لم يألف كثير من الجزائريين زيارة طبيب الأسنان، وإن بات الناس، وخصوصاً من الجيل الجديد، أكثر اهتماماً بأسنانهم، وبالتالي أكثر حرصاً على زيارة الطبيب.
لا يجد البعض الوقت أو القدرة في ظل زحام الحياة والكلفة المعيشية، لتصبح زيارة طبيب الأسنان خارج قدرة الغالبية، وفي الغالب، لا يزورون أطباء الأسنان إلا في حال كانوا يعانون من الألم الشديد.
ويربط كثيرون عدم تعوّد الجزائريين على مراجعة طبيب الأسنان بالخوف من الجلوس على كرسيه، على الرغم من أن الإهمال قد يدخلهم في دوامة من المشاكل والتعقيدات الصحية. وغالباً ما يرتبط الخوف بالمعدات الكثيرة التي يستخدمها طبيب الأسنان، والأصوات التي تصدرها، والتخدير الموضعي، وغيرها من التفاصيل.
ولطالما ارتبطت الأسنان لدى الصغار بقصص وتقاليد شعبية ما زال بعضها سارياً. إحدى القصص تفيد بأنه حين يسقط سن الطفل، يحمله في يده ويردِّد أغنية شعبية يقول فيها: "يا الشمس أعطيتك سَنْتي، فأعطيني سنّاً آخر". وفي ظل إهمال كثيرين الفحص الدوري لأسنانهم، غالباً ما يضطرون في عمر متقدم إلى تركيب أسنان اصطناعية.
وتقول فاطمة عجرود (49 سنة)، إنها لا تزور طبيب أسنان إلا في حال عانت من تسوس في أحد أسنانها أو أضراسها، أو أصابها ألم شديد، وترى أن التوجه إلى طبيب الأسنان هو مثل "مشروع ضخم يحتاج إلى تخطيط ووقت"، لافتة إلى أنها تتردد كثيراً في اتخاذ قرار الذهاب إلى الطبيب وترجئ الموعد أكثر من مرة، على الرغم من أن حالة أسنانها تتدهور وباتت مضطرة إلى علاجها. إلا أن التزاماتها اليومية جعلت الأمر في ذيل الأولويات، إلى حين تعرضت لألم شديد على مدى أربع ليال، لتزور الطبيب وتبدأ العلاج، تضيف أنها تخشى الجلوس على كرسي طبيب الأسنان، لكن حين يصبح الألم شديداً، لا يكون هناك حل آخر.
وعلى الرغم من أن الجزائريين يتمتعون بخدمة علاج مجانية، إلا أن علاج الأسنان أو إعادة ترميمها ليسا كذلك، الأمر الذي يجعل كثيرين لا يزورون طبيب الأسنان إلا للضرورة. وتتجاوز كلفة زيارة طبيب الأسنان الألف دينار (نحو 7 دولارات) للاستشارة، وتزداد بحسب متطلبات العلاج. وقد تتجاوز الكلفة 4 آلاف دينار في الزيارة الواحدة (نحو 30 دولاراً)، ما يجعل متابعة صحة الأسنان خارج أولويات الأسرة الجزائرية، التي تسعى إلى تأمين لقمة العيش وتوفير مستلزمات وضرورات الحياة اليومية.
وعن هذا الواقع، يقول طبيب الأسنان رضوان بوعروج إن المشاكل الصحية ترتبط بعضها ببعض، موضحاً أن عدم الاهتمام بصحة الفم والأسنان يؤدي إلى الإصابة بأمراض أخرى كالصداع وغيرها من تلك المرتبطة بالجهاز الهضمي، مشيراً إلى أن هناك قاعدة صحية عامة تفرض مراجعة طبيب الأسنان كل ستة أشهر، يضيف أنّ "الاهتمام بصحة الأسنان أمر ثانوي بالنسبة لكثيرين".
ويؤكد أن "الأشخاص الذين لديهم مشاكل خاصة في الفم يحتاجون إلى اعتناء منتظم وإشراف من طبيب مختص في الأسنان، وتحديد زيارات أسبوعية أو شهرية"، مشيراً إلى أن "ذلك مهم للغاية ويجنب مضاعفات خطيرة في الفم قد لا تحمد عقباها عند التقدم في العمر". يضيف الطبيب أن "إهمال زيارة الطبيب يؤدي إلى تجاويف في الأسنان أو تسوس وألم، وبالتالي تصبح الحاجة إلى زيارة الطبيب ملحة لخلع السن أو الضرس".
إلى ذلك، تشير سكينة (61 سنة)، وهي متقاعدة من سلك الضمان الاجتماعي، إلى أنها عانت من ألم شديد لأنها لم تعتن بأسنانها لفترة طويلة، ودفعت مبلغاً يفوق الـ200 ألف دينار جزائري (نحو ألف دولار)، من أجل علاج أسنانها، بعدما أصيبت بمرض اللثة.
وفي ظل التطور المجتمعي في الجزائر، باتت الأجيال الجديدة أكثر اهتماماً بأسنانها، على الرغم من التكاليف المرتفعة. ويحرص الشباب على زيارة طبيب الأسنان وتنظيف وتبييض الأسنان، على غرار منير كيش، الطالب في جامعة تيبازة، قرب العاصمة الجزائرية، ويقول إنه "يلاحظ بشكل لافت اهتمام الطلاب بأسنانهم"، يضيف: "تكثر العلاجات والخيارات في الوقت الحالي، التي تشجع الشباب على الاهتمام بصحة الفم والأسنان أكثر فأكثر".