حضور كبير لشباب الجزائر في الانتخابات المحلية

25 نوفمبر 2021
شبان الجزائر يحملون طموحات انتخابية كبيرة (مصعب روئيبي/ الأناضول)
+ الخط -

تشهد الانتخابات المحلية المقبلة المقررة في الجزائر، بعد غد السبت، بخلاف تلك السابقة كلها، حضوراً كبيراً وقياسياً للشباب والكوادر الجامعية في قوائم الأحزاب أو تلك الخاصة بالمستقلين. ورغم قلة خبرتهم السياسية، يبذل الشباب الذين ترشحوا في غالبية قوائم انتخابات البلديات الـ1541 في عموم البلاد، جهوداً كبيرة لتقديم برامج يتولون شرحها بأنفسهم للناخبين والسكان في حملاتهم.

وتشكل الظاهرة مؤشراً بالغ الأهمية لحصول تحوّل في أساليب مقاربتهم لاستحقاق الانتخابات المحلية، علماً أن فوز أي منهم بمنصب في المجلس البلدي أو مجلس الولاية سيضعه أمام مسؤوليات صعبة باعتبار أن المراكز المحلية تهم المواطنين مباشرة، وترتبط بحياتهم اليومية.
في بلدة سيدي لعجال بولاية الجلفة غرب العاصمة الجزائرية، شجع نظام القائمة المفتوحة في الانتخابات المحلية عشرات الشباب على الترشح لعضوية المجالس، وبينهم محمد وطّاسي الذي يربط، في حديثه لـ"العربي الجديد"، ترشحه بمعرفته العميقة بالظروف الاجتماعية السائدة في المنطقة التي ترعرع فيها، واحتكاكه طوال سنوات بسكانها، ونشاطاته فيها ومساهمته في فعاليات عدة تهتم بتنميتها. ويقول: "لم تحظ هذه البلدة الصغيرة بتنمية مناسبة طوال سنوات، رغم أنها تملك قدرات بشرية وطبيعية كثيرة، خصوصاً أنها تربط بين ولايتين مهمتين، وتشكل منطقة عبور إلى ولايات عدة غرب البلاد. من هنا توجب علينا كشباب وكوادر الترشح للانتخابات المحلية المقبلة. وغالبية المرشحين لا يتجاوزون الأربعين، وهم من حملة الشهادات العليا، ولديهم أفكار وبرامج لتنمية المنطقة والاهتمام بمطالب مواطنيها، وهذا أمر جيد".

قانون الانتخابات الجديد يجذب الشباب


يعزز القانون الانتخابي الجديد حضور الشباب في الانتخابات المحلية، باعتباره يفرض ضم كل قائمة يشكلها حزب أو مستقلون، نسبة الثلث من المرشحين الشباب الذين يجب أن يملكوا شهادات جامعية، في خطوة تهدف إلى دفع الشباب وحتى الطبقة السياسية لإشراك وإقحام هذه الفئة في السياسة. كما يلزم القانون توفير السلطات دعماً مالياً للمرشحين الشباب الذين تراهن أحزاب كثيرة عليهم بعدما بلغت نسبتهم 61 في المائة في الانتخابات النيابية السابقة.
وفيما يكرّس القانون الانتخابي الجديد محاولة السلطة تلبية بعض مطالب التغيير التي أطلقت في الشوارع خلال المسيرات الشعبية التي شهدتها الجزائر في السنتين الأخيرتين بشعار: "جيل جديد في الحكم والتسيير"، ويؤكد تغيّر مفاهيم كثيرة لدى الشباب والجامعيين.

يجزم عضو السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات في ولاية بومرداس والمكلف شؤون الإعلام عبد الله ندور، في حديثه لـ"العربي الجديد" بأن "إشراك الشباب في العملية الانتخابية فرضه الحَراك الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير/ شباط 2019، وطالب بفتح المجال أمام دخول الكفاءات الشابة عالم السياسة، وتوليهم مناصب المسؤولية، ما حتم إعادة المشرّعين النظر في قوانين تنظيم الانتخابات. وقد منحت السلطات خريجي الجامعات الشباب فرصة المشاركة في تنظيم الانتخابات، ثم دخول عدد مهم من ذوي الكفاءات اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات".

أيدي الشباب ستتلاقى مع طلبات الشعب (العربي الجديد)
أيدي الشباب ستتلاقى مع طلبات الشعب (العربي الجديد)

وتشير أرقام كشفها رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي في تقارير إعلامية سابقة، إلى أن الشباب المرشحين للانتخابات المحلية الذين تقل أعمارهم عن الـ 40 يمثلون أكثر من النصف المرشحين، بنسبة 54 في المائة، وبينهم نسبة 87 في المائة من الذكور، و13 في المائة من الإناث. أما فيما يتعلق بالمستوى الدراسي، فتبلغ نسبة المرشحين الجامعيين 44 في المائة، و56 في المائة للمرشحين غير الحاصلين على شهادات جامعية.
تقول الشابة زواغي نعيمة التي ترشحت لانتخابات مجلس بلدية ميلة (شرق) على قائمة "حركة مجتمع السلم"، كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر، والتي تضم مجموعة من الشباب المهتمين بتنشيط التنمية وتفعيلها في قطاعات عدة، لـ"العربي الجديد": "الشباب هم قوة العمل التنموي في المجالس المحلية، واقترابهم من المواطنين يكسب دورهم فعّالية أكبر، ويعزز إمكان تحقيقهم نجاحات في تسيير الشؤون المحلية". تضيف: "نسبة الشباب في قوائم ترشيحات حركة مجتمع السلم لانتخابات البلديات تبلغ 65 في المائة، ما يؤكد انفتاح الحركة على تغيير الصورة النمطية التي سادت في الانتخابات السابقة من خلال وجوه استأثرت بمراكز البلديات لسنوات طويلة".

وتعتبر زواغي أن وجود الشباب في القوائم عموماً "يبشر بالخير لأنه يساهم في تكوين مناضلين يستطيعون المساهمة في تحسين مبادرات التنمية المحلية في الفترة الحالية، لا سيما تلك المجمّدة منذ فترات طويلة بسبب الوضع الذي ساد البلاد خلال سنوات المأساة الوطنية، وكذلك في دفع إنجاز هذه المبادرات، وإطلاق برامج جديدة خاصة بها". وتشير إلى أن "العناصر الشابة تستلهم من خبرات من سبقوها في القيادة وتولي زمام المسؤولية، وتتبنى فكرة اعتماد آليات الاتصال مع الجوار، سواء بطرق مباشرة ولقاءات أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل تحقيق هدف جعل المواطنين يواكبون الأعمال العامة للبلدية".

ترشح الشباب لمجالس البلديات والولايات يزيد التواصل


وفي شأن الفوائد المنشودة من عملية إقحام الشباب في العملية الانتخابية الجزائرية، على صعيد تنشيط العمل الاجتماعي المحلي، وتجديد روابط العلاقات مع الشعب من خلال خطوات تعزز نوعية الخدمات الممنوحة لهم في كل مجالات الحياة، يرى البعض أن الخطوة ستجدد تركيبة مؤسسات الحكم والإدارات المحلية، لأن تغليب فئة الشباب في مجالس البلديات والولايات، سيسمح بتواصلهم مع بعضهم البعض لاقتراح حلول للمشاكل التي تواجهها البلديات، وتغيير واقع وحياة الفئة الشابة التي تمثل نسبة 75 من القوة السكانية في الجزائر. 
أما آخرون فيعتبرون أن إقحام الشباب في مسؤوليات العمل الإداري دون تكوين سياسي، قد يتسبب في نتائج عكسية. كما لا يرون فائدة كبيرة من حصر سياسات الدولة في ربط المشاركة الشبابية بانتخابات المجالس المحلية، من دون تعزيز مستوى المشاركة الفعلية والمؤثرة في صنع الخيارات الكبرى. 
وترى أستاذة العلوم السياسية فريدة حساني أن "استبعاد النّضال السياسي الذي يعني التكوين والتدريب في تسيير العملية السياسية وخوضها من خلال بناء كوادر قادرة على قيادة المسؤوليات في مؤسسات الدولة، لن يؤدي إلى حلول إيجابية".

الشباب يملكون رؤية أفضل للمستقبل (العربي الجديد)
يملك الشباب رؤية أفضل للمستقبل (العربي الجديد)

تضيف: "ستدفع إيجابيات وسلبيات هذه التجربة الانتخابية إلى تغيير نهج التعاطي مع المناضلين في الأحزاب بالدرجة الأولى، وفي ممارسة السياسة عموماً، وتجعل الشباب ينخرطون في الأحزاب ضمن هيئات التنظيم وهياكل التكوين السياسي، مع عدم استبعاد أن تقودهم أيضاً إلى تأسيس أحزاب جديدة، خصوصاً بعدما فقد المواطنون ثقتهم في الأحزاب خصوصاً تلك التي عمّرت لسنوات طويلة".
وتلفت حساني إلى أن "هناك عشرات من القوائم الحرة التي تعد عاملاً إيجابياً في مضمار المنافسة الانتخابية من ناحية الكمّ، لكنها تظل مجرّد أرقام ونسب، وتعاني برامجها من فراغ في المضمون". وتعزو ذلك إلى أن "قوائم حرّة كثيرة لا يحمل أصحابها مشاريع وأفكارا، وتعرض فقط لرغبتهم في تحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي تحديداً".
وعموماً ستكرر الانتخابات الجديدة شعار "تسليم المشعل للشباب" الذي رافق كل التجمعات الشعبية للحملات الانتخابية السابقة، وتغنى به ممثلو الأحزاب في الجزائر بهدف استقطاب الناخبين، والحفاظ على مراكزها في المجالس البلدية القريبة من المواطنين، تمهيداً لرفع حظوظها في كسب مؤيدين تزجّ بهم في استحقاقات انتخابية أخرى.

المساهمون