حذر مكتب الأمم المتحدة المعني بتنسيق الشؤون الإنسانية من حدوث مجاعة تهدد حياة نصف سكان الصومال الذين يبلغ عددهم 15 مليوناً، وتحديداً 7.7 ملايين منهم في مناطق عدة جنوبيّ البلاد ووسطها، بعدما امتدت رقعة الجفاف إلى مناطق جديدة نتيجة تراجع تساقط الأمطار للموسم الرابع على التوالي، ما أتلف المحاصيل الزراعية، وسبّب نفوق آلاف من رؤوس الماشية.
وتوفر الثروة الزراعية وقطاع الماشية معاً نحو 40 في المائة من الناتج القومي المحلي للصومال، ما يعني أن أضرار الجفاف تثقل كاهل السكان، في ظل تفاقم أسعار المواد المعيشية الأساسية، وتقلص مستوى الدعم الإنساني للبلاد مقارنة بالأعوام الماضية، خصوصاً قبل تفشي جائحة كورونا، واندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في نهاية فبراير/ شباط الماضي.
ويتوالى وصول الأسر النازحة إلى مخيمات في مدينة دولو في إقليم جدو (جنوب) حيث تنتشر أكواخ مصنوعة من أغصان أشجار وبطانيات بالية في شكل عشوائي عند مداخلها وخارجها. وباتت هذه المخيمات قبلة للهاربين من موجات الجفاف التي تضرب الأقاليم الجنوبية، فيما تتفاقم معاناة النازحين القدامى في المخيمات ذاتها التي لا تتوافر فيها أدنى مقومات الحياة، ويواجه الأطفال فيها أزمة سوء التغذية نتيجة انعدام الرعاية الصحية، وفقدان الطعام.
ومع تفاقم أوضاع النازحين في مخيمات الصومال عموماً، أرسلت دول عربية مساعدات إغاثة إلى الصومال، التي زادت كمياتها منذ إعلان موجة الجفاف نهاية العام الماضي، وبينها قطر والإمارات والسعودية. لكن بعثة الأمم المتحدة في الصومال تقول إن "نداءات الاستجابة التي أطلقت لمعالجة أزمة الجفاف، لا ترقى إلى المستوى المطلوب". ونهاية يونيو/ حزيران الماضي، شيّدت "قطر الخيرية" بئراً ارتوازية في قرية مردف بولاية هرشبيلي جنوبي الصومال، كي تستفيد منه أكثر من 5000 أسرة من سكان القرية والتجمعات السكانية في قرى نائية أخرى، في إطار الجهود التي تبذلها لمواجهة الجفاف في الصومال، واستجابة لنداء الإغاثة العاجل "أوقفوا مجاعة الصومال".
في السياق، يقول نائب مبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال، ومدير مكتب التنسيق للشؤون الإنسانية آدم عبد المولى لـ"العربي الجديد": "فشلت أربعة مواسم متتالية لتساقط الأمطار في الصومال، ويرجح أن يتكرر الأمر الموسم المقبل. وحالياً، يهدد الجوع أكثر من نصف سكان الصومال، وأكثر من مليون طفل بينهم 360 ألفاً يعانون من سوء تغذية حاد، وقد لا يستطيعون البقاء على قيد الحياة بحلول سبتمبر/ أيلول المقبل إذا استمرت الأوضاع على حالها". ويلفت إلى أن "مخيم دولو الجديد أنشئ في ظروف استثنائية، ويوجد فيه حالياً أكثر من 350 عائلة وصلت خلال فترة ثلاثة أسابيع فقط من مناطق مختلفة في الجنوب".
ويطالب عبد المولى الدول المانحة "بتنفيذ مشاريع طويلة المدى في الصومال لتفادي تكرار الأزمات الإنسانية التي تتكرر سنوياً، وتقديم مساعدات تنموية تنهي سلسلة الكوارث المتكررة في المنطقة، ما سيرفع قدرة الصوماليين شعباً وحكومة على مواجهة الكوارث البيئية الناتجة من التغيرات المناخية في المستقبل".
ويمتد مخيم دولو على مساحة شاسعة، ويضم خيماً بنيت عشوائياً، وتسكن فيها مئات من الأسر الفقيرة النازحة التي نفقت ماشيتها بسبب الجفاف وأتلفت مزارعها، ولم تجد إلا حل النزوح إلى هذه المخيمات لتعزيز فرص الحصول على مساعدات غذائية تنقذ حياتها من الهلاك.
تقول ماما مسلمة التي ناهزت السبعين من العمر، ووصلت بشق النفس إلى مخيم دولو بعد رحلة سير طويلة على القدمين استمرت عشرة أيام لـ"العربي الجديد": "دفعنا الجوع إلى النزوح إلى هذا المخيم بعدما لم تهطل الأمطار في المواسم الأربعة الماضية، وتحوّلت المزارع والمراعي إلى أراضٍ قاحلة وجافة، ولم يتوافر لنا ما نأكله".
تضيف: "لم تجد أسرتي حتى أي مال لصرفه من أجل الوصول إلى هذا المخيم، واضطررنا إلى المكوث يومين في مدينة لوق على الحدود مع كينيا، علماً أن رحلتنا استمرت 10 أيام مشياً على الأقدام للوصول إلى مخيم دولو الذي تشرف عليه منظمات أممية ومحلية".
وعادة تبيع الأسر القروية التي تملك مواشي أو تمتهن الزراعة ماشيتها أو محاصيلها لتوفير احتياجاتها وشراء مستلزمات العيش. لكن مع حدوث أزمة الجفاف نفقت مئات من ماشية القرويين، وهلكت المزارع، ما دفع العديد من الأسر إلى النزوح نحو المناطق والمدن الكبيرة، بحثاً عن حياة جديدة .
وتقول فاطمة عبدي التي وصلت قبل شهر إلى مخيم دولو، لـ"العربي الجديد": "نزحنا بسبب الجفاف الذي حل بقريتنا، وسبّب تلف محاصيل مزرعتي ونفوق الماشية. وبلغنا المخيم بعد أيام من التعب والسير".
وتواجه أسر كثيرة نزحت إلى المخيمات العشوائية في الجنوب مشاكل في الحصول على مستلزمات الحياة الأساسية، خصوصاً في مدينتي دولو وبيدوا والعاصمة مقديشو، إذ لا تتوافر لأفرادها مواد غذائية ولا مياه صالحة للشرب، ويفاقم وضعَهم المعيشي الصعب غيابُ الرعاية الصحية لمعالجة المرضى، خصوصاً الأطفال والمسنين الذين يواجهون مضاعفات سوء التغذية.
ومخيم دولو في إقليم جدو هو الأحدث الذي أنشأته هيئات محلية، ويضم مستشفىً صغيراً يرقد فيه عشرات من الأطفال الذين يعانون من مضاعفات سوء التغذية، علماً بأنه شُيّد للاستجابة لأوضاع النازحين الفارين من المناطق المحاذية للحدود مع كينيا التي تعرضت بحسب الأمم المتحدة "لأسوأ موجات جفاف منذ أربعة عقود، ما جعلها أكبر أزمات منطقة القرن الأفريقي، إلى جانب بعض الجيوب والمناطق في إثيوبيا".
وتستمر التحذيرات المحلية والدولية من تزايد وطأة الجفاف، وإمكان اندلاع كارثة مجاعة بحلول سبتمبر/ أيلول المقبل، إذا لم يتحرك العالم لإنقاذ ملايين من الصوماليين من شفا الموت جوعاً في منطقة القرن الأفريقي.