يزداد إقبال المسنات بشكل خاص على تعلم القراءة والكتابة، في الجزائر، بعدما حرمهن الاستعمار الفرنسي من هذا الحق. واليوم، بتن ينافسن أحفادهن
خلال السنوات الأخيرة، لوحظ إقبال نساء في الجزائر على تعلّم القراءة والكتابة، رغم تجاوزهن السبعين من العمر، بعدما حرمهن الاستعمار الفرنسي لبلادهن من التعليم. واليوم، يتنافسن وأحفادهن في لفظ وكتابة الحروف والكلمات والجمل، والتدرّب على القراءة، خصوصاً القرآن الكريم. يشعرن بسعادة وهن يحملن دفاترهن خلال توجههن إلى صفوف محو الأمية، التي تعدّ جزءاً من خطة الحكومة للقضاء على الأمية.
كل يومي إثنين وخميس تتوجّه حبيبة بن قارة إلى مدرسة لتعليم القراءة والكتابة في الحي الذي تقطنه في أعالي منطقة درقانة شرق العاصمة الجزائرية. هذه السيدة البالغة من العمر 72 عاماً لم يمنعها سنّها ومرضها من تحقيق حلمها في تعلّم القراءة والكتابة. تشعر بأن سعادتها تزداد يوماً بعد يوم، حين تكتب الحروف جنباً إلى جنب. وكثيراً ما تعرب عن فخرها بما تعلمته أمام أحفادها.
"درجة درجة وخطوة خطوة"، هذا هو المبدأ الذي اختارته الأم حبيبة خلال تعلّم القراءة والكتابة. أصرّت على التدرب على تعلم الحروف والكتابة بصورة يومية. كانت هذه طريقتها في التعلم، قبل أن تبدأ قراءة شريط الأخبار على شاشة التلفزيون.
في السابق، كانت القراءة بالنسبة لحبيبة مثل حلم لا يمكن تحقيقه، هي التي عاشت في الريف (سيدي لعجال في ولاية الجلفة جنوبي الجزائر). بعدها، انهمكت في تربية أبنائها والعمل مع زوجها في تربية الأبقار. قصة هذه المرأة التي أنجبت سبعة أولاد، وباتت جدة لـ 19 حفيداً، صارت تلهم كثيرات. وتجاوز عدد الملتحقين بصف محو الأمية في تلك البلدة نحو 25 مسنّة ممن لديهن أولاد وأحفاد، بعضهم أنجب أولاداً أيضاً.
تعويض
يسعى العديد من الراغبين في تعلّم القراءة والكتابة إلى تعويض ما فاتهم خلال فترة الاستعمار الفرنسي للبلاد، إذ مُنعوا من الالتحاق بالمدارس، باستثناء قلة. من هنا، ليس مستغرباً أن معظم كبار السن لم يعرفوا المدرسة. ولدى الحديث عن تلك الفترة الصعبة من حياة الجزائريين، يتضح أن غالبية الفئات غير المتعلمة في الجزائر من كبار السن. وتُفيد أرقام جمعية "إقرأ" لمحو الأمية وتعليم الكبار، التي تنشط في مختلف ولايات الجزائر، بأنّه بعد الاستقلال، تجاوزت نسبة الأمية في البلاد 75 في المائة، لتصل إلى 30 في المائة نهاية ثمانينيات القرن الماضي. لاحقاً، عمدت الحكومة إلى اتخاذ تدابير وقرارات عدة
بهدف محو الأمية، لتتراجع النسبة إلى 12 في المائة عام 2019.
أحد الأسباب التي تدفع كبار السن إلى تعلّم القراءة والكتابة هو الرغبة الشديدة في قراءة القرآن وحفظ بعض آياته، كما يقول الإعلامي فاروق حركات. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن كثيرين ممن تقدّم بهم العمر يلجؤون إلى هذه الصفوف من أجل قراءة القرآن وحفظه، لافتاً إلى أن "تبدّل الظروف وتحسّنها بعد انتهاء الحقبة الاستعمارية دفعا البلاد إلى فتح مدارس لمحو الأمية على كامل التراب الوطني".
بالإضافة إلى ما سبق، يرى البعض أن ما يحفز كثيراً من كبار السن على التعلم يرتبط بتأثرهم ببعض الأشخاص الذين نجحوا في تجاوز خوفهم من عدم القدرة على النجاح، وخصوصاً أن هؤلاء لم يتمكنوا من التعلم فقط، بل نجحوا في التغلب على الأمية بعدما تجاوزوا السبعين من العمر. وتمكن بعض منهم من إتمام المرحلة الثانوية والحصول على شهادة البكالوريا، والالتحاق بالجامعة.
وما يبدو لافتاً أن عدداً كبيراً من الجزائريين صاروا يشجّعون أمّهاتهم على الالتحاق بصفوف محو الأمية. يقول سمير بخوش لـ" العربي الجديد" إن "في ذلك بعضاً من ردّ الجميل للأمهات، عدا عن التجارب الناجحة التي تعد محفزاً. كما أن الدين يحثّنا على التعلم"، على حد قوله.
في عام 2007، وضعت الجزائر خطة لعشر سنوات في إطار "الاستراتيجية الوطنية لمحو الأمية وتعليم الكبار"، تتضمّن محاور عدة، منها إحصاء عدد الأشخاص الذين وصلوا إلى سن الدراسة من دون أن يتمكنوا من التعلم في مختلف المدن والقرى. كذلك يشجّع البرنامج العائلات على تسجيل أبنائها في المدارس الحكومية ومعاقبة الأهل في حال المنّع. كذلك من الأهداف الأساسية دفع كبار السن إلى التعلم.
في هذا السياق، تقول الأستاذة في قسم محو الأمية في ولاية سوق أهراس شرقي الجزائر، نعيمة لعظايمية، لـ "العربي الجديد"، إن نسبة تعليم الكبار إلى ارتفاع في القرى، خصوصاً الجيل الذي ما زال يعيش الحياة الريفية والذي لم يعرف القراءة والكتابة. تضيف أن هذا الجيل عرف الفقر وضيق العيش والتحرير، وما زال حتى اليوم متشبثاً بأرضه.
تضيف أن تعليم الكبار بات أمراً أساسياً في بعض الولايات الجزائرية، خصوصاً الراغبين منهم. وتلفت إلى أن "توجه النساء إلى الدراسة يعدّ تمويهاً عن النفس، وانخراطاً في جو مختلف عن ذلك الذي يعشنه في البيت. هذه الصفوف ساعدت النساء على كتابة حروف وجمل، حتى بتن أكثر قرباً من أحفادهن، بل ومنافسات لهم".