نظّمت جمعيّة "ذاكرات"، التي تعمل على تعزيز الذاكرة الفلسطينيّة وتخطيط وتنفيذ حلم العودة الفلسطينيّ، جولة ميدانيّة في قرية "لفتا" المقدسيّة المهجّرة منذ عام 1948، وحضرها العشرات، بمرافقة المرشد الفلسطينيّ عمر الغباري، الذي يدير الجولات الميدانيّة في كافّة أنحاء فلسطين، وبشكلٍ خاص في القرى الفلسطينيّة المهجّرة والمنكوبة.
وجاءت الجولة في ظل قرارات سينفّذها المحتلّ الصهيوني بهدم أغلب البيوت الصامدة في وجه المحتل، والشاهدة على نكبة أهلها، لبناء حي سكنيّ على الأنقاض بحجّة عدم إمكانيّة ترميمها، في ضرب لكل القوانين الدولية.
وتصاعدت الفعاليات التضامنيّة مع لفتا، وزادت الزيارات للقرية بعد نشر خبر المناقصة، ويستعد الأهالي حاليا لتجديد النضال من أجل إنقاذ ما تبقى من بلدهم. يقول يعقوب عودة، المهجّر وهو ابن ثماني سنوات، وعضو جمعية أبناء لفتا: "سنطرق كل الأبواب. رغم أننا لا نعوّل على القضاء الإسرائيلي، إلا أننا سنحاول من خلاله أيضًا استغلال كل ثغرة حتى نحافظ على لفتا. نريد تفاعلًا محليًّا، ونريد ضغطًا دوليًّا".
ويضيف عودة: "أريد العودة إلى بيتي. هذا حقي، وهو مكفول في القوانين والأعراف الدولية. ولكن في هذه المرحلة، وأمام الخطر المحدق لمحو ما تبقّى من بيتي وبلدي، فأنا أريد أن نوقف خطة الهدم، وأن نرمم ما تبقّى ليكون رمزًا وشاهدًا وذكرى وأملًا".
وليست هذه المرّة الأولى التي تعلن فيها السلطات الإسرائيلية نيّتها هدم بيوت لفتا المحيطة بعين لفتا الشهيرة في "جذر البلد" كما يسميها أهلها، والواقعة على مدخل القدس. في كلّ مرّة نجت لفتا من خطط المحو النهائيّ، وأصبحت رمزًا للعناد والصمود، ودرسا في الإصرار والاستمرار، ودليلا على العودة.
بدأت الجريمة بمذبحة في مقهى صالح عيسى في لفتا الفوقى، في ديسمبر/كانون الأول 1947، واستمرت بتهجير أهلها قسرًا في مطلع 1948، ثمّ منع عودتهم، لتزداد الجريمة قبحًا مع المنع الذي لا زال ساريًا حتى اليوم.
في 1948 قال بن غوريون فرحًا: "لفتا صارت خالية من الأغراب"، وأسكن فيها عددا من يهود الشرق، حرّاسًا على هيئة مدنيّين، لئلّا يعود الفلسطينيون أصحاب البيوت. وبعد عقدين من الزمن، تبدّلت أساليب الاستعمار، إذ نقلت حكومة الاحتلال عائلات المستوطنين من هناك إلى أحياء جديدة، وظلّت بيوت لفتا التحتى واقفة، ومن حولها "الجناين"، قبل أن تعلنها حديقة للزوّار.
في ربيع 2021، افتتح في أحد بيوت لفتا فندق "لفتا بوتيك"، وهو يشرف على البيوت المهجّرة ليطلّ على مسرح الجريمة. بأسلوب استشراقيّ يسوّق الفندق نفسه على أنه صرح ضيافة بنكهة أوروبية يشرف على منظر يحبس الأنفاس، ويتيح الفندق للأزواج الشابة أرقى حفلات الأعراس في جوّ رومانسيّ. في أجنحة الفندق، والنصوص التي يروجها عن نفسه، لا وجود لكلمة واحدة عن لفتا الفلسطينية المهجّرة قسرًا.
وبالتزامن مع خطط تهجير العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح ومن سلوان، والتهديد بهدم قرى كاملة في النقب، وملاحقة تجمعات فلسطينية في الأغوار، وفي جنوب الخليل، والتضييق على فلسطينيي يافا، واللد، والجليل، أعلنت "سلطة أراضي إسرائيل" عن مناقصة لبناء حيّ إسرائيلي في لفتا.
إنها الخريطة رقم 6036 التي نشرت في عام 2004، ولكنها جمّدت منذ عام 2018 بفضل نضال مدنيّ خاضه "الائتلاف من أجل إنقاذ لفتا"، ويشمل المخطط نحو 260 فيلّا ووحدة سكنية، وفندقًا، ومركزًا تجاريًّا، ومتحفًا ومرافق عامّة، ووصف الحي بأنه "جوهرة إسكانيّة". لفتا الأصلية هي فعلًا جوهرة. لكن لفتا المقترحة هي مجرد مستعمرة غايتها محو كل ما يرمز إلى الهوية الفلسطينية، وقتل الأمل لدى لاجئي لفتا بالعودة، وفي نفس الوقت تعميق الأسرلة والتهويد.
وجاء الإعلان عن المناقصة في ظلّ احتفاء صهيونيّ بذكرى احتلال الجزء الشرقي من القدس في يونيو/حزيران 1967، لكن النضالات الفلسطينية ضد مخططات التهجير، نجحت في إلغاء مسيرة الأعلام الاستفزازية التي كانت من المفترض أن تمرّ في وسط الأحياء الفلسطينية بين أسوار القدس.