لا يزال المئات من جرحى النزاعات المسلحة في ليبيا يواجهون إهمال السلطات المختلفة المسيطرة على مناطق البلاد، رغم مرور أكثر من سنتين من الهدوء على جبهات النزاع، وبعض هؤلاء بُترت أعضاء من أجسادهم، أو باتوا من ذوي الإعاقة.
ونظم العشرات من مصابي الحروب عدة وقفات في مدينة بنغازي، منذ منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي، احتجاجاً على إزالة السلطات الأمنية أكشاكاً تجارية خاصة بهم، كانت تدرّ عليهم دخلاً مالياً في ظل عجزهم عن الالتحاق بالوظائف الحكومية، أو قدرتهم على إدارة مشاريع خاصة.
يؤكد حازم الشلوي، وهو أحد جرحى الحروب، أن السلطات في بنغازي لم تلق بالاً لمطالب الأهالي، ومن بينهم المعوقون، "فالمقار الأمنية تستمع للشكاوى، لكنها تطلب التوجه إلى وزارة الداخلية" التابعة لحكومة مجلس النواب، مضيفاً أن "الوزارة يمثلها أحد قادة القيادة العامة للجيش (مليشيا حفتر)، وهو من يشرف على حملة الإزالة، ويعرف ظروفنا جيداً لكنه لا يهتم بمطالبنا".
ويوضح الشلوي لـ"العربي الجديد" أن "الجهات الأمنية تبرّر الحملة بمداهمة أوكار الخمور والمخدرات. نتفهم أن تكون الأكشاك مخالفة للقانون، وأنها تزيد الإزعاج على الطرق العامة المزدحمة أصلاً، لكن أن تصنف السلطات مصادر دخل مصابي الحروب ضمن أوكار الممنوعات فهذه إساءة كبيرة. عانينا لسنوات طويلة من الإهمال بسبب تعقيد إجراءات السفر للعلاج، ومن نجحوا في الحصول على فرصة عاد أغلبهم من دون استكمال علاجه".
يتابع: "بسبب عدم لياقتنا الصحية تم تسريحنا، وتوقفت بذلك رواتبنا من دون إحالتنا إلى جهات أخرى تتكفل بمصاريف أسرنا، كالضمان الاجتماعي الذي لا يمنح هو الآخر لمن نجح في الوصول إليه إلا مساعدات شهرية ضعيفة".
تؤكد الأجهزة الأمنية في بنغازي أنّ إزالة الأكشاك العشوائية تستهدف مداهمة أوكار الخمور والمخدرات. لكن الحملة قوبلت بمعارضة كبيرة من المواطنين الذين اعتبروا أنها تفاقم البطالة، وتم تداول مقطع فيديو ظهر فيه عدد من مصابي الحروب، يطالبون بتعويضهم عن الأكشاك التي كانت مصدر رزق عائلاتهم.
بدورها، ألقت قرارات حكومة الوحدة الوطنية بشأن حل كافة اللجان المشكلة لمتابعة علاج الجرحى بالداخل والخارج بظلالها على مصابي الحروب الذين لا يزالون يتلقون العلاج. وحسب القرار، فإن تلك اللجان "أياً كانت جهة تشكيلها" تؤول مهامها "إلى جهاز الطب العسكري"، والذي لم يباشر مهام متابعة ملفات جرحى الحروب حتى الآن.
يقول الليبي خيري الطبال إن "السفارات الليبية بالخارج توقفت عن صرف المنح الخاصة بالعلاج، كما خاطبت المصحات الخاصة والعامة في العديد من البلدان بالتوقف عن متابعة العلاج مؤقتاً إلى حين انتهاء جهاز الطب العسكري من تدقيق ومراجعة الملفات"، ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "عدداً من المصحات في القاهرة أبلغتنا بضرورة دفع تكاليف العلاج، أو المغادرة. الأمر لا يقتصر على جرحى الحروب، بل على كافة المعالجين بالخارج، حتى أطفال الأورام، ومنهم طفلي، لكن الشريحة الأكثر تضرراً من القرار هي جرحى الحروب".
وكانت الحكومة في طرابلس قد تعهدت بالاهتمام بهذه الشريحة، وفي أغسطس/ آب 2021 فعّلت قانون العناية بذوي الإعاقة المستديمة من مصابي حرب التحرير، وشددت على ضرورة تنظيم ملف علاج الجرحى بالداخل والخارج.
ويؤكد الناشط الحقوقي عقيلة الأطرش أن السلطات الحكومية تعاني من العجز عن متابعة الملف بسبب تعقيده، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "القانون معني بمعوّقي الحرب على النظام السابق خلال عام 2011، لكن إدراج معوقي حروب السنوات التالية أمر حساس، خصوصاً الصراعات بين الأطراف المتنافسة على السلطة، ما يؤثر سلباً على أوضاع هذه الشريحة، فمن يعد مقاتلاً شرعياً عند طرف، يعد عدواً لدى الطرف الآخر".
وفي نهاية فبراير/ شباط الماضي افتتحت حكومة الوحدة الوطنية "المركز الوطني للأطراف الصناعية بمدينة مصراتة"، في محاولة لتوفير الاحتياجات الخاصة بمبتوري الأطراف من المشاركين السابقين في الحروب.