حماية الأفغان... استراتيجية غامضة للاتحاد الأوروبي

15 سبتمبر 2021
مجموعة من الهاربين الأفغان على حدود بولندا (فوجتيك رادفانسكي/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يقدّم الأوروبيون وعوداً قاطعة في شأن أعداد الأفغان الذين سيمنحون فرصة العثور على ملاذ آمن في دولهم بعد سقوط بلادهم في قبضة حركة "طالبان". ولا يزال يصعب، كما أنه من السابق لأوانه الحديث عن حصص هؤلاء اللاجئين في دول الاتحاد الأوروبي، رغم أن الأمم المتحدة رجحت محاولة نصف مليون أفغاني الهروب حتى نهاية عام 2021، نتيجة الكارثة الإنسانية التي تلوح في الأفق. وصرح الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريس بأن "ثلث الأفغان لا يعرفون كيف يؤمنون وجبتهم التالية، وأن أكثر من نصف الأطفال الأفغان دون سن الخامسة سيعانون من سوء تغذية قريباً". لكن الأهم يبقى أن مقارنة موجة اللجوء المتوقعة من أفغانستان مع تلك التي اجتاحت أوروبا عام 2015 تختلف لأسباب عدة. 

معابر أوروبية "غير شرعية"
وأفادت صحيفة "دي تسايت" الأسبوعية الألمانية بأن أفغاناً يتواجدون منذ حوالي ثلاثة أسابيع على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، وأن "بعضهم في خطر، إذ لم يحرمهم حرس الحدود البولندي من حقهم في طلب اللجوء فقط، بل منع أيضاً متطوعين من إحضار طعام ودواء لهم، كما يجري تشييد سياج حدودي بين البلدين". وكشفت الصحيفة أيضاً أن حوالي 4 آلاف من العالقين غادروا المنطقة الحدودية بين بولندا وبيلاروسيا الى ليتوانيا، من دون أن يحصلوا حتى الآن على حق لجوء في الاتحاد الأوروبي. 

من جهتها، ذكرت شبكة "أم دي آر" الإخبارية الألمانية، أنه "بعدما نصبت كل من كرواتيا والمجر أسواراً عالية على طريق البلقان، يحاول اللاجئون الوصول الى الاتحاد الأوروبي عبر رومانيا من خلال العثور على شاحنات تنقلهم سراً الى غرب أوروبا، في وقت ارتفع عدد المعابر الحدودية غير الشرعية بنسبة 200 في المائة خلال النصف الأول من عام 2021.
ويواكب التطورات الميدانية انقسام بين وزراء داخلية الكتلة الأوروبية حول آلية التعاطي مع النازحين الجدد ومنع الهجرات الجماعية الى دولهم، خصوصاً أن بعضها ستشهد انتخابات برلمانية قريباً، والتي يخشى كُثر أن تشهد تحقيق اليمين الشعبوي مكاسب فيها مجدداً، مستفيداً من ترحيب الحكومات المحافظة باللاجئين.
والأسبوع الماضي، صرح وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر بأن دول الاتحاد الأوروبي اتفقت على برامج لإعادة توطين أشخاص تعرضوا لإساءات، مؤكداً استعداد ألمانيا لتطبيقه، وهو ما تطالب به أحزاب أخرى في البلاد، بينها الليبرالي الحر، علماً أنه جرى تقديم نحو 1.2 مليون طلب لجوء في ألمانيا وحدها عام 2015.

أفغان نقلهم أميركيون حصلوا على لجوء في ألمانيا (ساشا شورمان/ Getty)
أفغان نقلهم أميركيون حصلوا على لجوء في ألمانيا (ساشا شورمان/ Getty)

مشكلة عزلة في أوروبا
ويبدو أن ألمانيا وجيرانها الأوروبيين يحاولون التعاون مع الدول المجاورة لأفغانستان ودول العبور لمساعدتها في تقديم دعم للهاربين من حكم "طالبان"، وتأمين ظروف لائقة وآمنة لاستقبالهم، وتوفير سبل عيش مناسبة لهم. وقد زادت برلين إلى 100 مليون يورو (118 مليون دولار) مساعداتها الطارئة لمنظمات الإغاثة مثل الصليب الأحمر وبرنامج الغذاء العالمي الناشطين في هذه الدول، وفق ما أوردت منصة "آر تي أونلاين" الإخبارية. كما أعلنت وزارة الخارجية الألمانية أنها تدرس تقديم 500 مليون يورو (590 مليون دولار) لمساعدة الدول المجاورة لأفغانستان، في وقت أظهرت حكومات يمينية في أوروبا مثل تلك في سلوفينيا وبولندا والمجر افتقادها الإنسانية في سياسات اللاجئين التي تطبقها، وصولاً إلى درجات لم يكن أحد يتصورها قبل سنوات قليلة. واللافت أن نموذج هذه الدولة للعزلة رسّخ نفسه في ظل خطاب كاذب لحكوماتها التي أكدت التزامها مسؤولياتها الخاصة بملف اللاجئين، مع تعمدها في الوقت ذاته التنصل من هذه المسؤوليات.

... وقبول محدود لدول جوار أفغانستان
وفيما يطرح السؤال نفسه عن استعداد الدول المجاورة لأفغانستان تحديداً لقبول مزيد من اللاجئين، في ظل مطالبة محللين بأن إقناعها باستقبالهم ضروري جداً إلى جانب مدّها بالمال، بحث وزير الخارجية الألماني هايكو ماس الموضوع مع مسؤولين في باكستان وطاجكستان وأوزباكستان وقطر وتركيا. وتفيد تقارير بأن طاجكستان وعدت باستقبال 100 ألف أفغاني، في حين لم تظهر بلدان أخرى سلاسة مماثلة. وصرح وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي أخيراً بأنه يجب مساعدة الأفغان على تجنب الفرار، في وقت ينتظر عشرات الآلاف منهم على المعبر الحدودي بين البلدين، وأيضاً على الحدود مع إيران. في المقابل، يبدو أن أوزباكستان تقبل باستقبال أفغان مدرجين في قوائم الإجلاء الألمانية مع منحهم إقامات قصيرة فقط على أراضيها، وتحديد دخولهم جواً فقط، لأن طريق البر مقفل.

أفغاني داخل مخيم للنازحين في تورينو (ستيفانو غويدي/ Getty)
أفغاني داخل مخيم للنازحين في تورينو (ستيفانو غويدي/ Getty)

لتدارك الفوضى
ويدعو خبير الهجرة جيرالد كناوس الذي يرأس مبادرة الاستقرار الأوروبي، الحكومة الألمانية إلى استقبال مزيد من اللاجئين الذين يحتاجون إلى حماية مباشرة على أراضيها وفي دول أوروبا. ويوضح لصحيفة "دي فيلت" الألمانية أن "هذا الأمر أفضل من مواجهة حركات اللاجئين الفوضوية وغير المنضبطة، كما يمنع هروبهم عبر سلوك طرق خطرة، ما يفيد أيضاً عملية دمجهم ويضمن وصولهم بأمان الى أوروبا".
ويلفت كناوس الى أن "دمج هؤلاء اللاجئين أسهل لأن احتياجات حمايتهم تحددت فعلاً قبل وصولهم. ويجب أن توافق برلين على إعادة توطين 0.05 في المائة من سكانها سنوياً كجزء من إعادة التوطين، أي حوالي 41 ألف شخص"، علماً أن كناوس الذي يعتبر رائد الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا صاغ طلبه الخاص بالأزمة الأفغانية بعدما دعت المفوضية الأوروبية الدول الأعضاء إلى تقديم عروض لقبول إعادة توطين اللاجئين. 

الحماية الألمانية متعثرة
وعن الفارق بين موجة لجوء عام 2015 وتلك المتوقعة حالياً من أفغانستان، يستبعد كناوس في حديثه لصحيفة "راينشه بوست" الألمانية حصول هجرة سرية أكبر من تلك في عام 2015 "لأنه يصعب الوصول الى أوروبا براً، كما أن الحدود بين تركيا وإيران محمية بجدران وطائرات بلا طيار وعشرات آلاف الجنود". لكنه يستدرك بأن "الخطر الأكبر على ألمانيا يتمثل في عدم نقلها من أفغانستان جميع الأشخاص الذين وعدت بحمايتهم"، علماً أن المستشارة أنجيلا ميركل قالت أخيراً إن الحكومة تحاول حالياً إنقاذ بين 10 و40 ألف عامل محلي من أفغانستان.
لكن صحيفة "دي فيلت" كشفت أن "حوالى 1400 متعاون أفغاني سابق نقلوا مع عائلاتهم فقط حتى نهاية الأسبوع الأول من سبتمبر/ أيلول الجاري. وهذا رقم متدنٍ جداً، لأن الحكومة الألمانية تفترض وجود أكثر من 10 آلاف شخص مسموح بدخولهم أراضي البلاد، فيما لا يريد أحد تحديد عدد الأشخاص الذين سيُضافون مع أسرهم".
في المقابل، يدعو وزير الاندماج في ولاية شمال الراين فستفاليا، يواخيم شتامب، الحكومة الاتحادية إلى تنظيم قبول اللاجئين الأفغان خارج أوروبا، مؤكداً الحاجة الى التعاون مع شركاء مثل الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا. ويقول: "يمكن أن يكون مؤتمر جنيف الذي عقد عام 1979، وشهد التحضير لإنقاذ آلاف من لاجئي القوارب الفيتناميين نموذجاً"، علماً أن الحكومة الكندية تحدد على سبيل المثال بانتظام عدد المهاجرين الاقتصاديين وأفراد الأسر واللاجئين الذين يجب منحهم إقامات دائمة. ويعلق كناوس على ذلك بالقول: "تنجح عملية إعادة التوطين حين تعمل الدولة والمجتمع معاً. وفي ألمانيا أرى استعداداً كبيراً لدى المجتمع المدني لاستقبال أشخاص يحتاجون الى حماية بطريقة منظمة، رغم أن هناك نقصاً في البرامج". 

هاربة من جحيم "طالبان" في ألمانيا (ساشا شورمان/ Getty)
هاربة في ألمانيا (ساشا شورمان/ Getty)

"تسهيلات" ألمانية
تنص الفقرة 22 من قانون الإقامة في ألمانيا على أنه يمكن منح الأجنبي تصريحاً بقبول إقامته وبقدومه من الخارج لأسباب دولية أو إنسانية عاجلة. وقد تصدر وزارة الداخلية الاتحادية أو سلطات تابعة لها تصريح الإقامة لمدة 3 سنوات من أجل حماية المصالح السياسية لألمانيا، ثم تمديد التصريح للمدة ذاتها. والعمال المحليون أو الذين تعاونوا سابقاً مع القوات الألمانية في أفغانستان يخضعون لقانون الإقامة، ما يعني أنهم ليسوا من طالبي اللجوء، لأنهم وفق القانون الدولي مهاجرون غادروا بلدهم طوعاً، في حين يفر اللاجئون في الحالات الطارئة والأزمات، مثل التهديد باضطهاد "طالبان" لهم. وقانونياً، يشمل مصطلح "اللاجئون" فقط الأشخاص الذين يتلقون حماية بموجب اتفاق جنيف للاجئين بعد إجراءات لجوء ناجحة.
وإذا استطاع الموظفون الأفغان السابقون كسب عيشهم بأنفسهم بعد خمس سنوات، وتحدثوا اللغة الألمانية سيستطيعون التقدم بطلب للحصول على تصريح إقامة دائمة. وفي السياق، أشارت "ايه آر دي" إلى أن "أي شخص لا يملك تأكيد قبول بسبب الفوضى السائدة لدى تنفيذ الإجلاء، سيحصل على تأشيرة لمدة 90 يوماً. وفي حال كشف أن الأشخاص الواصلين ليسوا موظفين محليين أو لا يحتاجون الى حماية، يمكنهم التقدم بطلب للحصول على لجوء وفق الإجراءات العادية، علماً أن المكتب الفيدرالي للهجرة واللاجئين مسؤول عن قبول وتخصيص أماكن الإقامة، ويتابع جنباً الى جنب مع الشرطة الفيدرالية آلية التعامل ونقل هؤلاء الى مراكز الاستقبال الأولية في الولايات. 

أفغان القاعدة الأميركية
أيضاً، ذكرت "دي فيلت" أن "عشرات الأشخاص الذين أجلتهم القوات الأميركية إلى قاعدة رامشتاين العسكرية في ألمانيا تمهيداً لنقلهم إلى واشنطن لاحقاً، غادروا القاعدة وقدموا طلبات لجوء في ألمانيا، بينهم 100 في فرانكفورت أو ماينز، حيث أخذت السلطات بصماتهم وحققت في هوياتهم وسجلتهم. وكانت المفوضية الأوروبية أفادت بأنها ستتقدم خلال أسابيع ببرنامج لإعادة التوطين يشرح كيف يمكن أن يجد أشخاصاً مهددين حماية في أوروبا، مع توقعات بتشجيع ألمانيا تنفيذ هذا البرنامج، علماً أن توزيع اللاجئين على كل دول الاتحاد ضمن آلية مشتركة أمر شبه مستحيل، خصوصاً أن دولاً مثل النمسا والمجر وتشيكيا والدنمارك أعلنت أنها لن تقبل لاجئين. 

المساهمون