هرب مئات آلاف الأوكرانيين من الحرب التي تشنها روسيا على بلدهم، وطلبوا اللجوء والحماية في دول مجاورة بينها ألمانيا التي وصلها، بحسب وزارة الداخلية، 109,183 هاربا، مع توقع وصول أكثر من 10 آلاف لاجئ جديد يومياً غالبيتهم من النساء والأطفال.
وإلى جانب محاولتها توفير أقصى سبل الراحة والأمان للأوكرانيين، تريد ألمانيا أن تلعب دوراً مركزياً في إجلاء أولئك الجرحى الذين لا يمكن علاجهم في بلدهم بسبب نقص المواد والكوادر الطبية اللازمة.
في السياق، يقول وزير الصحة كارل لوترباخ الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إن "النظام الصحي في أوكرانيا يوشك على الانهيار، ونحن نستعد لذلك، وسنقوم بواجباتنا مع المصابين، وهم كما القتلى بالمئات يومياً، لأن الجيش الروسي لا يتورع عن استهداف البنية التحية الصحية في أوكرانيا. وسنستقبل أيضاً الأشخاص الذين يحتاجون إلى علاج طبي مكثف، وأولئك الذين يجب نقلهم بسبب تعرض المستشفيات للدمار. كما سنرعى اللاجئين ذوي الأمراض المزمنة والمصابين بأخرى خطرة، مثل مرضى غسل الكلى والسرطان، وآخرين يحتاجون إلى عناية عاجلة، وسنوفر اللقاحات الخاصة بمكافحة وباء كورونا".
لكن وكالة الأنباء الألمانية أفادت بأنه "يصعب في الوقت الحالي الوصول إلى المدن الأوكرانية التي تتعرض لقصف، كما أن التنقل فيها أمر خطر جداً، لذا تنتظر برلين وقف النار وفتح ممرات إنسانية آمنة لتنفيذ مهمات صحية في أوكرانيا، ووزارة الخارجية الألمانية تنسق تدابير المهمات الميدانية مع الجهات المعنية في أوكرانيا، وفي مقدمها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، علماً أن توزيع المصابين في ألمانيا سيعتمد النظام ذاته خلال جائحة كورونا، والذي لحظ تقسيم الولايات إلى خمس مجموعات على مساحة البلاد، من أجل التنسيق فيما بينها لتأمين أسرّة في مستشفيات قريبة عند الحاجة".
وتورد صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" أن "500 عيادة خاصة لأطباء في برلين عرضت معالجة اللاجئين الأوكرانيين مجاناً". وتنقل عن جمعية الأطباء الألمان قولها إن "غالبية الأطباء والمعالجين النفسيين سيضعون عياداتهم الخاصة في تصرف المهمات، حتى أن بعضهم وافقوا على الإشراف مباشرة على علاج ورعاية اللاجئين في مراكز الإيواء". كما توضح الجمعية أنها على اتصال بفريق الأزمات لمناقشة تفاصيل الرعاية الطبية للاجئين، وطالبت بحل سريع لمرضى غسل الكلى.
"حقوق" الأوكرانيين
تفيد شبكة "ايه آر دي" الإخبارية أنه "سيحق للاجئين الأوكرانيين بعد حصولهم على تصريح إقامة، بالإفادة من التقديمات والخدمات، وسيمنحون حق الانخراط فوراً في سوق العمل، لكنهم لن يملكوا الحق المباشر في الإفادة من نظام الإعانات الاجتماعية. أما الأطفال فسيستفيدون، بحسب التوجه الأوروبي، من التعليم في البلد المضيف".
وتوقعت وزارة العمل في ألمانيا بقاء عدد كبير من اللاجئين الأوكرانيين لفترة طويلة في البلاد، "ما يحتم دمجهم، علماً أن الوزارة تلتزم منح فرص عمل حيث تتوفر، والحصول على رعاية صحية مناسبة. أما مفوضة الحكومة الألمانية لشؤون الهجرة والاندماج ريم العبلي رادوفان فتؤكد أن الحكومة ستمنح جميع اللاجئين الأوكرانيين حق المشاركة في دورات الاندماج".
وعن الحماية التي سيحصل عليها اللاجئون، أشارت "ايه آر دي" إلى أنه "لن يفرض على لاجئي الحرب الأوكرانية إثبات حاجتهم لنيل حماية من خلال إجراءات معينة، بعدما جرى تفعيل بند أقرّه الاتحاد الأوروبي عام 2001 مخصص لحالات التدفق الجماعي للأشخاص المشردين، والذي جرى تطويره استناداً إلى دروس حرب يوغسلافيا السابقة في تسعينيات القرن العشرين، والتي هدفت إلى منع تحميل سلطات اللجوء أثقالاً كبيرة. ويعني ذلك أن اتفاق دبلن الخاص باللجوء في أوروبا لن يطبق على الأوكرانيين الذين يحاولون الحصول على حماية". وينص اتفاق دبلن على أن اللاجئين يجب أن يقدموا طلباً للحصول على الحماية في الدولة الأولى التي دخلوها في الاتحاد الأوروبي.
نحو نظام لجوء أوروبي مشترك
ومن أجل توفير حماية لا تخضع للإجراءات الرسمية البيروقراطية للأوكرانيين، قرر الاتحاد الأوروبي منح حماية لهم لمدة عام واحد، مع إمكان تمديدها عامين، لكن قد يحرم منها لاحقاً الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم معينة، أو الذين يشكلون تهديداً.
ووعدت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر باستقبال لاجئين من أوكرانيا "بغض النظر عن جنسيتهم". وقالت لصحيفة "بيلد": "لا يعتمد استقبال اللاجئين على جواز السفر، والأشخاص من بلدان أخرى الذين لديهم وثائق إقامة في أوكرانيا سيشملهم الوضع ذاته في ألمانيا، ولن يمروا بإجراءات لجوء معقدة، وبينهم مثلاً الطلاب من الهند الذين يتواجدون بأعداد كبيرة في أوكرانيا".
ووصفت فيزر التعاون الأوروبي لحماية اللاجئين الأوكرانيين بأنه "تاريخي. فللمرة الأولى تستقبل كل دول الاتحاد الأوروبي لاجئي الحرب"، وأملت في أن يساعد هذا التضامن في تنفيذ الخطوات التالية تمهيداً لتطبيق نظام لجوء مشترك، لكنها استدركت بأنه "حتى هذا الوقت لا يبدو أن مسألة التوزيع هي المشكلة الأكثر إلحاحاً. وإذا استمر القبول في بلدان الاتحاد لن يكون هناك حاجة إلى مفتاح توزيع لقبول اللاجئين، ويمكن للاجئين الأوكرانيين أن يختاروا الدولة الأوروبية التي يريدون اللجوء إليها".
توزيع اللاجئين على الولايات
وحالياً، تعمل وزارة الداخلية الألمانية على وضع آلية لتوزيع اللاجئين على مختلف الولايات في أسرع وقت، وهي تنسق مع المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين لاتخاذ إجراءات فورية على مستوى البلاد، بينها التواصل مع شركات المواصلات وسكك الحديد لنقل اللاجئين إلى أماكن الفرز في المدن والبلديات التي باتت مستعدة لاستقبال المزيد منهم، بينها سكسونيا وبافاريا وهامبورغ وبريمن وراينلاند بفالس، وسكسونيا السفلى التي جهّزت صالة المعارض فيها.
وفي خضم ذلك، حث الاتحاد الألماني للمدن والبلديات السلطات الاتحادية على تقديم مساعدات سريعة. وتوقع مديره الإداري غيرد لانسبرغ أن تموّل الحكومة الاتحادية وتلك في الولايات الرعاية الكاملة للاجئين. وشدد على أن البلديات يجب أن تكون قادرة على الاعتماد على الحكومات لتعويض التكاليف التي تتكبدها.
وتدرس الحكومة الاتحادية استخدام عقارات تابعة للدولة من أجل توفير مبانٍ إضافية معفاة من الإيجار لإيواء اللاجئين. وقد اكتفت وزارة الداخلية بتوفير الدعم فقط، كي لا تتحمل السلطات الفيدرالية عبئاً أكبر من اللازم.
مطالبات بضبط الحدود
ومع زيادة عدد الواصلين من اللاجئين الأوكرانيين الذين يلتمسون حماية، دعا اتحاد الشرطة الألمانية إلى تطبيق ضوابط على الحدود مع بولندا وجمهورية التشيك. وذكرت صحيفة "تاغس شبيغل" أن "الشرطة حذرت من عروض النوم المشبوهة". وأعلنت شرطة برلين أنها أبلغت خدمات الطوارئ بهذا الأمر، ما يعني أن ضباط الشرطة سيتوجهون مباشرة إلى اللاجئين الأوكرانيين في محطة القطارات ويوجهونهم، خصوصاً أولئك الذي يحتاجون إلى مساعدة والقصر. وتؤكد الشرطة أن "رجالها ينتشرون الآن في شكل متزايد في محطات القطارات لمنع استغلال المجرمين وتجار البشر اللاجئين".
من جهته، يقول الباحث في شؤون الهجرة هربرت بروكر الذي يرأس معهد سوق العمل والبحوث المهنية التابع لوكالة التوظيف الفيدرالية: "إذا استمرت التطورات الدراماتيكية للحرب في أوكرانيا سيتجاوز عدد اللاجئين 4.2 ملايين، علماً أنه لم يهرب هذا العدد الكبير من الناس في وقت قصير منذ عمليات الطرد الكبرى خلال نهاية الحرب العالمية الثانية". يضيف: "في حال الحرب الأوكرانية، لم يظهر أي خلاف بين دول الاتحاد الأوروبي حول استقبال اللاجئين".