تعيش جزر الكناري الإسبانية في المحيط الأطلسي حالة تدفق متزايد لمهاجري القوارب من سواحل غرب أفريقيا، ما أجج القلق الأوروبي، بالرغم من توقف مدريد عن نقل كثيرين منهم نحو برّها الرئيسي
تضاعفت سبع مرات أعداد المهاجرين الواصلين عام 2020 إلى جزر الكناري التي تقع في المحيط الأطلسي بالقرب من المغرب، تحت السيادة الإسبانية، مقارنة بعام 2019، وهو ما دفع مفوضة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي، إلفا يوهانسون، إلى التحذير، داعية إلى تحرّك أوروبي عاجل في هذا الخصوص. فقد عبرت يوهانسون عن قلقها من تضاعف وصول مهاجري القوارب "الجالبة للموت"، بحسب وصفها، نحو جزر الكناري الإسبانية قبالة الساحل الغربي المغربي (على بعد 100 كم)، سبعة أضعاف عن مثيلاتها في العام الماضي. ورأت يوهانسون أنّ الاتحاد يحتاج إلى "تعديل وإصلاح سياسات اللجوء بعد التزايد الدراماتيكي في أعداد الواصلين إلى الجزر الإسبانية في مسار مميت".
وكانت منظمة الهجرة الدولية قد لفتت إلى مخاطر هذا المسار الجديد، إذ لقي في الرابع والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ما لا يقل عن 140 شخصاً مصرعهم غرقاً، وفقاً لأرقام المنظمة، بعدما أبحر مركبهم الذي حمل 200 شخص من شواطئ مدينة أمبور السنغالية في غرب أفريقيا باتجاه الكناري، قبل أن تشب النار في المركب المتهالك بعد ساعات من مغادرة الشواطئ، وجرى إنقاذ 59 شخصاً في تلك الحادثة، التي رفعت أعداد الغرقى هذا العام إلى 414 شخصاً، من بينهم نساء وأطفال، وفقدان أثر نحو 200 شخص.
وتعتبر جزر الكناري وجهة سياحية في العادة يقصدها الشباب الأوروبيون، ويبدو أنّ جائحة كورونا التي أوقفت السياحة لم تثن المهاجرين عن المخاطرة بالإبحار في المحيط للوصول إليها، أملاً في نقلهم منها إلى البرّ الإسباني والأوروبي. وبحسب الأرقام الصادرة عن السلطات الإسبانية، فإنّ الكناري باتت تضم اليوم نحو 14 ألف مهاجر من أفريقيا، وهو ما شكل 7 أضعاف عمليات الهجرة نحوها العام الماضي. وبالرغم من أنّ الحكومة الإسبانية، برئاسة اليساري بيدرو سانشيز، تبدي تعاطفاً مع معاناة المهاجرين، واستقبلت في أكثر من مناسبة مهاجرين التقطتهم قوارب إنقاذ في البحر الأبيض المتوسط، حين كان وزير الداخلية الإيطالي السابق ماتيو سالفيني ينتهج سياسة متشددة تمنع بين عامي 2018 و2019 دخول تلك السفن إلى موانئ لامبيدوزا وصقلية، فإنّ الحكومة الاشتراكية في مدريد تجد نفسها تحت ضغوط شعبية ويمينية ترفض تحول إسبانيا إلى ملجأ أوروبي للمهاجرين، كما عاشته إيطاليا واليونان طوال سنوات.
وتتعرض حكومة مدريد لهجوم متواصل من قبل الحزب اليميني المتشدد "فوكس" الذي يطرح سحب الثقة من حكومة سانشيز. ويقدم زعيم الحزب، سانتياغو أبسكال، خطاباً متطرّفاً بشأن وصول تلك الأعداد إلى جزر الكناري، محذراً من استقبالهم في إسبانيا، كما فعل في 21 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أثناء مناقشة البرلمان قضية تزايد الهجرة إلى الجزر. ويحرض أبسكال الجمهور الإسباني على المهاجرين الأفارقة بتبني خطاب "إعادة كلّ أولئك الواصلين بطريقة غير نظامية، ورفض جميع المهاجرين المسلمين"، وهو أيضاً ما يجد صداه بتظاهرات معادية للمهاجرين على أراضي الكناري تحمل شعار: "أوقفوا الغزو". وعلى العكس من مساعي حكومة اليسار دمج هؤلاء الذين يقيمون على التراب الإسباني بصفة لاجئين، يرفض اليمين المتشدد دمجهم وإنفاق أموال عليهم باعتبارهم، وفقاً لتصريحات أبسكال وقادة من حزب "فوكس"، يجب أن يُرحّلوا من إسبانيا.
خلال نحو شهر، بين أواخر شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، وصل أكثر من 5 آلاف من مهاجري القوارب من شواطئ غرب أفريقيا إلى تلك الجزر التي اكتظت الآن بهم، وسط ظروف كورونا السيئة التي تضرب إسبانيا. ويفيد عاملون متطوعون من دول أوروبية على أراضي الجزر بأنّ "غراند كناريا (الجزيرة الثانية في عدد السكان بعد تينيريفي) تشهد وضعاً صعباً مع عدم توفر أماكن كافية لإيواء هؤلاء الوافدين بشكل متواصل". وهو أيضاً ما يؤكده الموقع الإخباري المحلي بجزر الكناري "كانارياس 7"، الذي ينقل شهادات مروعة عن الناجين من أخطر طرق الهجرة البحرية. وبالرغم من أنّ هذا المسار، بعبور جزء من المحيط الأطلسي إلى الجزر التابعة لإسبانيا، ليس جديداً، إذ شهد تدفقاً للمهاجرين عام 2006، فإنّه يشهد نشاطاً متزايداً بعدما أصبح مسار البحر الأبيض المتوسط مشدد الحراسة من خفر سواحل أوروبيين وتعاون خفر سواحل من شمال أفريقيا لمنع تدفق المهاجرين من خلاله. وكان مسار المتوسط، الذي بدأ منذ عام 2012 يشهد تزايداً في عمليات التهريب من خلاله، خصوصاً من سواحل ليبيا، حصد آلاف الأرواح، وتسبب بأزمات أوروبية داخلية تتعلق بسياسة الهجرة، واتهام إيطالي لدول التكتل بعدم إبداء سياسة تضامن مع روما، بتطبيقها الصارم لمنع دخول المهاجرين إليها بموجب اتفاقية دبلن. وبالرغم من تراجع خط مسار المتوسط عما كان عليه في ذروة وصول المهاجرين في 2015 و2016، فإنّ العام الماضي، حتى نوفمبر/ تشرين الثاني منه، شهد وصول نحو 87 ألفاً وغرق ووفاة أكثر من ألف إنسان، في البحر المتوسط، بحسب أرقام منظمة الهجرة الدولية.
وحاولت أوروبا خلال السنوات الماضية البحث عن بدائل لسياسة الهجرة واللجوء المتبعة، ومن بينها إنشاء مخيمات استقبال في "دول ثالثة" بإدارة أوروبية. ومع فشل إقناع دول جنوب المتوسط بنقاط استقبال على أراضيها ذهبت أوروبا في سبتمبر/أيلول الماضي نحو تعديلات في سياسة الهجرة. وشملت تلك السياسات التي اتفق عليها الأوروبيون، من بين قضايا أخرى، تفعيلاً لما يسمى "التضامن بحسب الحاجة"، إذ يسمح ذلك للدول التي ترزح تحت ضغوط أعداد الواصلين بطلب استقبال دول أخرى في الاتحاد للمهاجرين، سواء بقصد دراسة قضاياهم أو ترحيلهم إلى دولهم الأصلية. وعملية الترحيل لقيت أيضاً اهتماماً لافتاً تحت عنوان "تفعيل ترحيل المرفوضين"، إذ يتشارك الأوروبيون أعباء التفاوض مع الدول الأصلية للمهاجرين لاستقبال مواطنيها، وربط المساعدات الخارجية بضرورة تقيد تلك الدول باستقبال المرفوضين. وأمل الأوروبيون في أن تؤدي سياسة ترحيل المقيمين بصفة غير شرعية إلى الحدّ من تدفق المهاجرين نحو القارة. ولفتت مفوضة الشؤون الداخلية، إلفا يوهانسون، في تصريحاتها التي أدلت بها في بروكسل، إلى ضرورة التسريع بدراسة طلبات اللجوء وترحيل من لا توجد أرضية لطلب حمايتهم، وهو ما تقترحه لتخفيف أعباء إسبانيا على جزر الكناري، أملاً منها في وقف هذا التدفق من سواحل غرب أفريقيا.
ويبدو أنّ خطة الاتحاد الأوروبي التي اتفق عليها القادة في أواخر الصيف الماضي يجرى تطبيق القليل منها في جزر الكناري، خصوصاً في النقطة المتعلقة بتحديد هوية الآتين، تحت حماية الشرطة الإسبانية، بهدف تحديد الدول الأصلية لكلّ مهاجر. ويجرى تجميع هؤلاء غير المؤهلين للحصول على لجوء، في مخيم خاص بهدف ترحيلهم.
وأوقفت الحكومة الإسبانية منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019 نقل الواصلين إلى الكناري إلى البرّ الإسباني، واستثنت نحو 1000 شخص فقط من بين نحو 14 ألفاً معظمهم من الأطفال والنساء. وساهمت الاتفاقيات الثنائية بين إسبانيا وبعض الدول الأفريقية بترحيل بضع مئات من الواصلين خلال العام الماضي إلى دولهم الأصلية، وأدى توقف حركة الطيران والإغلاقات بسبب كورونا إلى وقف عمليات الترحيل. وبالرغم من ذلك تنقل وسائل إعلام أوروبية عن عاملين في المجال الإغاثي في جزر الكناري عن وضع صعب يعيشه الواصلون إلى ميناء أرغوينغوين، بمعدل وسطي يتجاوز 300 مهاجر يومياً، ممن استطاعوا قطع أمواج الأطلسي ولم تنقلب قواربهم أو تحترق محركاتها كما وقع في مأساة الشهر الماضي.
ويقول الواصلون على متن تلك القوارب إنّ أشخاصاً يموتون في عرض المحيط ويجرى رميهم من القوارب قبل أن تصل إلى وجهتها، وهو ما نقلته صحيفة "فرانكفورتر ألغيماينه" الألمانية عن المسعفة المتطوعة، جانيسا شوب، في جزيرة لانزورا. فقد ذكرت الشابة الألمانية الآتية من هانوفر مخاوفها من تحول الكناري إلى ما يشبه وضع مخيم موريا على جزيرة ليسبوس اليونانية الذي احترق قبل شهرين. ونقلت المسعفة شهادات مرعبة من الواصلين، خصوصاً عن انتشار الجثث في المحيط: "نحن لا نرى سوى الواصلين منهم، أما الباقون فتبتلعهم المياه".