بادر كريم عرفة، وهو شاب تونسي ناشط في المجتمع المدني، إلى صنع أغطية من النفايات الحديدية لحماية أرواح التونسيين من حوادث السقوط في قنوات الصرف الصحي. هذه الحوادث شكلت أخيراً كابوساً حقيقياً للتونسيين، خصوصاً عقب هطول الأمطار، فحصدت روح الطفلة فرح، التي سقطت عندما كانت بصدد مرافقة والدتها في جمع القوارير البلاستيكية، بالمرسى، بالضاحية الشمالية لتونس، والشابة العشرينية مريم، التي راحت ضحية هذه القنوات بعدما ابتلعتها قناة تصريف مياه أمطار في النفيضة بمحافظة سوسة، وسط تونس. وأثارت الحادثتان استياء التونسيين ممن عبّروا عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن تعاطفهم مع عائلتي الطفلة فرح والشابة مريم، داعين السلطات المعنية إلى التحرك واتخاذ الإجراءات اللازمة، إذ من غير المسموح أن تتكرر مثل هذه الحوادث وأن يتحول هطول الأمطار إلى نقمة على العديد من التونسيين.
كريم، معروف بمبادراته الإنسانية والتطوعية لصالح المدارس والمرافق العمومية، إذ سبق له أن شارك في ترميم مدارس عدة، وتجميل طرقات. ويقول عن مبادرته الأخيرة إنّه لم يعد من المقبول أن يستمر نزيف الأرواح بالسقوط في القنوات، وطالما أنّ الوقاية ممكنة، فلمَ لا يجري اعتماد بعض الوسائل الوقائية؟ يشير إلى أنّه بعد الحادثتين المؤلمتين خطرت له الفكرة وسارع إلى صنع غطاء شبكي بسيط يوضع كواقٍ فوق قناة الصرف الصحي ليبين للمسؤولين أنّه بخطوات بسيطة وغير مكلفة يمكن تفادي الكوارث، مشيراً إلى أنّ الأغطية التي صنعها هي بمجهود شخصي، وأنّ أيّ شخص يمكنه التحرك والمساعدة بما يقدر من مواد، مع العلم أنّه مستعد لتعميم التجربة لتشمل جميع الجهات. كذلك، يقول إنّه تولى تثبيت الأغطية التي صنعها وتجربتها في منطقة المروج بالضاحية الجنوبية للعاصمة، وسيضعها لاحقاً في مناطق أخرى، بعد التنسيق مع البلديات المعنية. لكنّه يلفت إلى غياب تفاعل المسؤولين مع المبادرة بالرغم من اقتناعهم بجدوى التجربة، فكلّ طرف يحاول رمي الكرة إلى الطرف المقابل وعدم الاعتراف بالمسؤولية.
ويلاحظ عرفة أنّه مع هطول الأمطار بغزارة، لا يمكن الانتباه للقنوات المفتوحة التي لا أغطية لها، أو ربما تدفع الأمطار الأغطية بعيداً عن الحفر. ويعلق بأنّه "ما زلنا في بداية موسم الأمطار، وبالتالي فإنّ الخطر مستمر، وقد تسقط أرواح أخرى، إلى جانب الخسائر المادية للسيارات التي كثيراً ما تسقط في إحدى القنوات فتصيبها أعطال"، مشيراً إلى أنّه لا يمكن التمييز بين مكان قناة الصرف الصحي لمياه الأمطار والطريق أحياناً، لا سيما عندما تغمرهما مياه الأمطار. ويضيف أنّ هذا يشكل خطراً كبيراً على الأطفال، والمسنين، والسكان عموماً. يتابع أنّ النموذج الذي صنعه كان من نفايات أسرّة حديدية قديمة تابعة لسكن جامعي، وبالتالي فإنّ إعادة التدوير ممكنة، وليست هناك ضرورة لاقتناء الحديد ومواد باهظة للوقاية: "لكنّ المشكلة في الإرادة، إذ لا مسؤولين يتفاعلون مع المبادرات ويأخذون على عاتقهم التغيير والتطوير، فكثيرون منهم يشخصون المشاكل ولا يقدمون حلولاً". يؤكد أنّه استجاب لإعلان المدير العام للديوان الوطني للتطهير، الذي جاء فيه إنّ الأغطية تُسرق، فمن خلال هذا الابتكار سيكون هناك حلّ على مستوى إزالة الخطر عن السكان، وحلّ للدولة تتفادى فيه سرقة الأغطية. ويلفت عرفة إلى أنّه بصدد صنع أدوات بسيطة توضع في قنوات تصريف مياه الأمطار ولا تمكن سرقتها مستقبلاً.
يشار إلى أنّ المدير العام للديوان الوطني للتطهير، الحبيب عمران، صرح مباشرة بعد حادثة وفاة الطفلة فرح، بأنّ الأغطية تتعرض للسرقة والإتلاف من قبل منحرفين، وأنّ هذه الظاهرة تفاقمت، والديوان يسعى لاستبدال الأغطية كلما تلقى إشعاراً باختفائها، كما التحرك عندما تكون إحداها مفتوحة، لكن لا يمكن مراقبة جميع القنوات. تابع أنّهم في الديوان، منفتحون على كلّ الحلول والتجارب الدولية لاستبدال الأغطية المعدنية، وأنّه سيجري العمل على حلول مع المدرسة الوطنية للمهندسين. تابع أنّ القنوات موجودة في الطريق العام، وهناك مسؤولية يتحملها الديوان، مشيراً إلى تداخل المسؤوليات عادة ما بين البلديات ووزارة التجهيز، مشيراً إلى أنّ الديوان لم يتلقَّ في الحادثتين الأخيرتين أيّ إشعار حول فقدان غطاء ما.
بالعودة إلى عرفة، فإنّه يؤكد أنّ تونس بلاده والأرواح المهددة تهمّه وهي الدافع الذي حركه، لافتاً إلى أنّه يجب الاقتداء بالتجارب في الخارج، فهناك قنوات تصريف مياه تمثل تحفاً فنية. يتابع أنّ من مشاريعه المقبلة بناء جسر في منطقة بوعوان بمحافظة جندوبة بالشمال الغربي، وهو لن يكلف ذلك المبلغ الكبير الذي طلبه البعض (نحو 222 ألف دولار أميركي)، وتأخر إنجازه كثيراً. ويلفت إلى أنّه بالتعاون مع بلدية بلطة بوعوان وجمعيات وشركة أشغال في الجهة قررت المساعدة وتوفير مواد البناء، وبالتنسيق مع عمال البلدية، فإنّه سيتم إنجاز الجسر الذي سيساعد المنطقة، خصوصاً في موسم الأمطار، ما سيجنب المنطقة وسكانها مخاطر عدة. ويشدد على ضرورة تعزيز روح الشراكة والتعاون والمبادرة، على أمل تغيير بعض العقليات للدفع باتجاه بناء تونس.