دفع الحب الرسام التونسي، حمزة الكبير، إلى صنع يد اصطناعية لصديقه. واليوم، بات يصنع الكثير من هذه الأيادي لأشخاص من ذوي الإعاقة، ويعمل على تطويرها
تكفي حمزة الكبير (26 عاماً) ورقة بيضاء وقلم رصاص لرسم بورتريه لإحدى الشخصيات الشهيرة في تونس. وفي أحيان أخرى، يحتاج إلى الألوان لإتمام لوحات أخرى. ليس لدى حمزة ورشة للرسم، أو مكان يتيح له عرض لوحاته. يمارس هوايته هذه في غرفته الصغيرة وبأدوات بسيطة. وقد لا يملك ذلك الرسام ما يملكه فنانون تشكيليون آخرون من أدوات باهظة الثمن، ويحتاج فقط إلى الأقلام والألوان. يقول حمزة إنّه يعشق الرسم مذ كان صغيراً، حتّى إن انقطاعه عن الدراسة لم يمنعه من ممارسة هوايته، وخصوصاً في أوقات فراغه. لم يطّلع على مدارس الفنون التشكيلية وخصوصية كلّ منها. كان يرسم كلّ ما في خياله، ويجسّد ملامح الحياة والوجوه كما يراها بقلم الرصاص. الشاب الذي لم يدرس الفن التشكيلي وقواعده في أيّ معهد، ويجهل المدارس الفنية، استطاع تجسيد أسلوب مختلف في لوحاته عبر تقنية الأبعاد الثلاثية، مع التركيز أكثر على الفن التكعيبي (يتميز بأشكاله المنكسرة ومكوناته المتشابكة). يقطن حمزة في مدينة منزل تميم في محافظة نابل. انقطع عن الدراسة حين كان في الصف التاسع الأساسي، ودرس في أحد المعاهد التقنية، وصار يعمل في مهن يومية مختلفة بهدف تأمين المال وشراء بعض الألوان وأدوات الرسم، ليمارس هوايته هذه في غرفته خلال أوقات فراغه. وشارك في بعض المؤتمرات الثقافية حول الفنّ التشكيلي، واستغلّ مواقع التواصل الاجتماعي للتعرّف إلى فنانين تشكيليين آخرين، وبعض من كانت لهم تجارب في الرسم.
في البداية، اختار الرسم التكعيبي من خلال الألوان الزيتية، قائلاً إنه يطمح إلى المشاركة في العديد من المعارض الوطنية والاطلاع أكثر على تجارب الآخرين وخبراتهم. يضيف أنّ "التونسي لا يقدّر قيمة الفنّ التشكيلي ولا يُقبل على شراء اللوحات لأنّها باهظة جداً بالنسبة إليه. لذلك، يبقى الرسم مجرّد هواية وفنّ وليس مصدراً للربح".
تعرّف حمزة إلى بعض الفنانين التشكيليين، من بينهم أشرف النمري الذي يرسم بقدميه منذ سنوات، لأنّه من الأشخاص ذوي الإعاقة. أُعجب حمزة بكلّ ما يرسمه النمري وبإرادته وقدرته على الإبداع بأصابع قدميه، حتى إنه شارك بلوحاته في العديد من المعارض الثقافية والوطنية. ويقول إنّه كان يتواصل دائماً مع أشرف النمري على "فيسبوك"، معتقداً أنّ أحداً كان يكتب الرسائل بدلاً من أشرف الذي لا يستطيع الكتابة بيديه. لكن عندما علم أنّ أشرف يستخدم الهاتف بمفرده، فكّر في صنع يد قد تساعد صديقه على استعمال الهاتف وتسهّل الأمر عليه.
لم يتوقع أو يفكر يوماً في أن يصنع يداً اصطناعية، أو أن يكون قادراً على مساعدة شخص فقد أحد أطرافه في حادث، أو يعاني من إعاقة ما منذ الولادة. لكنّ حالة أشرف جعلته يحاول صنع يد بسيطة تساعده على استعمال الهاتف وأشياء أخرى.
كان في حاجة إلى مجرّد أدوات بسيطة: عصا سيلفي وبعض الخيوط والأقمشة ومثبت هاتف وقلم للكتابة وبقايا مروحة. هذه الأدوات شغلت حمزة طوال شهر تقريباً إلى أن توصل إلى صناعة يد ميكانيكية تساعد أشرف على استعمال الهاتف. ويشير حمزة إلى أنّه أطلع أشرف على ما صنعه، وأعرب الأخير عن سعادة كبيرة. ويوضح أن أشرف طلب منه تطوير اليد حتى يصبح قادراً على استعمالها في أشياء أخرى مثل الأكل والشرب وقيادة كرسيه المتحرّك من دون الحاجة إلى مساعدة أحد.
بعد ظهوره في أحد البرامج الإذاعية، وانتشار خبر صناعته هذه اليد، تلقى حمزة اتصالات من أشخاص يحتاجون مثل هذه اليد الاصطناعية، ولا سيما أن تونس لا تصنع الأطراف الاصطناعية، كذلك فإن كلفتها مرتفعة في الخارج. لذلك، يحاول اليوم صنع بعض الأيادي تلبية لمن اتصل به. كما تلقى اتصالاً من رجل أعمال عرض أن يموله لتطوير الفكرة، مضيفاً أنّ اختراعه ما زال جديداً ولم يتجاوز عمره الشهرين، ويعمل اليوم على تطويره أكثر فأكثر والحصول على براءة اختراع.
ويقول حمزة إنّه لا يطمح إلى بيع ما لديه اليوم، أو الاستمرار في الصناعة لتحقيق أرباح مادية، بل فقط مساعدة الأشخاص ذوي الاعاقة، ولا سيما أنّه يصنعها حالياً بأدوات بسيطة غير مكلفة، ومن بقايا بعض الأشياء البسيطة. لكنّه يرغب في تطوير شكل اليد واستعمالاتها، الأمر الذي يتطلب إمكانات كبيرة قد لا يكون قادراً على توفيرها في الوقت الحالي. ويشير إلى أنّه لن يترك هوياته الأولى، وهي الرسم، حتى لو نجح في تطوير مشروع صناعة اليد.