يعمل عبد الرحمن يحيى (35 سنة) منذ سبع سنوات نادلاً في أحد مقاهي المدينة القديمة بتونس العاصمة. لم يعلم أنّ فترة بطالته ستطول أكثر من 11 سنة منذ أن أنهى تخصصه الجامعي في اللغة العربية، وألا يستطيع حتى اليوم الالتحاق بسلك المعلمين في القطاع العام أو الخاص في تونس. يشرح في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّه مارس حرفاً ومهناً يومية عدة بأمل أن يلتحق بوظيفة عمومية في حال شارك في الانتدابات، ووضعه لا يختلف فعلياً عن آلاف من خريجي التعليم العالي الذين تجاوزت فترة بطالتهم عشر سنوات. ورغم تواصل تحركاتهم الاحتجاجية منذ سنوات لم يستطيعوا الحصول على وظائف وأعمال، علماً أن انتدابات الوظائف العامة مجمّدة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
يوضح الناطق الرسمي باسم التنسيقية الوطنية للانتداب حقي، حسام سعيدية، في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ " العاطلين عن العمل ممن فاقت بطالتهم عشر سنوات ينفذون منذ أكثر من خمسة أشهر تحركات احتجاجية في مناطق عدة، والتي زادت بعد تراجع الرئيس قيس سعيد عن تطبيق القانون رقم 38 المتعلّق بتشغيل من تجاوزت فترة بطالتهم عشر سنوات، علماً أن تاريخ هذا القانون يعود إلى أغسطس/ آب 2020. كذلك، لم يوضع قيد التنفيذ نص القانون الخاص بإنشاء منصة إلكترونية لإعداد ملفات طالبي العمل بحسب العمر وسنوات البطالة والاختصاص". يضيف: "أعلن منذ سنتين رصد 10 آلاف خطة انتداب جديدة، من دون أن تنطلق حتى الآن عملية قبول الملفات أو فتح أي مناظرات وانتدابات.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، صرّح الرئيس سعيد أنّ "القانون وضع كأداة للحكم واحتواء الغضب وبيع الأحلام وليس للتنفيذ، بدليل عدم وضع ترتيبات لجعله يبصر النور"، ما دفع بعشرات من العاطلين عن العمل، لا سيما أصحاب الشهادات العليا، إلى تنفيذ وقفات احتجاجية أمام مكاتب التشغيل وإدارات المناطق ومقر رئاسة الحكومة، في حين منعوا من الاحتجاج أمام قصر رئاسة الجمهورية. ويستمرّ غالبيتهم في الاعتصام أمام مقار الولايات للضغط على الدولة من أجل فتح باب الانتدابات مجدداً.
ورغم أن وزارة التشغيل أنشأت منصة إلكترونية تشرف عليها الوكالة الوطنية للتشغيل والعمل المستقل، للسماح بتواصل المؤسسات والشركات مع طالبي الشغل، لكنها لم تطلق عملها، ما أجّج احتجاج العاطلين عن العمل الذين يعتبرون أنّ غالبية التصريحات أو القرارات ليست إلا وعوداً فضفاضة تتكرر لامتصاص غضب الشارع، وتجنب وضع حلول أو فتح باب حوار مع الشبان ومصارحتهم بحقيقة عدم القدرة على زيادة الانتدابات، علماً أنّ ميزانية الأجور تبلغ 20.345 مليون دينار (6.8 ملايين دولار) تعادل نسبة 59 في المئة من موارد ميزانية الدولة وفق وزارة المالية. وسبق أن صرّحت الحكومات المتعاقبة أنّ الانتدابات ستحصر في القطاعات ذات الأولوية.
وطالب منتمون إلى التنسيقية الوطنية للانتداب حقي بالانتداب المباشر في القطاع العمومي للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و55 عاماً، ولم يعملوا بعد أكثر من 10 سنوات من تخرجهم، في إجراء يهدف إلى منحهم ترتيباً تفاضلياً من خلال الأخذ في الاعتبار سن المتخرّج وسنة التخرّج.
ويقول نوفل بن محمّد (34 عاماً)، أحد متخرجي التعليم العالي الذين يعانون البطالة منذ 10 سنوات، لـ"العربي الجديد" إن "آلاف العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا توقعوا حلّ أزمة البطالة خلال السنوات العشر الماضية، أي في سنوات ما بعد الثورة، عبر انتداب العاطلين عن العمل على دفعات بحسب السن وسنة التخرّج. لكن أغرقت المؤسسات والقطاعات العامة بانتدابات عشوائية لغايات سياسية، وأخرى شملت آلاف الأشخاص الذين لا تنطبق عليهم شروط السن وعدد سنوات التخرّج وغيرها في إدارات عامة كثيرة". يضيف: "توقعنا مرات تثبيت وفتح تحقيقات في كل الانتدابات التي حصلت خلال الأعوام الأخيرة، لكن ذلك لم يحصل".
ويخبر سعيدية أنّ "الدولة تتحجج في كلّ مرّة بالأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، وعدم القدرة على أجور إضافية. لكنها تتجاهل تشجيع الاستثمار المحلي والخارجي لخلق فرص عمل لآلاف العاطلين عن العمل. وهناك اختصاصات عدة لا حلّ فيها سوى العمل في القطاع العمومي على غرار قطاع التدريس". يضيف: "ستستمر الاحتجاجات دورياً في مناطق عدة للمطالبة بالحصول على حق العمل والانتداب لشغل وظائف في القطاع العام، وإلغاء العقود الهشة والانتدابات الموقتة، لا سيما أنّ بعض العاملين بعقود وقتية لا يحصلون على أجورهم بصفة منتظمة". وكانت دورات توظيف في اختصاصات عدة أجريت خلال السنوات الأخيرة وشارك فيها مئات من المرشحين. لكن لم تنشر نتائجها.