تونس نحو تنظيم رياض الأطفال

10 مارس 2022
داخل إحدى رياض الأطفال في تونس (العربي الجديد)
+ الخط -

تتكرّر حوادث الاعتداءات في رياض الأطفال في تونس، سواء القانونية أو العشوائية. وسعت وزارة شؤون المرأة والأسرة وكبار السن خلال السنوات الأخيرة إلى تنظيم القطاع والتصدي للرياض العشوائية. وكُثّفت عمليات الرقابة والاطلاع على مدى التزام تلك الرياض بكراس (دفتر) الشروط، لا سيما أنّ الإحصائيات الرسمية تفيد بأنّ 94 في المائة من رياض الأطفال المخصصة لمن هم ما بين ثلاث وخمس سنوات تنتمي للقطاع الخاص، فيما 6 في المائة فقط حكومية. نسبة وصفتها الوزارة بالضعيفة، ويجب زيادتها لأنّ الرياض الحكومية تُعد أكثر ضمانة لتطبيق القانون وتنظيم القطاع. 
وخلال الأربع سنوات الأخيرة، أغلقت أكثر من 700 رياض أطفال عشوائية، وتكررت حالات العنف التي أعلمت عنها مندوبية حماية الطفولة. وتعرّض بعض الأطفال للعنف والضرب وخصوصاً في بعض الرياض العشوائية، كما توفي آخرون نتيجة الإهمال. كما أعلنت الوزارة عن توظيف تربويّين غير مؤهلين في التعامل مع الطفل، وغير حاملي شهادات، ما جعل مستوى الخدمات في العديد من رياض الأطفال سيئة. 
وفي ظل تكرّر حوادث العنف وكثرة شكاوى الأهالي لمندوبيات حماية الطفولة والجمعيات التي تهتم بالأطفال، سعت وزارة المرأة والأسرة وكبار السن منذ عام 2015 إلى إعداد كراس شروط جديد يُنظم القطاع ويضبط شروط العمل داخلها. إلا أن القانون تعطل حال العديد من القوانين في البرلمان.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، أعلنت وزارة شؤون المرأة والأسرة وكبار السن عن إتمام مراجعة كراس شروط فتح رياض الأطفال، بهدف حماية الطفل من جميع أشكال العنف والتهديد عبر اعتماد إجراءات أهمّها التركيز الإجباري لكاميرات مراقبة في مداخل مؤسسات الطفولة المبكرة لرصد كل التجاوزات، والاهتمام أكثر بالجانب الصحي والغذائي للأطفال، والاستعانة بمتخصصين في رياض الأطفال. 
وأكدت وزارة شؤون المرأة والأسرة وكبار السن أكثر من مرّة على التدني النسبي لمستوى الخدمات التربوية المقدمة برياض الأطفال، لعدم الاستعانة بتربويين متخصصين، إذ إن حوالي 50 في المائة من العاملين فيها لم يتعلموا كيفية التعامل مع الأطفال دون سن المدرسة، وآليات التنشيط التربوي الاجتماعي الذي يرتكز على مسارات بيداغوجية علمية. يضاف إلى ما سبق انتشار الرياض العشوائية، وقد رصد نحو 789 من الرياض العشوائية عام 2021 في مقابل نحو 1050 عام 2015. 
ولفتت وزارة شؤون المرأة والأسرة وكبار السن إلى زيادة نسبة التبليغات المتعلقة بسوء المعاملة والحوادث الناتجة عن الإهمال داخل رياض الأطفال، واعتماد بعضها برامج دخيلة ومقاربات أجنبية مخالفة للبرامج الرسمية.

بعض الأهل يفضلون عدم وضع أبنائهم في دور حضانة (ياسين قايدي/ الأناضول)
بعض الأهل يفضلون عدم وضع أبنائهم في دور حضانة (ياسين قايدي/ الأناضول)

وفي 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ أمال بن الحاج المصادقة على كرّاس شروط فتح رياض الأطفال، لتعوضّ القرار الصادر سنة 2003 والمتعلّق بإحداث تلك المؤسسات. ويتعيّن على كلّ مؤسسات رياض الأطفال المباشرة قبل تاريخ صدور كرّاس الشروط الجديد أن تقوم بتسوية وضعيّتها في أجل لا يتجاوز سنة من دخول هذا الكرّاس حيّز النفاذ.
وتتمثّل أبرز الإجراءات الجديدة المنصوص عليها بكرّاس شروط فتح رياض الأطفال في إمكانية الجمع بين حضانة الأطفال وروضة الأطفال في مقر واحد متى توفرت الشروط الخاصة بكل مؤسسة. كما نص الكراس الجديد على ضرورة توفير إطار تربوي لكلّ 20 طفلاً بالنسبة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 3 و 6 سنوات. وتخضع الأنشطة والبرامج الصيفية إلى الموافقة المسبقة من المصالح الجهوية للوزارة. على صعيد آخر، نص الكراس على أنّه يشترط في الشخص الراغب في فتح روضة أطفال أن يكون ممن لم يتم تتبعه من أجل جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو تمس من الأخلاق الحميدة، أو من أجل جريمة عنف ضد المرأة والطفل مهما كان شكله، وأن يوفّر شهادة طبية تثبت السلامة العقلية والبدنية والخلو من الأمراض المعدية تسلم من مؤسسات الصحة الحكومية. 
كما نصّ الكراس في إجراءاته الجديدة على منع تركيز جهاز تلفاز في الروضة، في مقابل وجوب تركيز أجهزة مراقبة بصرية بالمدخل الرئيسي وفضاءات الاستقبال والأروقة وإلزامية قبول الأشخاص ذوي الإعاقة بعد تقديم تقرير طبي يفيد بقابلية الطفل للاندماج في الروضة. 
إلى ذلك، أكد القانون الجديد على ضرورة أن يكون مدير الروضة حاصلاً على شهادة في الإسعافات الأولية من مصالح الحماية المدنية، وأن يكون الإطار التربوي حاصلاً وجوباً على شهادة في المبادئ الأساسية في الإسعافات الأولية مع شرط التخصص للمدير والإطارات التربوية. وأكدت الوزارة على أنّ الكراس الجديد يهدف أيضاً إلى تمكين الأطفال ذوي الإعاقة من الانتفاع بخدمات رياض الأطفال. 

ورحب خريجو معاهد تربية الطفولة بالقانون الجديد الذي سينظم القطاع ويقضي على رياض الأطفال العشوائية في حال تكثيف المراقبة، لا سيما وأنّه نصّ على شرط التكوين والتخصص في مجال الطفولة بالنسبة للمدير والعاملين في تلك الرياض، ما سيحل مشكلة البطالة ويفرض تشغيل خريجي معاهد تربية الطفولة دون سواهم. ويشير بشير الرحالي، وهو أحد خريجي تلك المعاهد في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أنّهم نظموا على مدى السنوات الأخيرة العديد من الاحتجاجات المطالبة بتنظيم القطاع حتى يتسنى لهم العمل، وخصوصاً أنّ غالبية الرياض وحتى القانونية منها لا تلتزم بشرط تشغيل متخصصين في مقابل الاستعانة بأشخاص بلا شهادات جامعية بسبب الأجور الزهيدة. إلا أنه ينتقد عدم تخصيص المشروع "بند ينصّ على الأجر الأدنى والأقصى حتى لا يقع استغلال الإطارات التربوية برياض الأطفال، بالإضافة إلى إهمال شرط تشغيل الإطارات بعقود قانونية تحمي حقوقهم المهنية". 

المساهمون