حصار مستشفيات الضفة الغربية: تكرار سيناريو غزة؟

30 اغسطس 2024
قوات الاحتلال تعيق الوصول إلى مستشفى جنين في الضفة الغربية، 30 أغسطس 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

بعدما حاصرت القوات الإسرائيلية مستشفيات قطاع غزة واستهدفتها في إطار عدوانها المتواصل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، راحت تكرّر ذلك بحقّ مستشفيات محافظات شمال الضفة الغربية المحتلة منذ نحو ثلاثة أيام. وبعدما كان مستشفى طوباس التركي الحكومي ومستشفى الشهيد ثابت ثابت الحكومي في طولكرم قد حوصرا، فإنّ آليات الاحتلال العسكرية ما زالت تشدّد الخناق على مستشفى جنين الحكومي، في غياب أيّ تحرّك للجهات الأممية والدولية المعنيّة.

ولا تبعد آليات الاحتلال العسكرية عن مدخل مستشفى جنين الحكومي سوى أمتار قليلة، وذلك منذ بداية عملية الاقتحام التي بدأت فجر أوّل من أمس الأربعاء، بحسب ما يقوله مدير المستشفى وسام بكر لـ"العربي الجديد". ويوضح أنّ "الحركة من المستشفى وإليه لا تجري إلا عبر مركبات الإسعاف، بعد تفتيش وتدقيق بالبطاقات الشخصية التي تعود إلى الأشخاص الذين تقلّهم، من طواقم طبّية ومرضى". 

ويلفت بكر إلى "صعوبات في تقديم الخدمات الطبية اللازمة للمرضى، ولا سيّما بعدما خرّب جيش الاحتلال خطوط المياه والكهرباء التي يعتمد عليها مستشفى جنين الحكومي تشغيلياً، الأمر الذي أدّى إلى انقطاعهما كلياً. وقد اضطرّ المستشفى بالتالي إلى الاعتماد على مولّد الكهرباء الخاص، وعلى خزّان المياه الرئيسي الذي تغذّيه صهاريج جهاز الدفاع المدني الفلسطيني". ويشير بكر إلى أنّ "مستشفى جنين الحكومي فقد ثلث كمّية المياه التي يحتاجها يومياً لتشغيل قسم غسل الكلى، بفعل حصار جيش الاحتلال. كذلك فإنّ النقص في مخزون السولار الذي يكفي لستة أيام فقط يشير إلى مخاطر". يضيف أنّ "الحصار مستمرّ لليوم الثالث، الأمر الذي يهدّد مرافق المستشفى ومقوّمات عمله ويعرّض حياة المرضى للخطر".

وعلى الرغم من كلّ ذلك، فإنّ مستشفى جنين الحكومي لم يتوقّف عن تقديم خدماته التي صارت أكثر صعوبة، وفقاً لمديره الذي يضيف أنّ الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية غير خطرة غادروه. ويتابع بكر أنّ "120 مريضاً ما زالوا في المستشفى، وهم في حاجة إلى الرعاية الطبية"، فيما لا يخفي المخاوف من احتمال اقتحام المستشفى، بعدما أفادهم الارتباط الفلسطيني بأنّ الارتباط الإسرائيلي أبلغهم بأنّ ذلك "ممكناً". ولم يوضح بكر المقصود من خلال "الاقتحام"، وإذا كان يستهدف كلّ مرافق المستشفى أم فقط ساحاته ومدخله.

وكان مستشفى جنين الحكومي قد استقبل جثمانَي شهيدَين، منذ بدء العدوان على جنين، بالإضافة إلى عدد من الجرحى، من بينهم مصاب بالرصاص الحيّ وخمسة جرحى أُصيبوا من جرّاء اعتداء جنود الاحتلال عليهم بالضرب، علماً أنّ الاحتلال منع الطواقم الطبية ومركبات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني من نقل الجرحى إلى المستشفى بسبب الحصار.

أما في محافظة طولكرم شمالي الضفة الغربية المحتلة، حيث أنهى جيش الاحتلال حصاره مخيّم نور شمس وعدوانه عليه، فقد تعرّض مستشفى الشهيد ثابت ثابت الحكومي في مدينة طولكرم، الوحيد في المحافظة، للحصار، بحسب ما يؤكده نقيب الأطباء في طولكرم والطبيب في مستشفى ثابت ثابت الحكومي رضوان بليبلة لـ"العربي الجديد". يضيف بليبلة أنّ ذلك "عوّق عمل الطواقم الطبية وعرّض حياة المرضى للخطر نتيجة تأخّر العلاجات عنهم أو نتيجة حرمانهم من الوصول إلى المستشفى"، مبيّناً أنّ "مركبات الإسعاف كانت تخضع للتفتيش، وكذلك الأشخاص الذين تقلّهم، بصرف النظر عمّا إذا كانوا مرضى أو من الطواقم الطبية. كانوا يُجبَرون، جميعاً، على الترجّل من المركبة من أجل تفتيشهم" والتدقيق في هوياتهم.

ويشير بليبلة إلى أنّ "من الواضح أنّ إجراءات الاحتلال تُشدَّد في كلّ اقتحام مقارنة بما كانت عليه في السابق، وهذا أمر يتسبّب في مخاوف لدى مستشفى الشهيد ثابت ثابت الحكومي، إذ إنّ الاحتلال لا يراعي أيّ خصوصية للمريض أو للطاقم الطبي أو لمركبة الإسعاف". ويشرح أنّ "المستشفى اضطرّ إلى للتعامل مع عشرات الحالات التي تخصّ مرضى وذويهم خرجوا من المخيّم بفعل الاحتلال، واضطروا إلى المبيت في المستشفى الذي تكفّل باحتياجاتهم، على الرغم من أنّ قدرته الاستيعابية 150 سريراً فقط".

في سياق متصل، حذّرت وزارة الصحة الفلسطينية من سياسة حصار المستشفيات بجنين وطولكرم وطوباس في الضفة الغربية المحتلة، مشدّدة على أنّ "أيّ اقتحام للمستشفيات يُعَدّ تهديداً مباشراً لحياة المرضى والطواقم الطبية". وقد طالبت الوزارة المجتمع الدولي واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتدخّل من أجل حماية المؤسسات الطبية في الضفة الغربية المحتلة، في الوقت الذي تعيق قوات الاحتلال وصول مركبات الإسعاف إليها، الأمر الذي من شأنه أن يعرّض حياة المرضى والجرحى للخطر، وهو أمر يمثّل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

ويقول مدير عام المستشفيات لدى وزارة الصحة الفلسطينية هيثم الهدري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الاقتحام الجاري منذ ثلاثة أيام يُعَدّ الأشدّ بحقّ المستشفيات لجهة الحصار وقطع الإمدادات ومنع حركة الطواقم التي تواجه مخاطر في عملها الميداني، نتيجة إطلاق النار المكثّف من قبل قوات الاحتلال، ولا سيّما في جنين التي تواجه تخريباً لمحوّلات وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي".

ويصف الهدري ما يأتي به الاحتلال بأنّه "سلوك همجي بحقّ مستشفيات وكوادر طبية، تفترض الأصول عدم الاقتراب منها وعدم المساس بها، وفقاً للمواثيق والأعراف والأخلاق الدولية التي لا نسمع بها ولا نراها عندما يتعلّق الأمر بجنين". ويستحضر الهدري ما جرى في مجمّع الشفاء الطبي في مدينة غزة، شمالي قطاع غزة، عندما اقتحم جيش الاحتلال ساحته في نوفمبر/ تشرين الأول 2023، وظهر المتحدّث باسم ذلك الجيش دانيال هغاري في ساحته، ويقول إنّ "ما حدث في قطاع غزة نشهده اليوم في جنين". ويشدّد على "ضرورة ابتعاد قوات الاحتلال عن المستشفيات فوراً"، إذ يرى ذلك "نذير خطر شديد ومحدق بالمرضى والمنظومة الصحية".

وتعمل وزارة الصحة الفلسطينية وفقاً لخطّة وضعتها بالتنسيق مع وزارة الحكم المحلي وجهاز الدفاع المدني، لكنّ قدرات التنفيذ محدودة بسبب انتشار قوات الاحتلال في كلّ مدينة جنين. ويبيّن الهدري: "نعمل على تسهيل نقل المرضى إلى مستشفيات أخرى في نابلس ومناطق مجاورة لمحافظة جنين، لكنّ الاحتلال يتعمّد عرقلة العمل الطبي، وذلك على الرغم من عدم إطلاق أيّ شخص النار من محيط المستشفى". ويتابع أنّ "وجود قوات الاحتلال يُعَدّ مخالفاً للمواثيق الدولية"، لافتاً إلى أنّه "لو كان ثمّة وجود مسلّح في المستشفى، لا بدّ من أن تبتعد قوات الاحتلال مسافة معيّنة". ويؤكد أنّ "لا وجود مسلّحاً في المستشفى ولا في محيطه".

ولا يستبعد الهدري أن "يكرّر جيش الاحتلال انتهاك المنظومة الصحية في محافظات الضفة الغربية المحتلة، مثلما جرى في قطاع غزة"، لافتاً إلى "تقصير واضح" من قبل الوكالات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي يطالب الهدري بحضورها إلى مستشفى جنين و"مشاهدة ما يحدث عن قرب".

المساهمون