دور الرعاية والأيتام لمواصلة الدراسة ونقدم لهم ما يحتاجون إليه. كما أفرجنا عن الأشخاص الذين لديهم عمل أو القادرين على العمل، على أن يلاحقوا قانونياً في حال لجأوا إلى التسول مجدداً"، ويوضح أن ظاهرة التسول ليست محصورة في كابول.
وبدأت الحملة في عدة ولايات أفغانية بالتزامن مع بدئها في كابول، منها ولايات ننجرهار وقندهار وغزنه وأزرجان، وانتشل مئات المتسولين من الشوارع حتى الآن.
يقول رئيس إدارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مولوي عبد الله محمد لـ"العربي الجديد": "انتشلت اللجنة المكلفة 120 متسولة من إحدى الولايات، ودرست أحوالهن، وتبين أن 25 منهن يعملن، فأخذت ضمانات من أسرهن بمنع عودتهن إلى التسول مرة أخرى. أما الأخريات، فأرامل أو غير قادرات على العمل أو لا معيل لهن. ولدى الحكومة آلية خاصة للتعامل معهن ومساعدتهن بهدف القضاء على ظاهرة التسول في البلاد".
ولاقت خطوة "طالبان" قبولاً واسعاً من قبل المواطنين الذين يطالبون بالاستمرار في العمل من أجل القضاء على البطالة والفقر اللذين يؤديان إلى ظواهر خطيرة مثل التسول. يقول أحد سكان منطقة ارزان قيمت في كابول، وأحد رموز قبائل ننجرهار عبد المجيد وزيري، إن الخطوة جيدة جداً. "نرى الأطفال والنساء وكبار السن بعد كل صلاة. وعادة ما تقف النساء والأطفال على مقربة من أبواب المساجد، بينما يتجول كبار السن بين المصلين داخل المسجد في محاولة لإظهار أوضاعهم السيئة، ويطلبون من المواطنين المساعدة المالية".
ويرى أن "التسول يؤدي إلى الكثير من المشاكل الاجتماعية، ويستخدم الأطفال في أعمال السرقة وجرائم أخرى. من هنا نحن نرحب بعمل طالبان، لكن البطالة مستشرية في البلاد والفقر متجذر. بالتالي، لا بد من العمل على تغيير الوضع العام، وإلا فإنه ستكون لهذه الخطوة آثار إيجابية على المدى القصير فحسب".