جاد شعبان:غياب الموازنة في لبنان مرتبط بالفضائح المالية

11 اغسطس 2016
لا يمكن الاعتماد على السلطة الحالية لخلق النمو(حسين بيضون)
+ الخط -
يؤكد الخبير الاقتصادي اللبناني الدكتور جاد شعبان في مقابلة مع "العربي الجديد" أن الاقتصاد اللبناني يعيش في أزمة كبيرة، ويقول إن الموازنة مغيّبة لأسباب مرتبطة بالفساد والفضائح المالية ومحاصصات السلطة السياسية. ويشرح عن إخفاء المعلومات وتغييب الرقابة والمحاسبة...
وهنا نص المقابلة:


1-يعاني لبنان من غياب الموازنة منذ 11 عاماً، كيف يمكن تفسير الإنفاق بلا أي خطط؟ وكيف ينعكس ذلك على الاقتصاد اللبناني؟

لبنان بلا موازنة منذ العام 2006، كما أننا بلا خطط إنفاق حتى في السنوات التي أعدت فيها الموازنة ونُشرت قبل العام 2005 وذلك بسبب سيطرة طغمة مالية على البلاد، والاتفاق فيما بين أركان النظام على المحاصصة.

وقد وصل التمادي بين الأطراف الحاكمة إلى عدم نشر الموازنة أمام الرأي العام. وبعد العام 2005 تعرضت الموازنة إلى عملية تعتيم كامل بما خص الإنفاق وذلك بسبب تكاثر الفضائح المالية.


2-من يستفيد برأيك من تغييب الموازنة؟ وكيف تتم الاستفادة؟

عندما تغيب الأرقام المالية تضيع الرقابة وكذا المحاسبة، وذلك يسهم في عملية الاستفادة الشخصية للأفراد والقوى الحاكمة من خلال الصفقات التي تتم فيما بينها.

وغياب الموازنة ليس وليد صدفة، وإنما جاء وفق قرار سياسي من قبل أعضاء السلطة في لبنان، بما يسهل تقاسم الغنائم داخل الدولة والتعتيم على الدخل الريعي والتوزيعات النفعية على شبكات المحاسيب التابعة للأحزاب المسيطرة على السلطة.


3-ما هو تقييمك للخدمات العامة اللبنانية من كهرباء ومياه واتصالات؟ وهل وصلت الخدمة العامة إلى الحضيض أم يمكن استنهاضها؟

هناك تدهور شامل للخدمات ما عدا الخدمة الأمنية. وهنا الكلام عن القطاعات العسكرية، فالجيش مثلاً متماسك بالرغم من الفروقات الكبيرة في نوعية الخدمات وحجمها ما بين الضباط والعناصر. والقطاع المالي العام ما زال متماسكاً ولو بكلفة مرتفعة وبتدخل كبير من مصرف لبنان في الاقتصاد.

وبعيداً عن القطاعين الأمني والمالي، الوضع العام للخدمات يشهد تدهوراً مستمراً، والإنفاق متوقف حتى على مشاريع الصيانة. فكل الخدمات والاستثمارات العامة التطويرية في قطاعات المياه والكهرباء والطرقات والأنفاق والبنية التحتية، متوقفة. وفوق الفواتير الباهظة جداً لخدمات الاتصالات والإنترنت نتلقى خدمة ذات جودة رديئة.

4-كيف يؤثر النظام الطائفي على الاقتصاد اللبناني وعلى الإنفاق العام والخاص؟

منذ تأسيس الدولة اللبنانية هناك أعراف متبعة تعتمد المناصفة والتوزيع الطائفي في كل ما يتعلق بالمنظومة الاقتصادية والتوظيفية وغيره، وهذه الأعراف رسخت بعد الحرب الأهلية. والنظام الطائفي يرفع كثيراً من حجم الإنفاق مثلاً على رواتب موظفين لا يتمتعون بالكفاءة والخبرة، وذلك ينطبق على الإنماء في المناطق، فكل مشروع يخضع للتحاصص.

مشكلة النظام اللبناني أنه يتلطى خلف الطائفية لإخفاء الفساد والمحسوبية. والوحيد المستفيد من النظام الطائفي هم الزعماء والمستزلمون من حولهم، أما المواطن خارج دائرة الأحزاب والزعامات، فهو الخاسر دائماً.


5-كيف يمكن توصيف المنظومة الاقتصادية اللبنانية في ظل استبعادها للقطاعات الإنتاجية في خلق عملية النمو والتنمية؟

أي نوع من الإنتاج الاقتصادي يخلق وعياً شعبياً، مثلاً إذا كانت المعامل والمصانع حاضرة سوف تنتج فئة من العمال متكاتفة حول مصالحها وتطالب بحقوقها وذلك يخلق حالة من التوازن مع السلطة الحاكمة. وقد شهد لبنان الكثير من الحركات النقابية العمالية في الماضي وكانت مؤثرة وفاعلة.

ولذلك تمت محاربة كل الأشكال المنظمة للإنتاج وتم استبدال هذا النوع من العمل بشركات ذات نوع مختلف، من شركات مالية وأمن ومواقف سيارات وغيره، هذا النوع من العمل يحاكي نظامنا وبالتالي لا توجد تكتلات ضاغطة تفرض قوانين تحمي المستهلك وتحمي قطاعات الإنتاج وحقوق العمال وتقف في وجه الاحتكارات. هو نظام يستفيد منه البعض على حساب الأكثرية. والخلاصة أن الذي يجري مقصود من خلال السيطرة على القطاعات الاقتصادية.


6-هل لبنان محكوم من المصارف بفعل استدانة الدولة من هذا القطاع؟ وما هو عدد الأسر التي تسيطر على القطاع المصرفي حالياً؟

حصة المصارف من الدين العام اللبناني كبيرة جداً، وذلك يجعلها لاعباً أساسياً في إدارة القطاع العام من الإنفاق إلى الاستدانة. وفي لبنان يوجد ثماني عائلات تسيطر على 30% من موجودات القطاع المصرفي، وهذه العائلات هي: الحريري، القصار، الصحناوي، روفايل، عساف، حبيب، خير الدين، الهراوي. أغلبهم كانوا إما وزراء أو نوابا أو أبناء مسؤولين في الدولة.

وهناك العديد من الوزراء والنواب السابقين كانوا في مجالس إدارة للمصارف. وهذا الأمر غير منطقي بتاتاً، والسؤال هل ولاء هؤلاء الوزراء لوظائفهم أم للحكومة. كما أن القوانين المنصوصة تسمح بالتهرب الضريبي من خلال الشركات فنقل الأموال يتم عبر الشركات بضرائب مخفضة وشبه معفية من الضرائب وليس عبر الأفراد، وهذا يعتبر تهرباً ضريبياً مقونناً.

7-كيف يستمر المجتمع اللبناني بالصمود برأيك في ظل الأزمة الاقتصادية الدائرة في البلد؟ وهل تحويلات المغتربين هي دعامة للاقتصاد أم هي هدّامة لأي نوع من التغيير؟

العديد من العوامل تمنع المواطن من التحرك، أحدها التحويلات الخارجية، أيضاً الجمعيات التي تؤمن الإعانات للأسر، وهناك السوق السوداء والعمل في الممنوعات والتهريب، بالإضافة إلى ذلك هناك المساعدات الخارجية، كما أن النظام العائلي يؤمن شبكة حماية اجتماعية من خلال تقاسم الأكلاف والتشارك في السكن. هذه الأمور وسواها تضمن الاستمرارية والعيش بالرغم من كل المصاعب.


8-هل يمكن الخروج من دوامة الأزمات الاقتصادية في ظل توارث الأحزاب والمليشيات للسلطة منذ ما بعد الحرب والاستمرار بنفس العقلية الإدارية للبلد؟

السيطرة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية مرتبطة بالسيطرة السياسية، وجميعنا يعلم لو أن النظام النسبي طُبّق في الانتخابات البلدية مثلاً، لكانت النتائج مختلفة. وعدم تطبيق النسبية وتصويت المغتربين وكافة الشوائب التي تحيط العملية الانتخابية تؤكد أن هذه السلطة تجدد لنفسها من خلال قوانين انتخابية على مقاسها.


9-هل تعتقد أن النفط اللبناني سيتعرض للمحاصصة؟ وكيف يمكن للناس الحفاظ على حقهم من هذا المورد الطبيعي؟

موضوع محاصصة الثروة النفطية سيكون خارج التشكيك، كما أن الثقة مفقودة بالطبقة السياسية للقيام بأي مشروع اقتصادي في البلد في حال استخراج النفط.


10-ما هي أبرز الإجراءات التي يجب اتخاذها لكي يعود الاقتصاد اللبناني إلى سكة النمو؟

الطريقة الوحيدة لخرق النظام الحاكم وتغييره هي الاعتماد على الناس وتشكّل وعيهم القائم على إعلاء مصالحهم والإيمان بتغيير واقعهم ومستقبلهم، وذلك من خلال المبادرات الشعبية والمدنية كالتي حصلت في الحراكات الشعبية والبيئية. إذ أصبح من المؤكد أنه لا يمكن الاعتماد على السلطة القائمة في التغيير والنمو وبناء الدولة، كما أن السلطة متوافقة على مواجهة أي نوع من التغيير.

المساهمون