استمع إلى الملخص
- **قصص مؤلمة عن فقدان الجرحى**: تتكرر القصص عن فقدان الجرحى بسبب تأخر وصول الإسعاف، مثل حالة حمزة الصباغ وسليم حماد، مما يعكس الواقع القاسي في غزة.
- **تحديات الطواقم الطبية**: يواجه الطاقم الطبي تحديات كبيرة، بما في ذلك استشهاد أفراد الطواقم وتدمير سيارات الإسعاف، ونقص المعدات الطبية، مما يؤدي إلى تدهور الوضع الصحي وانتشار الأمراض.
استشهد مئات الجرحى قبل نقلهم إلى المستشفيات، أو بعد وصولهم إليها بقليل، فعدد سيارات الإسعاف محدود للغاية، ويواصل جيش الاحتلال استهدافها خلال عدوانه المتواصل على قطاع غزة.
يتعرض الفلسطينيون في قطاع غزة لمخاطر مضاعفة بعد كل قصف إسرائيلي يستهدف مناطق وجودهم، وإذا نجا الشخص من الموت في القصف، وتعرض لإصابة، فإنه يتعرض لمخاطر متفاقمة خلال محاولات نقله إلى المستشفى أو المركز أو النقطة الطبية الأقرب، فانتظار وصول سيارة إسعاف أو وسيلة نقل يكلف كثيرين حياتهم.
ومع خروج الكثير من المستشفيات عن الخدمة وقلة أعداد المراكز والنقاط الطبية، تصبح الرحلة إلى المستشفى الأقرب طويلة، فضلاً عن كونها غاية في الخطورة، فغالبية الطرق مدمرة، وجيش الاحتلال يكرر استهداف سيارات الإسعاف، وكل مركبة متحركة معرضة للاستهداف، فضلاً عن الإمكانات الطبية المحدودة المتاحة، والاكتظاظ الكبير في المراكز العلاجية.
ومن بين المشكلات الأساسية تركيز طواقم الإسعاف والدفاع المدني على الوجود في حدود المنطقة الآمنة، والتي يقلصها جيش الاحتلال بشكل متكرر خلال الشهر الأخير، في حين لم تستطع العديد من العائلات إخلاء تلك المناطق لعدم وجود أماكن لإيوائهم، أو حتى خيام، وامتلاء مدارس ومراكز الإيواء، والتي أصبحت تشكل خطراً على الموجودين فيها مع تكرار قصفها.
وفي الفترة الأخيرة، تعجز كثير من العائلات عن تأمين وسيلة لنقل الجرحى الذين يتعرضون للإصابة في أي قصف إسرائيلي، أو من يحتاجون إلى العلاج الدوري، فندرة الوقود عطّلت حركة غالبية المركبات، كما تقلصت أعداد العربات التي تجرها الحيوانات، سواء لنفوق تلك الحيوانات بسبب القصف أو الجوع، أو لاضطرار الأسر لذبحها لتناول لحومها.
ضعف الإمكانات الطبية يهدد حياة الكثير من جرحى غزة
أصيب حمزة الصباغ (32 سنة) بجروح خطيرة في قصف إسرائيلي على مخيم المغازي، استشهد فيه اثنان من أشقائه، وظل ينزف في الشارع ولم يتمكن أحد من الوصول إليه لساعات، وحين حضر بعض الناس لمحاولة إسعافه لم يستطع أي منهم الاتصال بالإسعاف أو الدفاع المدني نتيجة ضعف شبكة الاتصالات، وحين وصل عناصر الدفاع المدني لنقله إلى مستشفى شهداء الأقصى، كان حمزة يلتقط أنفاسه الأخيرة في حضن والده.
يقول الوالد وجيه الصباغ (64 سنة) لـ"العربي الجديد": "كان لدينا الكثير من الآمال في مستقبل أفضل يعيشه الأبناء. أنجبت حمزة وشقيقته الأكبر، وكنت أكرر أنهما أجمل شيء حصل لي في الدنيا بعد رحلة طويلة من التدريس في الإمارات ثم السعودية، قبل العودة لبناء منزل في مسقط رأسي بمخيم المغازي، لكن رغم كل محاولاتي لتأمين أفراد عائلتي فقدت ابني. ما نتعرض له من إبادة هو الأبشع في تاريخ البشرية. وصل الإنسان إلى درجات متقدمة من احترام حقوق الإنسان واحترام الطواقم الطبية، بينما يشاهدنا العالم ونحن نموت، ولا يحرك ساكناً. الاحتلال الإسرائيلي لا يحاربنا، بل ينفذ حرب إبادة لنا. عجزت عن نقل ابني إلى المستشفى، ومات وهو ينتظر إسعافه".
ولا تتوفر لنقل الجرحى سوى قلة من العربات التي تقوم بتأمين الوقود بصعوبة، وبعض أصحابها يقومون بخلط الوقود بالزيت حتى يواصلوا نقل النازحين والمصابين، وليست تلك المرة الأولى التي يستخدم فيها أهالي غزة تلك الطريقة، إذ استخدم بعضهم خلط زيت الطعام مع الوقود في عام 2008، عندما اشتد الحصار الإسرائيلي، وشمل منع دخول الوقود إلى القطاع.
تعجز كثير من عائلات قطاع غزة عن تأمين وسيلة لنقل الجرحى
في الشهر الماضي، وأثناء القصف الإسرائيلي على المنطقة الشرقية في مدينة خانيونس، تعرض سليم حماد (25 سنة) للإصابة في أحد الشوارع الفرعية ببلدة بني سهيلا، خلال محاولته الهرب من طائرات "كاود كابتر" التي كانت تستهدف كل من يمشون في الطرق المؤدية إلى شارع صلاح الدين، وظل ينزف لأكثر من ساعتين، بعدها حاول محمد البريم إنقاذه، وقد خاطر بحياته للوصول إليه، لكنه وجده شهيداً.
يوضح البريم (33 سنة) لـ"العربي الجديد": "سمعت صراخ سليم حماد بعد إصابته، وكان كل سكان المنطقة عاجزين عن الحركة، وقمت بالاتصال بأحد أقاربه العاملين في الدفاع المدني، وطلبت منه أن يحضر سيارة إسعاف، وبعد قرابة ساعتين من عدم وصول أحد لإنقاذه، حاولت الوصول إليه، وعندما وصلت بصعوبة، وطائرات الاستطلاع فوقي، وجدته يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن نزف كثيراً، إذ كان مصاباً في الرأس والصدر. كان يرفع أصبع السبابة، وينطق الشهادة قبل أن يستشهد".
يضيف: "عندما قررت إنقاذ سليم، بكت أمي خوفاً من إصابتي أيضاً، لكني أعرفه كأحد شبان المنطقة، ولم أتحمل تركه ينزف في الشارع. بعد استشهاده، وصلت طواقم الدفاع المدني، فالمنطقة خطرة، وكانوا يواجهون صعوبة في الحركة في ظل إطلاق الصواريخ على كل ما يتحرك".
تبدو الظروف أصعب بكثير في منطقة شمالي قطاع غزة مما هي عليه في المنطقة الجنوبية. أصيب عمر رحيم (19 سنة) نتيجة قصف إسرائيلي لأحد منازل حي الدرج قبل أسبوعين، وانتظر أكثر من ساعتين حتى وصل أحد طواقم الدفاع المدني إلى المنطقة، لكنه فارق الحياة قبل أن يصل إلى المستشفى المعمداني. ولا يزال محمد رحيم يشعر بالصدمة لأن شقيقه استشهد بينما كان يمسك يده، وكان يخبره أنه سيعيش، وأنهما سيسافران إلى والدهما في بلجيكا، ويؤكد أن شقيقه استشهد بسبب تأخر وصول طواقم الإنقاذ، والذين كانوا منشغلين في العمل بأحد المباني المدمرة في الأحياء الشرقية، كما أن معظم الطرق مدمرة، والوصول إلى المنطقة صعب، حتى إنهم قفزوا بين المنازل.
يقول رحيم لـ"العربي الجديد": "كلنا ننتظر الموت، ولا نملك ما يكفي من الطعام أو الماء، ولا وجود للدواء، حتى الشمس نحرم منها أحياناً بسبب طائرات الاستطلاع التي تُطاردنا في كل مكان، وانتظار الإسعاف قد يكلفنا حياتنا، وقد استشهد أحد جيراننا وهو ينتظر في الشارع قدوم سيارة إسعاف لإنقاذ صديقه الذي أصيب في قصف الاحتلال. كنت أتنقل بين المنازل محاولاً طلب النجدة لشقيقي الذي كانت قدمه عالقة بين الأنقاض، ولا أريد أن نضطر إلى بتر ساقه، لكنه استشهد قبل أن تصل الإسعاف".
يوجد مدير التمريض صالح الهمص داخل مستشفى غزة الأوروبي، رغم إخلاء المنطقة الواقعة في الجنوب الشرقي من مدينة خانيونس، ومعه عدد قليل من أفراد الطاقم الطبي، وهم يرفضون المغادرة لوجود عدد من الحالات المرضية الخطرة في العناية المركزة، ويؤكد أنه خلال الأيام الأخيرة، استشهد عشرات الجرحى بسبب صعوبة وصول الإسعاف إليهم، وصعوبة وصولهم إلى أي مستشفى أو مركز طبي. يقول الهمص لـ"العربي الجديد": "لدينا أكثر من 500 شهيد من أفراد الطواقم الطبية، من بينهم أطباء وممرضون واختصاصيون وفنيون ومسعفون، وكذلك أكثر من 315 معتقلاً منذ بدء العدوان، ويتوافد عشرات الجرحى في نفس الوقت على المستشفيات والمراكز الصحية القليلة، وهذا جانب من أسباب التراجع الكبير في تقديم الخدمة الطبية، ما يؤدي إلى فقدان العديد من الأرواح يومياً من جراء انهيار المنظومة الصحية، فضلاً عن كون تكدس النازحين في الخيام يؤدي إلى انتشار الأمراض".
يضيف الهمص: "تلقينا من دولة الكويت تبرعاً بثلاث سيارات إسعاف، لكن الاحتلال يواصل تدمير السيارات المتوفرة، وقد دمر الكثير منها بالفعل، وأكثر من 150 سيارة إسعاف مدمرة بالكامل حالياً، وهذه من أهم المشاكل التي تؤدي إلى انتظار الجرحى، وبالتالي فقدان بعضهم أرواحهم أثناء الانتظار. نواصل العمل في مستشفى غزة الأوروبي رغم أنه خارج عن الخدمة، لأننا لا يمكننا التخلي عن إنقاذ الحالات الصعبة، ومحافظة رفح بالكامل من دون مستشفى، ومدينة خانيونس حالياً على المحك، وهناك العديد من الشهداء الذين وصلوا إلينا محمولين على أيدي ذويهم".
يتابع: "هناك مشكلة أخرى لا نعرف كيف يمكننا تجاوزها، فالوقت الذي يحتاجه المصاب لإنقاذه قد يستغرق ثلاثة أو أربعة أضعاف الوقت الطبيعي، نظراً لكون المعدات والمستلزمات اللازمة غير متوفرة في المراكز الصحية والمستشفيات، وهذه المشكلة تتفاقم مع تصاعد الأحداث خلال الشهرين المنصرمين، إلى جانب أن سيارات الإسعاف والدفاع المدني معرضة دوماً للقصف الإسرائيلي، ويتكرر استهدافها أو إعاقة سيرها من خلال مطاردتها عبر طائرات الاستطلاع".