أظهرت نتائج مسح جديد أجراه البنك الدولي والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، اليوم الأربعاء، أن أكثر من نصف المجتمع الفلسطيني مصاب بالاكتئاب، بواقع 71% من سكان قطاع غزة، و50% بالضفة، و58% ممن هم فوق الـ 18 عاماً.
ووفقاً للمسح الذي أجري خلال عام 2022 لفحص ظروف الصحة النفسية في فلسطين وشمل أكثر من 6140 أسرة فلسطينية بشكل كامل، وأكثر من 5876 بشكل فردي، فإن 7% من الفلسطينيين أصيبوا بالاضطراب ما بعد الصدمة.
وحلّت غزة في المرتبة الأولى فيما يتعلق بالصدمة النفسية والاكتئاب، نتيجة لتلاحق الحروب الإسرائيلية عليها وجولات التصعيد المتكررة، إلى جانب تداعيات الحصار المتواصل للعام السابع عشر على التوالي دون أفق لانتهائه.
وبحسب المسح الذي أجراه البنك الدولي والجهاز المركزي للإحصاء، فقد بلغت نسبة من هم على مستوى خط الفقر المدقع 50%، ومن هم دون ذلك 70%، عدا عن الذين يعملون ساعات أكثر، فهم معرضون لاضطرابات الصحة النفسية الشائعة والتي لها علاقة طردية بالفقر المدقع.
ولا يعد هذا هو المسح الأول الذي يظهر تدهور الحالة النفسية لسكان القطاع بشكلٍ خاص والفلسطينيين بشكل عام، إذ سبق ذلك تقرير أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة في أغسطس/ آب 2022 عقب انتهاء التصعيد الإسرائيلي في غزة ذكر فيه أن ثلث سكان القطاع بحاجة لدعم نفسي واجتماعي.
وساهمت الظروف المعيشية الصعبة في تعزيز الضغوط النفسية والاجتماعية التي يعاني منها أكثر من مليوني نسمة يعيشون في القطاع المحاصر إسرائيليا منذ فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في 2006.
ومنذ فرض الحصار الإسرائيلي، شنت "إسرائيل" سلسلة حروب على القطاع كان أبرزها أعوام 2009 و2012 و2014 و2021 و2022، بالإضافة لجولات التصعيد خلال أعوام 2018 و2019، وهو ما ترك أثرا بالغا على الواقع المعيشي والنفسي.
وبجانب العدوان الإسرائيلي وجولات التصعيد، فإن التحليق المكثف لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية في أجواء القطاع يعزز من حالات التوتر والقلق في صفوف السكان، إذ يطلق عليها فلسطينيا "الزنانة" نظرًا لصوتها المزعج.
وبخلاف العدوان الإسرائيلي، فإن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة، لا سيما في صفوف الشباب الذين تصل في صفوف الخريجين منهم إلى 60% فيما ترتفع في صفوف الإناث لتلامس مستوى 80%، يعد عاملاً على زيادة الضغوط النفسية.
ودفعت حالة انسداد الأفق بعشرات الآلاف من الشبان للهجرة إلى خارج القطاع، ما تسبب في وفاة العشرات منهم خلال محاولتهم الوصول إلى أوروبا، في الوقت الذي نجحت محاولة عدد لا بأس منهم في الهروب من واقع القطاع غير المستقر.
في الأثناء، يقول مدير شبكة المنظمات الأهلية، أمجد الشوا، إن النسب المتعلقة بالواقع النفسي للسكان متوقعة في ضوء ما شهده القطاع من حروب وجولات قتال متتابعة إلى جانب الحصار الإسرائيلي الذي فرض منذ عام 2006.
ويضيف الشوا لـ "العربي الجديد"، أن الفئات الأكثر عرضة للصدمات النفسية والاكتئاب تتمثل في الأطفال والنساء مع غياب الحماية لهم في أوقات التصعيد والحروب، إلى جانب تعمد الاحتلال الإسرائيلي استهدافهم.
وبحسب مدير شبكة المنظمات الأهلية، فإن غياب الأفق السياسي وتحول الفلسطينيين للعيش بنظام يومي دون أفق للمستقبل، إلى جانب التدمير الممنهج الذي عمل عليه الاحتلال الإسرائيلي للمنظومة الاقتصادية والاجتماعية كان له الأثر المباشر على واقع الصحة النفسية.
ووفقاً لتقديرات أممية، فإن 80% من سكان القطاع يحتاجون إلى مساعدات إنسانية تقدمها وكالات الإغاثة المختلفة، عدا عن حاجة ثلث السكان لمساعدات طارئة وعاجلة بشكل دائم وفوري، في حين أن 50% من الغزيين فقراء.
بدوره، يقول أستاذ الصحة النفسية في جامعة الأقصى في غزة، فضل أبو هين، إن الواقع النفسي لسكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة سيئ في ظل الظروف المعيشية والاقتصادية التي يعيشون فيها منذ سنوات.
ويوضح أبو هين لـ "العربي الجديد" أن القطاع لا توجد به إلا مستشفى حكومي وحيد مخصص للمجال النفسي مع بعض العيادات الحكومية الأخرى، والتي يعتمد في جلها على العلاج الدوائي، بعيدا عن تدخلات التفريغ النفسي الذي تعمل به بعض المؤسسات الخاصة في القطاع والذي لا يلبي احتياجات السكان بشكل كامل.
وبحسب أستاذ الصحة النفسية، فإن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية تعزز من الضغط النفسي وحالات الاكتئاب والصدمة، إلى جانب أن المواجهات العسكرية المتكررة خلال السنوات الأخيرة عززت من تفاقم من الواقع النفسي للسكان.