حقوق السوريات... مشروع تمكين بعد عقد على الثورة

15 مارس 2021
عوائق كثيرة تعترض نساء الشمال السوري (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

طوال السنوات العشر الماضية من عمر الثورة، مرّت نساء سورية بكثير من الظروف القاسية. فقدت كثيرات المعيل وواجهن العنف، وحُرمن من التعليم، وهُجّرن، وعشن تحديات مختلفة، فماذا عن مبادرات التمكين؟

الظروف القاسية التي تعيشها نساء كثيرات في المناطق السورية المحررة، بعد عقد على الثورة، تحتم إنشاء مشاريع مناصرة وتمكين، تعينهن في سبيل النهوض من جديد. في هذا الإطار أنهت "رابطة المحامين السوريين الأحرار"، في بداية الشهر الجاري، مشروع تمكين للنساء، بدأته في نهاية العام الماضي، في مناطق الشمال الغربي، مستهدفاً التوعية بالحقوق القانونية للنساء في قضايا مختلفة تمسّهن، مع تدريبهن على تقنيات وآليات المناصرة لقضاياهن، وتنفيذ ورش تدريبية حول أفضل الممارسات للتعامل مع نقص المعلومات، فضلاً عن تنفيذ عدد من الزيارات إلى المناطق والمخيمات القريبة من مراكز المشروع، ولقاء شريحة مهمشة من النساء. 

شذى العبد الله، وهي واحدة من المستفيدات، تقول لـ"العربي الجديد" عن تجربتها، والنقلة النوعية التي اختبرتها، إنّ "الوصول إلى المعلومة القانونية الصحيحة كان مفتاحاً لحلّ قضيتي العالقة، كما أنّي، من خلال حضور الورش، والتفاعل المتكرر مع النشاطات، باتت لديّ القدرة على نقل تلك المعلومات إلى غيري من النساء". تروي تجربتها مع السنوات العشر الماضية من عمر الثورة، فتقول: "كامرأة سورية عايشت هذه الحقبة الزمنية، أعتقد أنّ التغيير طاول الجميع بنسب متفاوتة سلبية وإيجابية، لكنّ من لديه رسالة واضحة في الحياة، ينظر إلى النواحي الإيجابية، فرسالة الثورة السورية ألهمت كثيراً من السوريين والسوريات ليكون لهم، هم بالذات، رسالة يغيّرون ويتغيّرون من أجلها، نحو الأفضل". تضيف: "مشاعري الحالية هي القلق على مستقبل أطفال سورية، فهم نساء ورجال سورية الغد، لكنّ عجلة الزمن لا تتوقف بل هي كفيلة بطي السلبيات والانكسارات، وتحويل العوائق نفسها إلى سلّم نجاة".

الصورة
حرص على الوقاية من كورونا (عارف وتد/ فرانس برس)

ومن المستفيدات أيضاً ولاء المحمد، التي تقول إنّ السؤال عمّا نالته المرأة السورية من حقوق وتقدير بعد معاناة طويلة وكفاح طوال السنوات الماضية "لا يحتمل إجابة واحدة قاطعة، فالسوريات موجودات اليوم في أصقاع الدول الديمقراطية والديكتاتورية على حدّ سواء، ومنهن من طاولهن الاعتقال وتعرضن معه لجميع أشكال العنف والاضطهاد. ولكي نذكر الحالات التي تظهر اليوم على الإعلام وما تفعله المنظمات المدنية والأهلية والحالات التي أراها في محيطي، فإنّني أراهن على وعي المرأة بأن تصنع الأفضل لنفسها ونيل حقوقها وإثبات أهليتها في المجتمع، مع العلم أنّ هناك نماذج إيجابية جداً". تؤكد المحمد لـ"العربي الجديد" أنّ توفير المساحة الآمنة للاستماع إلى المرأة، وتوعيتها بالقوانين التي تمسها، مفتاح لكل آثار إيجابية لاحقة تحصل عليها المرأة، وتعلق: "أوجه حديثي إلى جميع السوريات، في كلّ مكان: معرفتكن بحقوقكن ومطالبتكن بها هي أول خطوات بناء مجتمع يرعى الحق ويرسخ أسسه. وقوتنا هي مفتاح قوة السوريين جميعاً".

من جهته، يتحدّث المدير التنفيذي لـ"رابطة المحامين السوريين الأحرار" سامر ضيعي إلى "العربي الجديد" عن أهمية تمكين نساء الشمال السوري، في الوضع الراهن، فيقول: "تمكين المرأة عملية تغيير مستمر، على المستوى الشخصي والمجتمعي للمرأة، إذ يؤمل منها امتلاك الخيار ثم القرار المتعلق بتحسين نوعية الحياة لنفسها ولبيئتها من حولها. العديد من المسالك يمكن أن تتبع نحو تمكين المرأة، لكنّ تطويع الشروط، بما فيها الشروط المجتمعية والاقتصادية والسياسية والدستورية والثقافية، يشكل أهمية جوهرية لا بدّ من لحظها". يضيف: "تعتمد الرابطة في منهجيتها نحو تمكين المرأة البعد الحقوقي والقانوني، وتولي اهتماماً خاصاً بقضية المناصرة. دراسة الاحتياجات قبل تنفيذ أيّ مشروع تستند إلى معلومات مفصلة عن المستفيدات تعتمد على استطلاعات ميدانية تحتوي أسئلة تتناول قضايا المرأة. تنجم عن تحليل هذه الدراسات مجموعة من النتائج تحدد المسائل القانونية الأكثر إلحاحاً والأكثر أهمية، ثم يصار إلى تصميم النشاطات الملائمة التي تتصدى لمعالجة هذه الاحتياجات، سواء بالتدريبات أو الحملات الإعلامية أو المحاضرات المختصة بالمشاكل القائمة".
يتابع ضيعي أنّ المشروع الأخير جاء مكمّلاً لنشاطات مشروع آخر هو "العيادة القانونية المتنقلة". وقد نفذته الرابطة بدعم من الحكومة الكندية، بعد تحليل استطلاع أجري لهذه الغاية، كشفت نتائجه أنّ أبرز المشاكل القانونية التي تواجه المرأة تتمثل في غياب الوعي القانوني حول قضايا عدة ترتبط بتفشي الزواج المبكر، وحرمان المرأة من الميراث، والزواج القسري، والعنف المنزلي، وغياب المعيل، واستسهال الطلاق، وعدم تسجيل الزواج في الدوائر الرسمية المعترف بها دولياً وبالتالي حرمان المرأة وأطفالها لاحقاً من الأوراق الثبوتية، والحرمان من التعليم، والتحرّش في أماكن العمل، وصعوبة الحصول على المساعدة القانونية وتحمل أعبائها المكلفة إن وجدت، وكلّ ذلك يترافق مع غياب شبه تام للمنظومة القضائية الفاعلة والمؤهلة.

حياة قاسية في المخيمات (عارف وتد/ فرانس برس)

في تفاصيل إضافية حول عمل الرابطة، يوضح مدير برامجها، زين الدين رشيد، أنّ المحاضرات تستهدف رفع مستوى الوعي الحقوقي والقانوني لدى المرأة كخطوة أولى، لتتمكن بعدها من شرح مشكلتها والتوجه إلى الآلية المناسبة للحلّ، وفق آليات عدة، مع تحديد المشكلة القانونية والعمل على حلّها، بما يعرف بآليتي الاستشارة القانونية والتحكيم. وقد نفذت الرابطة أكثر من 1700 استشارة قانونية مجانية العام الماضي، منها ما يتعلق بالأحوال الشخصية من زواج وطلاق ونفقة، ومنها عقاري، ومنها نزاعات أهلية. ويلفت رشيد إلى أنّه يمكن أن تكون الاستشارات وجاهية مع المستفيد، أو عبر الإنترنت. يتابع أنّ مراكز التحكيم تتوزع في أرياف حلب وإدلب، تحديداً في الأتارب، ودارة عزة، وأرمناز، وأريحا، وأنّ أكثر من خمسين قضية تحكيم جرى حلّها بين عامي 2020 و2021، إذ تتولّى المراكز فضّ النزاعات عبر اللجوء للتحكيم. أما بخصوص آلية العمل، فيوضح رشيد أنّ كلّ مركز يتولّى تشكيل هيئة للتحكيم، تضم مختصين (محامين وقضاة سابقين)، ووجهاء محليين، وامرأة واحدة، على الأقل، لتوفير مساحة آمنة للحديث وتمكين النساء من شرح المشكلة القانونية مهما بلغت حساسيتها. يختار كلّ طرف من الأطراف المتنازعة التي تلجأ إلى التحكيم مُحكِّماً. بعدها، يُنظر في القضية، ويأتي الجميع إلى جلسة التحكيم، ويجرى سماع الحكم والتوقيع على صكّ التحكيم. وتحظى هذه الوثيقة بحجية قانونية معتبرة لدى أيّ نظام قضائي حالي أو مستقبلي.

المرأة
التحديثات الحية

في ما يتعلق بالصعوبات، يوضح رشيد أنّ هناك احتياجات هائلة، في أحيان كثيرة، تربك العملية، وتضعفها بسبب عدم تركيز الدعم الدولي على هذه الاحتياجات، مقارنة بملف الإغاثة والإيواء. كذلك، هناك صعوبات تخص شرح المشكلة القانونية، فكثيرات لا يعلمن أساساً أنّ لديهن مشكلة، أو أنّ لهنّ حقوقاً لا بدّ من المطالبة بها، وذلك نتيجة ترسخ العادات والتقاليد وتجذر المشكلة مجتمعياً. وهناك صعوبات الحصول على تمويل معتبر لهذه المشاريع، فضلاً عن تبدل السيطرة العسكرية الميدانية، وبالتالي تبدل الإدارات المدنية التي تتبع لها، وهو ما يجعل منظمات المجتمع المدني العاملة في الشأن الحقوقي والقانوني أمام وضع مربك يترتب عليه اتخاذ آليات مختلفة، بحسب كلّ جهة مسيطرة. يتابع أنّ أبرز الصعوبات "ترتبط بالتهجير المتكرر الناجم عن اعتداءات النظام وحلفائه، وبالتالي ضياع الحقوق والممتلكات ونشوء مشاكل جديدة مرتبطة بهذه النتائج من خلافات عقارية ومالية وغيرها". ويضيف: "تعتمد الرابطة لدى تنفيذ أيّ مشروع مرتبط بالمرأة أن تكون النساء هنّ بأنفسهن قائدات التغيير الرئيسيات، لكن، لا ننسى دور الرجل في دعم هذه العملية، كما أنّ الدعم المجتمعي والأهلي عموماً يسهم بشكل أساسي في تسريع تمكين المرأة". يختم رشيد حديثه إلى "العربي الجديد" بالقول: "يجب عدم تجاهل تمثيل المرأة في دوائر القرار، فهي في قلب المشكلة وربما الأقدر على الإحاطة بآليات حلّها وعلاجها، ولك أن تتخيّل الأثر الهائل لتمكين المرأة، فهو لا يقتصر على مستواها الفردي، بل يمتد ليشكل تمكيناً للأسرة والمجتمع، وبالتالي التمكين للأسس التي يمكن بناء مستقبل أكثر أمناً للسوريين عليها".

المساهمون