تواجه السلطات الإيطالية شكلاً جديداً من الأعمال الإجرامية لعصابات المافيا الأكثر تغلغلاً في المجتمع. فبعدما توسعت أعمال هذه العصابات إلى الاتجار بالبشر وتشغيل مهاجرين سرّيين في مزارع الطماطم، انتقلت إلى مجال السيطرة على سوق تزوير المواد الغذائية، وبينها تلك المصدّرة إلى الخارج، من أجل تحقيق المكاسب المادية الأكبر حجماً من واقع كون السلع التي تحمل علامة "صنع في إيطاليا" الأكثر رواجاً في أوروبا.
وخلال الأسابيع الأخيرة، كثفت أجهزة الشرطة والجمارك ومصلحة الضريبة في روما حملاتها لمواجهة الظاهرة، التي باتت تؤذي صحة المواطنين عبر خداعهم بمواصفات علامة "صنع في إيطاليا"، والذي كان يشمل الأحذية والحقائب والساعات والملابس ومنتجات أخرى في السابق.
وتؤكد السلطات والأجهزة اتساع نطاق التزييف في سوق السلع الغذائية الذي يسيء إلى البلد وسمعة إنتاجه الوطني. وتقدر حجم هذه التجارة غير الشرعية بنحو 100 مليار يورو خلال السنوات العشر الأخيرة التي شهدت تزايد تزوير المنتجات وتقليدها، وبينها زيت الزيتون البكر الذي يعتبر المنتج الأكثر استيراداً من إيطاليا في أنحاء أوروبا.
وتستخدم العصابات، التي تقلّد منتج زيت الزيتون البكر في مصانع خاصة، زيت عباد الشمس ومواد كيميائية تمنح الطعم الأصلي والألوان المماثلة كي تغش المستهلك الأوروبي. وتتعمد تغليف هذا المنتج بطريقة جذابة ووضع ملصق يؤكد للمستهلك أنه يتضمن زيت زيتون فاخراً ومعصوراً على البارد، وأحياناً مواد تدرجها ضمن قائمة الأطعمة العضوية الخالية من المواد الكيميائية، والتي تزيد التأثيرات الإيجابية لمضادات الأكسدة في المنتجات الغذائية تمهيداً لتعزيز الوقاية من الإصابة بأمراض القلب والسرطان والشيخوخة المبكرة.
وتفيد تقارير لوسائل إعلام وبيانات تصدرها جمعية حماية المستهلك في إيطاليا بأن علامة "صنع في إيطاليا"، التي تحملها أيضاً منتجات مصنّفة بأنها فاخرة وتباع بأسعار مرتفعة جداً، يستخدمها نحو 7 آلاف مصنع ومطعم تعرف بأنها متخصصة في توفير سلع ذات مواصفات ترتبط بتقاليد في الإنتاج جعلت الإقبال عليها كبيراً جداً. وقد أوقف جهاز الشرطة الصحية في مدينة ميلانو (شمال)، خلال الأعوام القليلة الماضية، حوالى 3 آلاف شخص يعملون في تزييف المواد الغذائية. لكن الجهود التي تبذلها الشرطة لا تمنع استمرار التزييف في أنحاء البلد.
وتخشى روما من الأضرار الكبيرة التي تلحقها عمليات الاحتيال بالمنتجات، خصوصاً تلك المرتبطة بالمطبخ الإيطالي الشهير، بتأثير توسيع عمليات تقليد السلع الغذائية المصدرّة إلى أنحاء مختلفة من أوروبا. وتعتبر الخسائر المحلية كبيرة من عمليات الغش الواسعة، فإلى جانب هدر مليارات من عائدات خزينة الدولة، يشير رئيس جهاز الشرطة الصحية في ميلانو، سالفاتور بيغناتيلي، إلى أن 300 ألف وظيفة فقدت بسبب تقليد المنتجات وهيمنة المافيا عليها.
وخلال فترة جائحة كورونا، زادت عمليات استيراد الأدوية ومواد تجميل البشرة المزورة التي تحمل علامة "صنع في إيطاليا"، في حين أن مصدرها الفعلي هو الصين. وضبطت السلطات، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شحنات استوردها مواطنون صينيون بالتنسيق مع عناصر من المافيا لترويجها في روما، وعلّقت أجهزتها بأن الشحنات المزيفة المضبوطة تشكل تطوراً خطراً في عمليات تقليد الأدوية والمواد الصحية.
ولا تواجه روما فقط عمليات غش منتجات الأغذية الإيطالية ذات الشهرة الكبيرة في الداخل، إذ يمتد تقليدها إلى دول أخرى. وكشفت جمعية المستهلك عن قيام أشخاص في ليتوانيا، إحدى دول البلطيق، بتزوير منتج جبنة "الموزاريلا"، ونشر إعلانات محلية عن حملها علامة "صنع في إيطاليا". ونصحت السلطات الصحية في إيطاليا المستهلكين بالانتباه إلى فارق الأسعار، باعتباره إحدى وسائل تفريق المنتج الأصلي عن المقلّد الأقل ثمناً بالتأكيد، سواء محلياً أو في أوروبا، خصوصاً زيت الزيتون البكر، وعلب الطماطم من ماركة "سان مارزانو" الشهيرة، وأجبان "البارميزان" و"الموزاريلا" و"البيستو".