عادت قضية الحجاب إلى الواجهة في إيران، مع إطلاق حملات تدعم ارتدائه وأخرى ترفض الإجراء، فيما استأنفت شرطة الآداب والأخلاق دورياتها في الشوارع للتصدي للمظاهر التي تصنفها السلطات بأنها "غير إسلامية"، ونظمت حملات إعلامية رسمية لمكافحة هذه المظاهر.
وردّت إيرانيات يرفضن "الحجاب الإجباري" بإطلاق حملة لخلع الحجاب (غطاء الرأس) في اليوم الوطني للحجاب والعفة الذي صادف في الـ12 من شهر يوليو/ تموز الجاري. وصورّت بعضهن أشرطة فيديو لنزعهن أغطية رؤوسهن، ونشرنها على شبكات التواصل الاجتماعي في الداخل، وقنوات تابعة للمعارضة الإيرانية في الخارج.
في المقابل، نظمت إيرانيات يؤيدن الحجاب مسيرات لدعم القرار في مدن عدة، فيما شككت وسائل إعلام محافظة بتصوير كل الفيديوهات التي نشرت لحالات خلع الحجاب داخل إيران، في إطار حملة "لا للحجاب الإجباري". وانتشرت أنباء عن مطالبة مسؤولين محليين بمنع مواصلة الموظفات غير الملتزمات بالحجاب الإسلامي الكامل العمل في المؤسسات الرسمية، وحرمانهن من استخدام الخدمات العامة، مثل المترو.
وتؤيد الثلاثينية آزيتا التي تسكن في طهران حملة خلع غطاء الرأس، وتقول لـ"العربي الجديد": "تملك المرأة حق اختيار لباسها، ويجب أن تكون حرة في فعل ذلك. أكره فرض أي شيء على أي شخص بمعزل عن إرادته ورغبته. والدعوات التي تطلق ليست للتعرية، بل لخلع غطاء الرأس". وتسأل: "لماذا عادت دوريات شرطة الآداب إلى الشوارع؟ هل حلّت كلّ مشاكلنا، باستثناء شكل حجاب المرأة فقط؟ تلبس أمي الحجاب وتغطي رأسها بالكامل، لكنّني أريد أن أعيش على طريقتي، فقناعاتي مختلفة".
من جهتها، ترفض مريم التي ترتدي العباءة الكاملة السوداء (تشادور) والتي تسكن في كرنيش كشاورز وسط العاصمة طهران، "تسييس الحجاب"، وتعتبر أن "الأفعال وردود الفعل على موضوع ارتداء الحجاب لا تخدم الشأن الإسلامي، والمسألة خرجت من كونها أمرا دينيا إلى أمر سياسي وإعلامي".
تضيف في حديثها لـ"العربي الجديد" أن "قنوات خارجية تحرّض الإيرانيات على خلع الحجاب كوسيلة لمعارضة النظام الحاكم، لكنها تجهل أو تتجاهل حقيقة أن هذا الأمر يضع الشعب في مواجهة بعضه بعضاً". وتشير إلى حصول اشتباكات بين محجبات وغير محجبات في أماكن عامة خلال الفترة الأخيرة، والتي نقلتها فيديوهات على شبكات التواصل. وتعزو ذلك "إلى خروج ارتداء الحجاب من مضمونه الأساس كأمر ديني، فهو قناعة بالدرجة الأولى ولا يفرض بالقوة، كما لا يمكن خلعه بالقوة، وبحملات إعلامية وسياسية".
بعد الثورة الإسلامية عام 1979، ألزمت الإيرانيات بارتداء الحجاب الشرعي المعروف خارج البيوت. وتنص المادة رقم 638 في قانون العقوبات الإسلامية على أن عقوبة عدم ارتداء الحجاب الشرعي تتراوح بين دفع غرامة مالية مقدارها 20 دولاراً، والسجن بين 10 أيام وشهرين، وتلقي 74 جلدة. لكن هذا القانون لا يطبق على أرض الواقع في حق النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب الإسلامي (تغطية الرأس بالكامل مع ارتداء زي يغطي الجسم كله)، إلا على من يتخطين ضوابط ارتداء الحجاب العرفي المألوف في إيران، والذي تقبله السلطات، ويشمل تغطية الرأس بشكل غير كامل، وإظهار جزء من شعر الرأس.
وانتشرت خلال الفترة الأخيرة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر تعنيف شرطة الأمن الأخلاقي إيرانيات غير محجبات، منها مقطع مصور انتشر قبل أيام أظهر امرأة تصرخ أمام دورية مرددة بأن ابنتها مريضة لمحاولة منع اعتقالها، ما أحدث ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي. ثم أعلنت الشرطة أن هذا التصرف خرج عن الضوابط، وأنه جرت معاقبة مسؤول الوحدة الأمنية على هذا الفعل.
وفيما تداولت شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو عن حصول تلاسن وصل إلى اشتباك أحياناً بين محجبات وغير محجبات في باصات وقطارات المترو، تؤيد رقية عمل المحجبات اللواتي يأمرن بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقول لـ"العربي الجديد": "الحجاب واجب ديني وقانوني ومحاولة خلعه تنتهك القانون، ويجب التصدي لها. والنساء المعنيات بحملة لا للحجاب الإجباري على علاقة بأعداء الدين والجمهورية الإسلامية، وهن يهدفن إلى تغيير الثقافة الدينية للشعب وقناعاته الإسلامية". ودافعت عن وجود دوريات شرطة الآداب في الشوارع من أجل التصدي لـ"المظاهر غير الإسلامية"، وأيدت معالجة الأخطاء التي ترتكبها هذه الدوريات أحياناً خلال تطبيق القانون.
أما الطالبة العشرينية فرشته فتبدي رأياً مختلفاً، وتقول من أمام جامعة طهران لـ"العربي الجديد": "تجربة تسيير دوريات شرطة الآداب في العقود الأخيرة لم تكن جيدة، وجلبت نتائج عكسية. واعتقد بأنّه يجب إنهاء الجدل القديم الحديث حول موضوع الحجاب، والذي يختفي ويظهر مجدداً مع تجميد هذه الدوريات وعودتها إلى الشوارع".
من جهتها، قللت وسائل إعلام إيرانية رسمية وشبه رسمية من أهمية حملة "لا للحجاب". وكتبت وكالة نور نيوز المقربة من مجلس الأمن القومي الإيراني أنّ "البيانات تشير إلى استخدام وسم لا للحجاب قليل، ولم يتجاوز 6 آلاف". واتهمت الوكالة معارضي الثورة في الخارج بإطلاق الحملة "فعدد كبير من الحسابات التي تروّج هذا الوسم مزورة، وبلا أصحاب".
وحذر وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني، محمد مهدي إسماعيلي، من حصول انقسام في المجتمع حول الحجاب، واتهم "العدو بالسعي إلى خلق هذ الانقسام"، فيما دعا مسؤولون إيرانيون سابقون إلى تغيير أسلوب التعامل مع مسألة ارتداء الحجاب في إيران، وشددوا على أن أمر ارتداء الحجاب ثقافي، ويجب أن يعالج ثقافياً، وليس من خلال أسلوب أمني يترافق مع التحذير من فرض عقوبات.