في منطقة عين زاقة بولاية باجة، شمالي تونس، اختارت الشابة شيماء البحيري أن تُعيد الحياة إلى دكان جدّها ليصبح وجهة للزائرين المغرمين بالريف والمناطق الجبلية. دكان بسيط بُني من الحجارة منذ عام 1969، بقي على ما هو عليه منذ سنوات، وأمامه فسحة تُطلّ على الجبال في تلك المنطقة الريفية، حيث يتوجه مئات الشباب ومحبو الرحلات الداخلية أسبوعياً. كما تنتعش الرحلات الداخلية والتخييم في الطبيعة، لا سيما خلال فصل الشتاء، وخصوصاً في العطلة الأسبوعية أو العطل المدرسية. وتستقطب تلك الرحلات فئة الشباب على وجه الخصوص، لتُنظم نهاية كلّ أسبوع عدّة رحلات تُسمى "روندوني"، يتنقل فيها الرحالة إلى إحدى المناطق الريفية لقضاء يوم كامل في الطبيعة أو التخييم وقضاء ليلة في مكان بعيد عن صخب المدينة.
ولا يحتاج غالبية هؤلاء سوى إلى خيم صغيرة وبعض المؤونة وملابس رياضية. وتقلّهم الحافلة إلى مكان الرحلة، لتقف بهم على جانب أحد الطرقات الرئيسية لتنطلق بعدها رحلتهم سيراً على الأقدام نحو المسالك الوعرة في الطرقات الريفية والجبال. يختارون مكاناً آمناً لنصب تلك الخيام والإقامة يومين أو أكثر بحسب مدّة عطلتهم.
باتت تلك الرحلات تلقى إقبالاً كبيراً وخصوصاً من الشباب خلال السنوات الأخيرة، فيما تشارك فيها بعض العائلات وأطفالها إذا كانت الرحلة منظمة ومكان التخييم آمناً. ولا تزيد كلفة الرحلة للفرد الواحد عن العشرين دولاراً.
انتعاشة السياحة الداخلية دفعت بالبعض إلى التفكير في ترميم بيوت قديمة ورثوها عن أجدادهم في بعض المناطق الريفية وإعادة الحياة إليها لتصبح مزاراً للمغرمين بالريف ومأوى لهم بدلاً من الخيام، مع توفير بعض المؤونة التي يحبذها الزوار.
خبز على الحطب وعسل طبيعي وجبن مصنوع على الطريقة التقليدية وزيت زيتون وبعض الأكلات الأخرى التي توجد في الريف التونسي، هي ما يحبّذه هؤلاء الزوار بعيداً عن الأكلات والوجبات السريعة التي تعوّدوها في المدينة. ونسيم وهواء نقي وبعض الرياضة في الأماكن الجبلية. وهذا ما توفره البحيري، أي إقامة بسيطة لبعض الزوار ممن يقضون فيها يوماً كاملاً أو يبيتون فيها ليلة أو أكثر بكلفة بسيطة جداً تراعي إمكانيات الجميع ولا سيما الشباب. تضيف أنّه "يتمّ توفير كلّ الأكلات البسيطة التي يحبّها الزوار لأنّها منتجات طبيعية طازجة. كما تقام بعض العروض الموسيقية الهادئة البعيدة عن الصخب والضجيج الذي تعوّدوه في المدينة. ويراعي المكان خصوصية المنطقة الجبلية للحفاظ على هدوئها ونظافتها ورونقها".
العديد من الرحلات الداخلية تلك باتت تُنعش السياحة في الداخل بشكل كبير، وخصوصاً أنّها رحلات منظمة ومؤمنة وتوفر الحماية لجميع المشاركين من خلال تأمين النقل المريح والإقامة الآمنة. كما يتمّ الحصول على تراخيص قانونية والتعامل مع وكالات سفر قانونية لتكون الرحلات أكثر أماناً.
ويقول عز الدين (31 عاماً)، أحد المغرمين بالرحلات الداخلية، إن "العديد من الشباب المشاركين في تلك الرحلات يحبون التخييم ويرغبون في قضاء نهاية الأسبوع في إحدى المناطق الريفية أو الجبلية. كما يرغبون في الإقامة في بعض الأماكن الآمنة بعيداً عن الحيوانات الخطرة أو العصابات، إذ تعرض بعض الشباب في مخيماتهم الصغيرة في عدد من المناطق الريفية للسرقة خلال السنوات الأخيرة. ومثل هذه الإقامات من شأنها أن توفر الأمان في الريف وسط الطبيعة، والاستمتاع بالرياضة والعروض الموسيقية".
وتقول البحيري إنّها "جهزت وإخوتها بعض الغرف الصغيرة بالمكان أيضاً. مع ذلك، تضطر أحياناً إلى رفض بعض الطلبات من قبل وكالات الأسفار أو منظمي الرحلات، بسبب العدد الكبير الذي باتت تستقبله خلال نهاية كلّ أسبوع على الرغم من أنّها بدأت العمل منذ قرابة الشهر فقط، الأمر الذي يؤكد رغبة الناس في تمضية بعض الوقت في الريف بعيداً عن الروتين اليومي في المدينة".
الأمر نفسه ينطبق على منطقة نفزة في باجة. ويشير سيف الدين بركات إلى أنّه جهز بيت جدّه ورممه رغم أنّه مغلق منذ أكثر من عشرين سنة، ليصبح وجهة للسياح والمغرمين بالرحلات الجبلية. كما يوفر بعض المؤونة والأكل الذي يُطبخ على النار بالطريقة التقليدية، وهو ما يحبّذه الزوار كثيراً. وبات يوفر إقامة للراغبين في التخييم في تلك المنطقة الريفية خلال العطلة الأسبوعية أو خلال العطل المدرسية. حتى أثاث البيت بقي قديماً، وهو عبارة عن بعض المفارش والأغطية الصوفية التي كانت توجد في كلّ البيوت. ولا يستقبل سوى منظمي الرحلات الذين يتعاملون مع وكالات الأسفار.
ويقول بركات إنّه "يستقبل عشرات الزوار خلال نهاية كلّ أسبوع، يجتمعون في ذلك البيت القديم الذي لا يتوفر على أثاث باهظ أو تجهيزات عصرية. كل شيء فيه قديم، يذكر الزوار بتاريخ وعادات التونسيين في الأرياف.
من جهتها، تشجع الجهات الرسمية في تونس السياحة الداخلية، لا سيما بعد تفشي فيروس كورونا الجديد، الذي أثر على القطاع السياحي بشكل كبير. ولدعم السياحة الداخلية وتنشيطها بمختلف جهات البلاد، أبرم الديوان الوطني التونسي للسياحة عام 2020 اتفاقية إطارية مع كل من الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة والجامعة التونسية للنزل تهدف إلى دعم السياحة الداخلية عن طريق وكالات الأسفار لفائدة السائح.
وشملت هذه الاتفاقية كلا من وكالات الأسفار ومؤسسات الإيواء السياحي، سواء نزل سياحي مصنف أو إقامة ريفية أو استضافة عائلية أو نزل ذو طابع مميز أو قرى سياحية أو شقق فندقية أو دور الضيافة أو المخيمات السياحية، المرخص لها من قبل المصالح المركزية للديوان الوطني التونسي للسياحة، على أن تلتزم هذه الوكالات والمؤسسات بتطبيق البرتوكول الصحي للسياحة التونسية الصادر عن وزارة السياحة.