مع غياب شمس اليوم السادس على الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسورية، جرى انتشال مزيد من الجثث من تحت الأنقاض في مدينة جنديرس، شمال غربي سورية، المحاذية للحدود مع تركيا. وترافق ذلك مع خبر سار وحيد شمل طفلاً في السادسة من العمر أخرج حياً بعدما قضى أكثر من 100 ساعة تحت الأنقاض. وأخرج الطفل موسى حميدي من تحت الركام مصاباً في رأسه ويده اليمنى. وبدت عيناه متورمتين، فتدخل المسعفون لعلاجه بضمادات بيضاء، فيما واصل عناصر الدفاع المدني البحث عن باقي أفراد عائلته، ونجحوا في العثور على شقيق له فارق الحياة لاحقاً.
وعمل عناصر الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) مع متطوعين من الأهالي بأيديهم، واستخدموا أدوات بسيطة لفتح ثغرات في طبقات الإسمنت المتراكمة بأمل الوصول إلى أحياء.
يوضح أحد عناصر الدفاع المدني السوري لـ"العربي الجديد" أن "فرق الإنقاذ ركزت جهودها على أبنية ومنازل معينة، أو حتى أجزاء محددة من الأبنية، بحسب معطيات ميدانية متوفرة تفيد بوجود أشخاص في هذه الأبنية، أو سماع صراخ أشخاص تحت الأنقاض. لكن بدءاً من اليوم الثالث، أصبح سماع هذه الأصوات أقل بكثير، لأن الأشخاص المصابين الذين تعرضوا لنزيف فقدوا وعيهم بعد هذا الوقت، وأصبح من المتعذر سماع أصواتهم حتى لو ظلوا أحياء لفترة وجيزة".
ويقول وليد محمد من بلدة جنديرس، لـ"العربي الجديد": "تعرضت البلدة التي تبعد نحو 80 كيلومتراً من مدينة حلب و22 كيلومتراً من بلدة عفرين لخسائر شديدة جراء الزلزال، وتهدم نحو 300 بناء فيها، وتضررت 220 أخرى.
ويشير إلى أن البناء الذي كان يقيم فيه لم يتهدم لكنه تعرض لتشققات وأضرار كثيرة. ويخبر: "غالبية الضحايا هم من مهجري ريف دمشق الذين سكنوا في أبنية مهجورة أو غير مكتملة البناء، وصهري وابنتي الصغرى ما زالا تحت الأنقاض من دون أن نستطيع إخراجهما، علماً أننا جلبنا أدوات بدائية لمحاولة فعل ذلك لكننا لم نفلح". يضيف: "كانت ابنتي البالغة 30 عاماً وابنها الصغير تحت الأنقاض. ناديتها كثيراً، لكنني لم أسمع أي رد منها وسط الدخان والغبار، ثم علمت أنها محاصرة في بيت الدرج. واستطعنا باستخدام أدوات بدائية كسر الحائط وقطع قضبان الحديد وإخراجها مع ولدها". وحول الأوضاع الحالية في البلدة، يقول وليد إن "أهالي المنطقة لجأوا إلى أقاربهم في ضيع مجاورة، أما النازحون فيحتاجون إلى خيام وغذاء".
وتعد جنديرس، التي تقع في ريف منطقة عفرين التابعة لمحافظة حلب شمالي سورية، من أكثر المناطق تضرراً من الزلزال في البلاد. وتقدر مصادر عدد الضحايا بالمئات (756 وفق آخر إحصاء) والجرحى والمفقودين بالآلاف. وتقول السلطات المحلية إن لديها 90 جثة مجهولة الهوية، فيما نقلت عشرات الجثث لدفنها في محافظة إدلب، كما تقدّر بأن كثيرين ما زالوا تحت الأنقاض.
وبين أسباب ارتفاع أعداد الضحايا في البلدة استضافتها أعداداً كبيرة من النازحين، خاصة ممن هجّرهم النظام السوري من الغوطة الشرقية في ريف دمشق عام 2018. وبفعل الزلزال، عادت مشاهد المهجرين والمشردين بلا مأوى إلى البلدة، حيث أعلن المجلس المحلي في المدينة أن نحو 2700 عائلة من دون مأوى وخدمات، في ظل ظروف مناخية قاسية، وسط غياب الدعم الإغاثي وانهيار الخدمات الأساسية والحاجة إلى غذاء ومياه ودواء. ووصل إلى المدينة عدد من المتطوعين المصريين، لكنهم لم يملكوا معدات، فلم يحدثوا أي فارق في جهود الإنقاذ.
ويحاول الأهالي في ريف حلب الشمالي، بمساعدة فصائل عسكرية، إيواء الناجين من المدينة. ووصل مئات منهم إلى مدينة مارع التي نفذ أهاليها حملة لإيوائهم، وجمعوا مبالغ مالية وأغطية وألبسة. ويقول المجلس المحلي في جنديرس إن 760 عائلة غادرت إلى مناطق مجاورة في ريفي حلب وإدلب. وقد جرى تجهيز مخيمين لإيواء 350 عائلة من أصل العدد الكلي للعائلات المتضررة. وتحتاج البلدة وفق مجلسها إلى حوالي 2500 خيمة، وتأمين وجبات طعام ومياه لمراكز الإيواء والسكان عموماً، ومركز ميداني لاستضافة الحالات الطارئة.
وليس بعيداً عن مركز جنديرس، تداول ناشطون صوراً أظهرت تصدّع سد في منطقة عفرين جراء الزلزال، محذرين من آثار كارثية في حال انهياره.
وتتبع بلدة جنديرس إدارياً لمنطقة عفرين، وتضم 62 تجمعاً سكنياً، منها 33 قرية و29 مزرعة. وتعتبر أراضي البلدة من أهم مناطق الإنتاج الزراعي في منطقة عفرين، وتشتهر بمحاصيل الزيتون وإنتاج زيت الزيتون، حيث تضم 36 معصرة، إضافة إلى الحبوب والشمندر السكري والعنب والسمسم والبطيخ والتبغ.
وجنديرس من المناطق ذات الغالبية الكردية، وهي من أهم البلدات التابعة لمنطقة عفرين بسبب مساحتها الواسعة وقربها من محافظة إدلب. وسيطرت على البلدة لسنوات "وحدات حماية الشعب" الكردية، ثم القوات التركية وفصائل المعارضة السورية بعد عملية "غصن الزيتون" العسكرية في مارس/ آذار 2018. وأصبحت بعد ذلك مقصداً للكثير من النازحين من أرياف دمشق وحماة وإدلب، الذين فروا من عمليات قوات النظام السوري العسكرية وسيطرته على مدنهم وبلداتهم، ثم قضى بعضهم في الزلزال.