تعدّل الأسر التونسية، اليوم الجمعة، عقارب ساعاتها مع انطلاق العام الدراسي الجديد الذي يلتحق بمقتضاه ما يزيد عن 2.3 مليون تلميذ بالمدارس والمعاهد الثانوية بعد استعدادات مكلفة خاضتها العائلات لضمان تعليم أبنائها.
وأعلنت وزارة التربية، في بيان سابق، عن زيادة في عدد التلاميذ خلال العام الدراسي 2023/2024 بـ2.8 بالمائة، مقارنة بالعام الماضي، إذ سيكون إجمالي عدد الطلاب في المراحل الابتدائية والاعدادية والثانوية مليونين و356 ألف تلميذ، أعدت لهم الوزارة 90 ألفاً و453 فصلاً دراسياً لاستيعابهم، بزيادة بـ547 فصلاً عن السنة الدراسية الماضية.
وقالت الوزارة إن تأمين دروس الطلاب في مختلف المستويات التعليمية سيحتاج إلى 156234 مدرساً، موزعين على 6139 فصلاً.
وتسعى سلطات تونس، وفق ما صرح به وزير التربية، محمد علي البوغديري، في مؤتمر صحافي، الاثنين الماضي، إلى تجاوز عثرات السنوات الماضية، عبر تحسين وضع المدرسين المتعاقدين، وتنقية الأجواء الاجتماعية مع النقابات، بعدما عاش التلاميذ وأولياؤهم السنة الماضية عاماً صعباً نتيجة أزمة المدرسين.
وقال البوغديري إنّ الوزارة قررت رفع قيمة الراتب الشهري للمدرسين النواب المتعاقدين من 750 ديناراً أي نحو 250 دولاراً إلى 1250 ديناراً ما يعادل 416 دولاراً على 12 شهراً، عوض 10 أشهر، لتصبح 1500 دينار، أي زهاء 500 دولار بداية من سبتمبر/ أيلول 2024 مع ضمان التغطية الاجتماعية.
كما تحدّث الوزير عن تسوية الوضعية المهنية، وتثبيت أكثر من 14200 موظف مؤقت في مختلف الاختصاصات، من بينهم 12 ألف مدرس، فضلاً عن الاستجابة لمطالب مهنية للمعلمين، من بينها تحسين المنح والحوافز المالية لإطار التدريس في مختلف المستويات.
واعتبر البوغديري أن هذه الإجراءات تعد بالغة الأهمية، بينما تمر به البلاد من وضعية صعبة للمالية العمومية.
ارتفاع الكلفة العامة للتعليم
وتمثل الزيادة في كلفة العودة للمدارس هذا العام السمة البارزة التي تتقاسمها الأسر ووزارة التربية التي أعلنت عن تسجيل تطوّر الكلفة للتلميذ الواحد بأكثر من 100 بالمائة خلال العقد الأخير، بينما تشكو الأسر بدورها من تحمّل زيادة في نفقات التعليم لا تقل عن 20 بالمائة سنوياً.
وبيّنت إحصائيات وزارة التربية أن تكلفة التلميذ الواحد في المرحلة الابتدائية ارتفعت من 1090.1 دينار سنة 2010 إلى 2014.7 دينار سنة 2023، في حين ارتفعت كلفة التلميذ الواحد في المرحلة الإعدادية والثانوية من 1658.7 ديناراً سنة 2010 إلى 3532.3 ديناراً سنة 2023
ويقول رئيس منظمة أولياء التلاميذ، رضا الزهروني، إن "العملية التعليمية في تونس تحوّلت إلى مشروع مكلف، ما ينعكس سلباً على حقوق الطبقات الضعيفة في النفاذ إلى تعليم جيّد".
وأكد الزهروني في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "المنظمة منشغلة بشأن تأثير ارتفاع كلفة التعليم على حقوق أبناء الطبقات الضعيفة والمتوسطة في الدراسة"، مشيراً إلى أن "المسائل المادية باتت عناصر محددة لجودة التعليم ونسب النجاح" .
ويرى المتحدث أن "مشروع إصلاح التعليم الذي تُقدم عليه البلاد يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الجانب المالي، بالتوازي مع الإصلاحات المرتقبة على المناهج والتوقيت المدرسي". وتابع "كل مشروع إصلاحي يحتاج إلى إمكانيات مالية لضمان نجاحه، وتجاوز العثرات السابقة في النظام التعليمي للبلاد".
ورجّح المتحدث أن "تعرف تونس هذا العام تسرباً قياسياً عن التعليم، بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما لسكان الأرياف والمحافظات الداخلية التي تضررت بموجات الجفاف، ونقص الموارد المالية للعاملين في القطاع الزراعي" .
ودعا الزهروني إلى "الأخذ بعين الاعتبار التحولات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد التي تسببت في انزلاق أكثر من مليون أسرة إلى الفقر، ضمن مشروع الإصلاح التعليمي المرتقب"، مشدداً على "أهمية ردم الفوارق بين الطبقات في الحق في تعليم جيد وفرص متكافئة في الارتقاء الاجتماعي عبر مصعد المدرسة".
ويرى خبراء أنّ الانقطاع المبكر عن الدراسة، وزيادة نسب التسرّب المدرسي، وصولاً إلى ترك أكثر من مليون تلميذ مقاعد الدراسة خلال السنوات العشر الأخيرة، يمثّلان أبرز أسباب زيادة نسب الأمية، وتُضاف إلى ذلك محدودية انخراط كبار السنّ في منظومة تعليم الكبار التي تظل نتائجها محدودة جداً.
ويغادر 55 في المائة من جملة المتسربين مقاعد الدراسة خلال السنوات الأولى، وهم فئة لا تشملها خطط إعادة الدمج، أو برامج تعليم الكبار، وتنخفض نسبة التمدرس مع تقدّم التلاميذ في السنّ، وتُسجَّل فوارق كبيرة بين نسبة المتمدرسين الذين بلغوا سنّ السادسة، والذين تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 18 سنة، إذ تنخفض النسبة من 99.5 في المائة بين الفئة الصغرى، إلى 81.9 في المائة بين الفئة الكبرى.
لا تصعيد من النقابات
هذا العام اختارت نقابات المدرسين والأساتذة عودة مدرسية هادئة، بعد أن قررت الهيئة الإدارية للجامعة العامة للتعليم الأساسي عدم خوض أي تحركات احتجاجية بمناسبة العودة، رغم إصرارها على تحقيق مطالب مالية ومهنية لمنظوريها، وانتقادها وضعية البنية التحتية للمدارس.
وتؤكد نقابات التعليم أن العودة المدرسية ستكون صعبة، بسبب تدهور أوضاع المدارس، ونقص التجهيزات والإمكانات المالية المرصودة للمؤسسات التعليمية، ما يؤثر في جودة العمل.
وقال كاتب عام جامعة التعليم الأساسي توفيق الشابي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "العودة المدرسية تجري في ظروف صعبة بالنسبة للمدرسين الذين طاولهم حجب مرتبات شهر يوليو/ تموز الماضي، وإعفاء مديري مدارس من مهامهم، بسبب تمسّكهم خلال السنة الدراسية الماضية بحجب أعداد التلاميذ للضغط على الوزارة للاستجابة لمطالب النقابة".
وأفاد بأن "الوزارة تواصل حجب رواتب 3500 مدرس منذ شهر يوليو الماضي، إلى جانب انفرادها باتخاذ قرارات كان يفترض أن تكون محل تشاور مسبق مع النقابات، معتبراً أن ذلك ينعكس سلباً على الجو العام، ويخلق توتراً لا يخدم سلامة مناخ العمل خلال العودة المدرسية المرتقبة".
وأضاف المسؤول النقابي: "عاش القطاع في الموسم الدراسي الماضي أجواء متوترة، واستمرت أزمته حتى العطلة، من ذلك اقتطاع أجور المدرسين وانفراد الوزارة بتسمية مديري المدارس دون الرجوع إلى الطرف النقابي".
وتابع "لا تزال نقابة المدرسين تعتبر أن الحل الأسلم لتنقية الأجواء بين القطاع والوزارة هو العودة قريباً إلى طاولة المفاوضات".
وكانت السنة الدراسية المنقضية مليئة بالمشاحنات بين الوزارة ونقابة المدرسين، ما تسبب في حرمان التلاميذ من الحصول على معدلاتهم لمدة سنة كاملة، بسبب تمسّك المدرسين بحجب المعدلات، وسيلة احتجاج على عدم تلبية الوزارة مطالبهم المالية والمهنية.
ويطالب مدرسو تونس بتطبيق محاضر اتفاق سابقة جرى توقيعها مع الحكومة منذ سنة 2021، تشمل ترقيات وحوافز للمعلمين، إلى جانب تسوية وضعية المدرسين النواب، وتحسين ظروف العمل داخل المؤسسات التعليمية، وهي مطالب قال وزير التربية محمد علي البوغديري إن السلطة تحرص على تحقيقها، وفق إمكانياتها المالية.
مشروع إصلاح تعليمي في الأفق
وأعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد، في اجتماع مع عدد من الوزراء جرى الأسبوع الماضي "أنّ البلاد التونسية لن تُفرّط، أبداً في مرفق التعليم" مشدّداً على أنّ "الحقّ في التعليم لا بدّ أن توفّره الدولة للجميع على قدم المساواة، كما هو منصوص عليه في الدستور".
وبيّن سعيد أنّ "الاستشارة الوطنيّة المتعلّقة بالتربية والتعليم من بين أهمّ الاستشارات في تاريخ تونس، بما أنّ الأمر يتعلّق بمستقبل الشعب والوطن".
في المقابل، دعا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلى ضرورة التسريع في نسق الإصلاح التربوي، وفق رؤية تنموية شاملة تمكّن المنظومة العمومية من مكانة متميزة وتجعل منها أداة للارتقاء الاجتماعي.