قبل أكثر من ستة أشهر اضطر عامر فخر الدين إلى تركيب خزان مياه بسعة 800 لتر لمواجهة الانقطاع المتكرر للمياه في تونس لا سيما خلال فصل الصيف.
وحتى مع بدء تساقط أمطار فصل الشتاء تستمر أزمة انقطاع المياه في تونس، ويمتد ذلك من الساعة العاشرة ليلاً حتى الساعة السادسة صباحاً، وأحياناً، وأحياناً خلال ساعات متفرقة من اليوم.
يقول فخر الدين: "عائلتنا على هذا الحال منذ أكثر من ثلاث سنوات، وخزان المياه في البيت يوفر حاجياتنا خلال ساعات الانقطاع المياه. اقترضت المال من المصرف لأنّ الكلفة الإجمالية للخزان والمحرك وبقية التجهيزات تبلغ نحو 1000 دولار. لا بديل في ظل انقطاع المياه، خصوصاً في فصل الصيف الذي يكثر فيه الاستهلاك".
كان من النادر رؤية خزانات مياه تباع في المحال التجارية التونسية، لكن باتت غالبية المحال تبيع خزانات مياه بلاستيكية مختلفة الأحجام والأسعار. وتشهد تونس أزمة مياه كبيرة منذ خمس سنوات، نتيجة تراجع مخزون السدود إلى أدنى مستوياته بسبب نقص تساقط الأمطار، والتي باتت منعدمة في بعض المناطق.
وبلغت الإيرادات الإجمالية للسدود التونسية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، نحو 20.7 مليون متر مكعب مقارنة مع الإيرادات الطبيعية التي تقدر بـ 241.5 مليون متر مكعب، وكانت الإيرادات المسجلة خلال نفس الفترة من عام 2021، تقدر بنحو 51.4 مليون متر مكعب، بحسب المرصد الوطني للفلاحة التابع لوزارة الزراعة، يجعل نسبة تراجع الإيرادات السنوية تقدر بنحو 30.4 في المائة.
وأفاد المرصد الوطني للفلاحة بأنّه خلال الفترة ما بين 1 سبتمبر/ أيلول 2023 و15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، لم تتجاوز كميات الأمطار المتساقطة في تونس 1.5 ميليمتر. ولمواجهة النقص الكبير في الموارد المائية، قرّرت وزارة الزراعة منذ إبريل/ نيسان الماضي ترشيد استهلاك المياه عبر قطعها طوال ساعات الليل، ومنع استعمال مياه الشرب الموزعة عبر شبكة توزيع المياه في النشاطات الفلاحية والري وتنظيف الفضاءات العامة وغسل السيارات.
وأفادت شركة توزيع المياه الحكومية، في بيان، بأنها انطلقت في قطع المياه الصالحة للشرب لسبع ساعات يومياً في كل أنحاء البلاد من التاسعة ليلاً وحتى الرابعة صباحاً، لمواجهة أسوأ أزمة جفاف تمر بها تونس. وتشهد العديد من المناطق انقطاعاً متواصلاً للمياه الصالحة للشرب، ولا تزال تلك المشاكل تؤجج الشارع ويحتج الأهالي في العديد من الجهات طوال العام وليس فقط خلال فترة الصيف.
أزمة المياه تلك دفعت العديد من العائلات للجوء إلى تركيب خزانات مياه بلاستيكية لا تملأ من مياه الأمطار أو الآبار، وإنما يقع ربطها مباشرة بشبكة توزيع المياه لتملأ من مياه شركة توزيع المياه، وتبقى احتياطاً لاستعمالها خلال قطع الماء. وتقول رفيقة بن أحمد، وهي من سكان محافظة سيدي بوزيد، إنها تقطن بعيداً عن وسط المدينة، وتملك أرضاً فلاحية صغيرة، ولكنها لم تستطع الحصول على ترخيص لحفر بئر، ما اضطرها إلى تركيب خزان بسعة 2500 لتر لري الأرض، واستعمال المياه في استعمالات منزلية عدة في حال قطع الماء، وهو حل لجأت إليه العديد من العائلات نظراً للانقطاع المتكرر للمياه في غالبية جهات المنطقة.
يشير سيف الدين برهومي، أحد أصحاب المحلات التجارية، إلى أنّه يبيع معدات وتجهيزات المراحيض وكل لوازم شبكات المياه في البيوت. ومنذ أكثر من عام، بات يبيع خزانات المياه البلاستيكية التي شهدت إقبالاً كبيراً من قبل العديد من العائلات لأنها باتت حلا لمواجهة مشكلة انقطاع المياه. لكن أسعارها وكلفة تركيبها مرتفعة قليلاً. لذلك، لا تستطيع غالبية العائلات تركيبها في بيوتها، وخصوصاً سكان المناطق الريفية وحتى الأحياء الشعبية في المدن، لأنها لا تصنع في تونس بل غالبيتها مستوردة.
يذكر أنّه يوجد في تونس أكثر من 1200 وحدة مائية، تتوزع ما بين 37 سداً و258 سداً جبلياً و913 بحيرة جبلية و19 محطة لمعالجة المياه و15 محطة لتحلية المياه الجوفية، ومحطة واحدة لتحلية مياه البحر. وتستأثر الزراعة بنسبة 80 في المائة من المياه، والصناعة بـ 5 المائة والسياحة بـ 2 في المائة و13 في المائة مخصصة للاستهلاك والاستعمال المنزلي.
وأكد المرصد التونسي للمياه أنّ الأزمة لا تزال متواصلة بسبب عدم تحسن منسوب السدود وتأخر موسم الأمطار مقارنة بالنسق العادي خلال سنوات ما قبل الجفاف. ويؤكد أنّ المسؤولية يجب أن تكون مشتركة بين الجهات الحكومية التي يجب أن تعمل على إحداث استراتيجية لحل أزمة المياه، وبين المواطن الذي يجب أن يعي ضرورة ترشيد الاستهلاك اليومي للمياه.