تواصل فرق البحث والإنقاذ في إقليم الحوز عمليات الإغاثة والبحث عن مفقودين تحت الأنقاض بعد أكثر من أسبوعين على كارثة الزلزال المدمر، الذي ضرب شمال ووسط المملكة في 8 سبتمبر/أيلول، وذلك بالتزامن مع استمرار عمليات تأمين حاجيات المتضررين وتقديم المساعدات الاجتماعية والطبية للأشخاص الذين فقدوا منازلهم جزئياً أو كلياً، وفتح المزيد من الطرق المتضررة.
وبدأ إقليم الحوز، مركز الزلزال الأعنف في تاريخ المغرب منذ نحو قرن، تسجيل التقدم في التعافي وطي صفحة الكارثة والتطلع إلى المستقبل، وبدأت العديد من القرى المنكوبة استئناف أنشطتها التجارية والاقتصادية تدريجياً، كما تمكن مئات التلاميذ المتضررين من الزلزال من العودة إلى الدراسة بعد أسبوع من تعليقها، بعد نقلهم إلى مدارس داخلية في مدينة مراكش، ونصب مئات الخيام المجهزة بكافة الوسائل التعليمية.
وفي وقت تسابق فيه السلطات المغربية الزمن من أجل حصر وإحصاء الأضرار في المباني المتضررة في مختلف الجماعات والقرى المتأثرة، للبدء بعملية صرف تعويضات للمتضررين والشروع في تفعيل خطة إعادة الإيواء، يلقي اقتراب فصل الشتاء القارس بظلاله على وضع المئات من المتضررين، الذين يجدون صعوبة في التعايش مع واقع إيوائهم في الخيام آملين في تسريع عملية إعادة بناء بيوتهم المهدمة.
يمتد إقليم الحوز على مساحة إجمالية تقدر بحوالي 6200 كيلومتر مربع، ويضم نحو أربعين قرية ومدينة، من بين أبرزها أيت أورير، ومولاي إبراهيم، وأسني، وأمزميز، وتحناوت، وتمصلوحت، وتمكروت، وتيدلي، فضلاً عن مركز الزلزال قرية إيغيل. في حين يبلغ تعداد سكان الإقليم نحو مليون نسمة، وكان العدد 700 ألف نسمة في آخر تعداد سكاني أجري في المغرب في عام 2014.
يقول الصحافي والناشط في مدينة تحناوت، عاصمة الإقليم، عبد الصمد بوحدو: "لن تعود الحياة إلى طبيعتها، فالجميع ما زالوا تحت تأثير الصدمة. إقليم الحوز بات مختلفاً منذ مساء 8 سبتمبر، فحصيلة الوفيات ثقيلة، وحجم الدمار بالغ. الإقليم يعيش نكبة إنسانية بعد زلزال دمر كل شيء". يضيف لـ"العربي الجديد": "فقد الناس أهلهم وجيرانهم فغابت عنهم البسمة، وحل محلها الحزن. يعيش كثيرون حالة تشرد بعد أن فقدوا بيوتهم، ولا يدرون ما العمل، ويجهلون ماذا سيحلّ بهم".
يتابع: "عودة السكان إلى حياتهم الطبيعية المعتادة صعبة، وربما يستلزم الأمر شهورا أو سنوات، فالخسائر كبيرة على مستوى البيوت، والأضرار كبيرة على مصادر رزق الناس وسبل كسب قوت يومهم، وعلى اقتصاد المنطقة كلها، سواء الزراعي أو السياحي". ويوضح بوحدو: "المتضررون من سكان الإقليم يطرحون العديد من الأسئلة بخصوص طبيعة إعمار ما دمره الزلزال، وشكل ذلك الإعمار، وحول المدة المقررة لبقائهم بعيداً عن بيوتهم في الخيام. ما حصل في الإقليم لا يمكن وصفه، وما زال يشغل بال الناس بعد أن قضى الزلزال على الأخضر واليابس".
ويتميز إقليم الحوز باعتماد أغلب سكانه على الزراعة، وينتج آلاف المزارعين في الإقليم العديد من المحاصيل، من أبرزها أصناف الحبوب، والزيتون، والتفاح، واللوز، والخروب. وفي إقليم الحوز ثلاثة سدود، هي سد تكركوست بمدينة أمزميز، وسد مولاي يوسف ببلدة غجدامة، وسد يعقوب المنصور بمنطقة ويركان.
وتعد السياحة إحدى ركائز معيشة السكان في الإقليم بالنظر إلى ما يتمتع به من طبيعة خلابة جعلته خلال العقود الماضية وجهة مفضلة لهواة السياحة الإيكولوجية، ومن بينها مناطق سياحية معروفة، مثل محطة أوكايمدن التي تشتهر بنشاط التزلج على الثلوج، ومنطقة أوريكا المعروفة بمناظرها الطبيعية وينابيعها المائية.
وإلى جانب الزراعة والسياحة، يعتمد سكان الإقليم في توفير قوتهم اليومي على احتراف العديد من الحرف اليدوية، والتي تزدهر نتيجة توفر الموارد الطبيعية في المنطقة، فضلاً عن النشاط السياحي الملحوظ الذي تشهده، وبالتالي الإقبال على شراء تلك المنتجات، ومن بين أبرز الحرف اليدوية المعروفة في إقليم الحوز صناعة الفخار، وصناعة المنسوجات، والنحت على الحجر، وصناعة السجاد، كما تشتهر بعض مناطق الإقليم بصناعة الملبوسات التقليدية مثل الجلباب والزرابي، إضافة إلى حرف أخرى مثل احتراف البناء، وأشغال النجارة وغيرها.
ويتميز الإقليم كذلك بتنوع تضاريسه التي يغلب عليها الطابع الجبلي، إذ تشكل الجبال تقريباً ثلاثة أرباع مساحته، وهو يضم جبل توبقال، والذي يعد ثاني أعلى قمة جبلية في قارة أفريقيا، وأعلى قمة في سلسلة جبال الأطلس، ويصل ارتفاعه إلى 4165 متراً.
وإلى جانب كل تلك المؤهلات الطبيعية، يتميز إقليم الحوز بوجود نقوش صخرية تاريخية في العديد من مناطقه، خاصة في أوكايمدن وضبة ياكور ببلدة تغدوين، إضافة إلى المسجد التاريخي لمنطقة تينمل قرب بلدة تلات نيعقوب، والذي بني في بداية القرن الثاني عشر تخليداً لذكرى الزعيم الروحي للدولة الموحدية المهدي بن تومرت، والمدفون في قرية تينمل. وفي بلدة أغمات، هناك أيضاً آثار وقلاع تاريخية عدة، من بينها قلاع أمناس، والكندافي، وتامادوت، كما أن فيها ضريح المعتمد بن عباد، عميد ملوك الطوائف في الأندلس.