استمع إلى الملخص
- **تحديات العمل والمخاطر:** يواجه العاملون في جمع القبار تحديات مثل البيئة القاسية والأشواك، بالإضافة إلى مخاطر لدغات الأفاعي وضربات الشمس، مما يعرضهم لإصابات وجروح.
- **الفوائد الصحية لنبتة القبار:** تتمتع نبتة القبار بفوائد صحية عديدة، مثل تنشيط الكبد والطحال وتحسين الدورة الدموية، وتُستخدم في صناعة الأدوية والمخللات، مما يجعلها مصدراً مهماً للدخل للعائلات النازحة.
تعمل عائلات في إدلب شمال غربي سورية في جمع ثمار نبتة القبار المعروفة محلياً أيضاً باسم "الشفلح" من الأراضي الزراعية والجبال، وتتخذه مصدر دخل لها طوال فصلي الربيع والصيف. ويشارك في العمل معظم أفراد الأسرة باعتبار أن المدارس تغلق أبوابها في الصيف تحديداً، وذلك لتأمين مصدر رزق، ثم يشتري تجار ما يجمعه العاملون لتصديره إلى أوروبا والخليج العربي، حيث يُستخدم في صناعة الأدوية والمخللات.
تقول النازحة عبير الضاهر (45 عاماً) التي تقيم في مخيم التح شمال إدلب، وتتوجه كل صباح إلى الأراضي الزراعية القريبة من المخيم من أجل جمع أزهار نبات القبار، لـ"العربي الجديد": "وجدت نفسي مضطرة إلى العمل في بيئة قاسية وأعمال لم أعتد عليها سابقاً لمساعدة زوجي في تأمين مصاريف الحياة، وتحسين الوضع المعيشي لأسرتي بعدما نزحنا من بلدتنا وفقدنا أرضنا الزراعية التي كانت تشكل مصدر رزقنا" .
وتلفت إلى أنها تستعين بأولادها الذين اعتادوا مرافقتها، وتحمّل عناء القطاف كل يوم. وتؤكد أنها تؤمن عبر عائدات عملهم تكاليف مؤونة الشتاء، وتشتري احتياجات لعائلتها. وتذكر أن "فترة إزهار القبار نحو ستة أشهر، بدءاً من مايو/ أيار، إذ نخرج يومياً منذ الصباح الباكر، ونستريح في أوج الحر عند الظهيرة، ثم نعود إلى العمل في المساء حتى غياب الشمس، ونبيع ما نجمعه للتجار الذين يشترون كميات كبيرة ويخزنونها ويحفظونها بطريقة التخليل بالماء والملح تمهيداً لتصديرها إلى خارج البلاد" .
وبدوره يعمل الطفل سامر جبور (13 عاماً)، النازح من مدينة سراقب الى مخيم حربنوش شمالي إدلب، مع أخويه في قطف القبار طوال فصل الصيف، ويتحدث عن عمله بالقول لـ"العربي الجديد": "نحن مضطرون إلى العمل من أجل الإنفاق على أنفسنا بعد وفاة والدي منذ ثلاث سنوات جراء مرض أصابه".
ويشير إلى أن "العمل لا يخلو من مخاطر حيث نعاني الأشواك الكثيرة للنبات التي تصيب أيدينا بجروح وتقرحات. وتعرّض أخي منذ نحو شهر للدغة أفعى كانت مختبئة بين أغصان شجيرة القبار التي أقطف منها، وجرى إسعافه إلى أقرب نقطة طبية. وبقي طريح الفراش أكثر من 10 أيام قبل أن يستعيد صحته ويعود إلى عمله".
أما الطفل جاسم العبد الله (10 أعوام) النازح من قرية كفرومة بريف إدلب الجنوبي إلى مخيم قرب مدينة حارم شمالي إدلب، فتعرض لضربة شمس خلال عمله في قطف ثمار القبار. وتقول والدته جميلة الرسلان (42 عاماً) لـ"العربي الجديد": "أستغل أي فرصة عمل تجعلني أكسب لقمة العيش بعد اعتقال زوجي من قبل النظام السوري قبل نحو 5 سنوات، وأعمل مع ولدي في جمع القبار طوال فصل الصيف، وأعتمد على مردوده في تأمين المصروف اليومي لأولادي الأربعة".
وتذكر أن ولدها تعرض لضربة شمس، وساءت حالته الصحية أثناء العمل، و"السبب هو الخروج في الصباح إلى الحقول والبساتين وأماكن نمو النبات، وعدم العودة إلى المخيم حتى غروب الشمس".
وتوضح أنها تجمع نحو 3 كيلوغرامات من ثمار القبار يومياً، وتبيع كل كيلوغرام بنحو دولار واحد، و"هذا مبلغ ضئيل مقارنة بالصعوبات التي أواجهها أثناء جمعه القبار وقطفه، والمسافة البعيدة التي تقطعها كل يوم لتصل إلى مكان انتشاره".
من جهته، يقول المتخصص في طب الأعشاب عبد الحميد الموسى (50 عاماً) لـ"العربي الجديد": القبار أو ما يعرف بالشفلح نبتة برية صغيرة تقاوم الجفاف، وتغطي الأشواك القاسية أغصانها، وتعيش في المناطق الصحراوية والجبلية، وتعطي أزهاراً وردية بيضاء كبيرة. أما ثمارها فهي عنبية ذات لون أخضر تنضج في فصل الصيف، وتباع إلى أوروبا عن طريق تركيا كي تستخدم في صنع أدوية وبهارات للمقبلات الغذائية والمخللات، كما تدخل في صناعة مستحضرات التجميل".
يضيف: "عشبة القبار ذات نكهة لاذعة وتتمتع بفوائد صحية عدة، إذ تستخدم على نطاق واسع لتنشيط وظيفة الكبد والطحال، وتحسين الدورة الدموية. وهي تفيد في علاج مرض تصلّب الشرايين والهضم والتخلص من مفرزات القصبات الرئوية، كما تفيد في علاج حالات فقر الدم".
ويعاني الأهالي في شمال غربي سورية أوضاعاً معيشية صعبة من ارتفاع الأسعار وقلّة فرص العمل وتردي الخدمات العامة، ويحذر فريق "منسقو استجابة سوريا" من ارتفاع معدل البطالة بنسب ملحوظة وانعكاساته السلبية على الشمال "حيث يعاني البطالة نسبة 89.92% من السكان النازحين الذكور، و96.77% من السكان النازحين الإناث ".
ويشكل قطف أزهار القبار فرص عمل لعائلات نازحة كثيرة في إدلب، ومصدر كسب لنساء معيلات يساعدهُنَّ على تأمين قوتِ أبنائهن، وتخفيف بعض الأعباء الملقاة على عاتقهنَّ. وفي موعد القطاف تبدأ رحلتهم مع التعب والشقاء وتحمّل أشعة الشمس الحارقة بحثاً عن الأزهار من أجل جمعها وبيعها بعدما غدت مصدراً للدخل وكنزاً موسمياً لمن ضاقت بهم سبل العيش.