جرائم المستوطنين... سرقة المواشي لتفريغ التجمعات البدوية بالضفة الغربية

06 سبتمبر 2024
يعمد مستوطنون يهود وجنود في جيش الاحتلال إلى سرقة الماشية من الرعاة (ناصر اشتيه/ Getty)
+ الخط -

يعتاش المستوطنون في الضفة الغربية، بحماية من عناصر الشرطة الإسرائيلية، على سرقة مواشي التجمعات البدوية، في محاولة لإجبارها على الرحيل عن أرضها بعد خسارة مصادر رزقها

في الآونة الأخيرة، تصاعدت عمليات السرقة التي ينفذها المستوطنون على مواشي التجمعات البدوية في الضفة الغربية، وكان آخرَها اعتداؤهم على عائلة فلسطينية شرقي قرية عقربا جنوب شرق نابلس شمالي الضفة الغربية، وسرقوا حوالى 300 رأس من الماشية.
ويوضح المشرف العام لمنظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو، حسن مليحات، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "مستوطنين اعتدوا بالضرب المبرح على عائلة تسكن شرقي عقربا جنوب شرق نابلس، وسرقوا حوالى 300 رأس من الماشية، واعتُدي بالضرب المبرح على المواطن فؤاد غازي بني جامع، ما أدى إلى إصابته بجروح نُقل على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج". ويحذر مليحات من مغبة تمادي ارتكاب المستوطنين جرائم تستهدف المواطنين الفلسطينيين في حياتهم وممتلكاتهم.

محاولات يائسة لاستردادها

في 14 شهر أغسطس/ آب الماضي، استيقظ المزارع عودة كعابنة من تجمع رأس عين العوجا البدوي، شمال مدينة أريحا في الضفة الغربية المحتلة، على سرقة المستوطنين لكامل قطيعه من الأغنام، وهو يحاول يائساً العمل على استردادها، من خلال تقديمه شكاوى مختلفة لشرطة الاحتلال من دون جدوى. ويندرج الأمر في إطار سلسلة غير منتهية من الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون المقيمون في المستوطنات والبؤر في تلك المناطق بحق البدو الرحل والمزارعين على حد سواء، لدفعهم إلى ترك أراضيهم لقمة سائغة للتوسع الاستيطاني.
يقول كعابنة، لـ "العربي الجديد"، إنه استنفد كل السبل لإعادة كل ما يملكه من أغنام يقدر عددها بنحو 200 رأس، أقدم مستوطنون على سرقتها نهاراً، بعدما اقتحموا التجمع مع ساعات الصباح الباكر، ودخلوا الحظيرة وقادوا الأغنام إلى البؤرة القريبة منه، مستغلين غياب الرجال عن المكان، الذين يذهبون يومياً إلى أقرب بلدة فلسطينية مأهولة لشراء الأعلاف والطعام وحاجيات أخرى. 
وفور عودته، توجه الرجل إلى البؤرة حاملاً روحه على كفه، وكاد يحتك بحارسها الذي هدده بالقتل إن أصر على البقاء في المكان، ثم ذهب إلى مركز شرطة تابع للاحتلال، لكن عناصره رفضوا استقباله بحجة عدم مسؤوليتهم. ثم ذهب إلى مركز شرطة إسرائيلي قريب من مدينة رام الله وغيره من مراكز الشرطة لتقديم إفادته، لكن دون أي اهتمام يذكر.

يقول كعابنة: "سرقوا الأرض. ليس غريباً عليهم أن يسرقوا الأغنام. ما كان هؤلاء المجرمون ليقدموا على فعلتهم لولا الدعم من شرطة الاحتلال الإسرائيلي وجيشه. اليوم، لا يتحرك المستوطنون إلا بحماية وتنسيق كامل مع الجيش".

اعتداءات وسرقة

قبل إجبار أهلها على إخلائها، كان المستوطنون قد هاجموا الشهر الماضي خربة "أم الجمّال" في الأغوار الشمالية الفلسطينية في الضفة الغربية، وسرقوا قطيع أغنام لأحد المواطنين في أثناء رعيه في منطقة مجاورة.
صاحب القطيع عبد الجليل إرحيل يقول لـ "العربي الجديد"، إنه كان يرعى أغنامه على سفح قريب، عندما اقتربت منه مجموعة من المستوطنين كانوا ملثمين، وأحدهم يحمل مسدساً وآخر يحمل قضيباً حديدياً، فهاجموه وضربوه، ثم ساقوا الأغنام معهم من حيث أتوا. ويؤكد أنه "لا يمكن لشخص أعزل مثلي أن يواجه عصابة مسلحة. تحدثت معهم بالعبرية، فقالوا لي إن هذه الأرض وما عليها لهم. قلت لهم إن هذه سرقة، فقالوا لي إنهم لا يعتبرونها كذلك، بل استرداد لحقهم المسلوب"، وفق ادعائهم.
وما حصل في خربة أم الجمال ليس بحدث منفرد، فهي واحد من 27 تجمّعاً بدوياً هجرت منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، بينها 10 في الأغوار الفلسطينية حسب الأرقام الموثقة لدى مديرية النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، وذلك عندما سلطت الحكومة الإسرائيلية عصابات الاستيطان على هذه المنطقة لتنفيذ خطط وضعت قبل عشرات السنين لإفراغ الأغوار من الوجود الفلسطيني.

خلال تفكيك شرطة الاحتلال خيام للتجمعات البدوية (جعفر اشتيه/ فرانس برس)
خلال تفكيك شرطة الاحتلال خيام للتجمعات البدوية (جعفر اشتيه/ فرانس برس)

فتوى سرقة العرب

يعلق الناشط في مقاومة الاستيطان، أيمن غريب، على ما يحدث بالقول: "أفتى حاخام مدينة صفد شموئيل إلياهو قبل سنوات عدّة بجواز سرقة العرب لأنّهم لصوص، علماً أنّ إلياهو عضو في مجلس الحاخامية الكبرى التي تمثّل المؤسسة الدينية الرسمية الإسرائيلية، ويُعَدّ أهمّ المرجعيات الدينية التي تحظى باحترام في المستوطنات اليهودية، إضافة إلى كونه والد وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، القيادي في حركة القوة اليهودية التي يتزعمها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. وسبق له أن دعا إلى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وذلك في إطار العدوان المتواصل على القطاع المحاصر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023".

سرقة مدروسة

ويوضح غريب أن عمليات السرقة باتت تتعاظم أخيراً، ولم تقتصر على منطقة بعينها، بل في مناطق الضفة الغربية كافة، وخصوصاً الرعوية، مثل الأغوار وبادية الخليل وبيت لحم، لافتاً إلى أنه لا توجد أرقام دقيقة أو إحصائية لأعداد المواشي المسروقة، لكنها تقدر بالآلاف، لأن أقل قطيع يضمّ ما لا يقل عن 100 رأس من الغنم.
ويشير غريب إلى أن عمليات السرقة تحصل بشكل مدروس من خلال الإفادات التي تجمع من الرعاة، وغالباً ما يُختار الرعاة الموجودون في مناطق بعيدة عن التجمعات البدوية، إذ يُراقَبون ثم يُشَنُّ الهجوم عليهم بشكل جماعي. لكنه يستدرك قائلاً: "وصل المستوطنون من الوقاحة أن يداهموا حتى التجمعات في ظل غياب الرجال عنها وسرقتها، كما فعلوا في تجمع عين العوجا". 

الاستعادة في مقابل مادي

المفارقة أيضاً أنه في حال موافقة شرطة الاحتلال على إعادة القطيع الذي يُسرَق، يجب على صاحبه دفع غرامة مالية باهظة، قد تكون قيمتها في بعض الأحيان أعلى من سعر القطيع بأكمله. وبالفعل، أجبر المزارع قدري دراغمة من منطقة الفارسية في الأغوار على دفع أكثر من 15 ألف دولار لاسترداد عشرين بقرة سرقها المستوطنون، بالإضافة إلى مبلغ 15 دولاراً يومياً بدل طعام لكل رأس.
ويقول دراغمة لـ "العربي الجديد": "استيقظنا على أصوات في الحظيرة، فإذا بهم مجموعة من المستوطنين، وبعد جدال، استولوا على 20 رأساً من الأبقار نُقلت إلى مجلس المستوطنة. وعند المطالبة بها، طلب منا نحو 15 ألف دولار غرامة، فدفعتها مجبراً لأن الأبقار مصدر رزقنا الوحيد. وبعد أيام صودر 100 رأس من الأبقار خلال الرعي. ومن أجل استردادها، طالبونا بـ 35 ألف دولار غرامة أيضاً، إلا أنّ هذا ليس بمقدوري مطلقاً".
وكانت صحيفة هآرتس الإسرائيلية قد نشرت أخيراً تحقيقاً موسعاً يؤكد أنّ مستوطنين يهوداً وجنوداً في جيش الاحتلال يعمدون إلى سرقة الماشية من المزارعين والرعاة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. وبيّنت أنّ المستوطنين والجنود لا يتردّدون في الاعتداء على الرعاة في أثناء عملية السطو، مشيرة إلى أنّ الشهادات التي جمعتها من المزارعين والرعاة الفلسطينيين تبيّن أنّ القاسم المشترك بين المستوطنين وجنود الاحتلال الذين يشاركون في سرقة الماشية في الضفة الغربية المحتلة أنّهم جميعاً متديّنون، إذ يرتدون اللباس الذي يميّز عناصر التيار الديني الحردلي المتطرّف. 
وتشير الصحيفة إلى أنّ المستوطنين اللصوص ينطلقون من نقاط استيطانية يقيم فيها يهود يعملون في مجال رعي الأغنام على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد أعادت الصحيفة إلى الأذهان واقع أنّ هذه النقاط التي تحظى بحراسة جيش الاحتلال، أُنشئت من دون تراخيص من الحكومة أو سلطات الاحتلال العسكرية. ولم تُخفِ "هآرتس" أنّ المستوطنين لا يتردّدون في إطلاق النار المباشر في أثناء عمليات التخريب والسطو التي ينفّذونها.

المساهمون