تونس: "أوكسجين المتطوعين" ينقذ مرضى كورونا

05 اغسطس 2021
نقص في احتياجات تونس من الأوكسجين (جديدي وسيم/ Getty)
+ الخط -

مع تدهور الوضع الصحي في تونس وارتفاع عدد المصابين بفيروس كورونا بسبب ظهور متحور "دلتا" الهندي السريع الانتشار في مناطق عدة، يواجه غالبية المرضى مشكلة اكتظاظ المستشفيات الحكومية، ونقص أجهزة الأوكسجين التي بات طلبها أشبه بالبحث عن عملة نادرة. 
وشهدت مستشفيات عدة حال هلع كبير من فقدان أجهزة الأوكسجين، ما حتّم نقل 30 مصاباً بالفيروس من مستشفى الهادي شاكر الجامعي في مدينة صفاقس إلى المستشفى العسكري الميداني. وأطلقت الطبيبة هندة أبو نوارة نداء استغاثة بأنّ "الأطقم الطبية باتت لا تستطيع التعامل مع نقص الأوكسجين في المستشفى، وأنها عاجزة عن إنقاذ المرضى من الموت". 
وأضافت في شريط فيديو نشرته على مواقع التواصل الاجتماعي: "نفاد مخزون الأوكسجين يضطرنا في واقع صعب جداً إلى الاختيار بين المرضى الذين سيعيشون ومن سيموتون". وفي شريط فيديو آخر، بكى مدير مستشفى محلي في محافظة بنزرت من العجز عن تأمين أوكسجين لحوالى 30 مريضاً في قسم الإنعاش. 

في يد الدولة
وفيما يواصل عشرات الأطباء إطلاق نداءات لحث السلطات على توفير الأوكسجين، كان رئيس الحكومة المقال هشام المشيشي قد صرح بأن "المرضى الموجودين في مستشفيات تشهد نقصاً حاداً في الأوكسجين سينقلون إلى مراكز طبية خاصة تلبي هذه الاحتياجات"، مؤكداً أنه تم "وضع كل المؤسسات الصحية الحكومية والخاصة في تصرف الدولة في مواجهة جائحة كوفيد-19 حتى العودة إلى نسبة التزود الطبيعي بمادة الأوكسجين، وأن كلّ مخزون الأوكسجين المتوافر لدى الشركات بات في تصرف المؤسسات الصحية بحسب حاجتها، من دون التقيد بالمزودين المتعاقدة معهم. كما سنبدأ في إعداد دراسة لإنجاز مشروع إنتاج مادة الأوكسجين الذي يندرج ضمن الأمن الصحي الوطني".
وحسب وزارة الصحة، يبلغ استهلاك تونس لمادة الأوكسجين في الأيام العادية نحو 60 ألف ليتر يومياً، فيما تخطى الطلب  120 ألف ليتر يومياً خلال الأشهر الأولى من العام الحالي، قبل أن يتجاوز 220 ألف ليتر يومياً بعد انتشار متحوّر "دلتا". 

تركيز على توفير مكثفات الأوكسيجين (العربي الجديد)
تركيز على توفير مكثفات الأوكسجين (العربي الجديد)

سوق سوداء
واستغل تجار نقص الأوكسجين في غالبية المستشفيات الحكومية، وباعوا مكثفات هذه المادة بأسعار باهظة جداً تجاوزت ثلاثة أضعاف سعرها العادي، كما أوجدوا سوقاً سوداء موازية لأجهزة الاوكسجين، وبعضها جرى تهريبه عبر الحدود البرية من الجزائر، وعرض بأسعار أقل من تلك التي تدخل إلى البلاد بطرق شرعية. 
لكن ذلك لم يمنع متطوعين كُثر من العمل لتوفير أكبر عدد من مكثفات الأوكسجين، ومنحها إلى مرضى في أمسّ الحاجة إليها أو تقديمها لمستشفيات. وهم جمعوا أموالاً لشراء هذه المكثفات منهم أو من رجال أعمال ومتبرعين. 

حملة التبرعات عالجت بعض النقص (العربي الجديد)
حملة التبرعات عالجت بعض النقص (العربي الجديد)

ونظمت جمعية "نبض" بالتعاون مع جمعيات أخرى ونشطاء في المجتمع المدني حملة لجمع التبرعات لصالح مرضى كورونا، واستطاعت توفير 24 من مكثفات الأوكسجين التي وزعتها على مصابين. 
وشملت حملات التبرع كل المناطق، خصوصاً تلك المصنفة بأنها "موبوءة" بسبب ارتفاع عدد الإصابات فيها بوتيرة متسارعة. ويقول عبد الحميد، وهو أحد المتطوعين في مدينة القيروان، لـ"العربي الجديد": "اعتبرت القيروان بين المناطق الأولى التي تضررت من انتشار دلتا، ما تسبب في اكتظاظ مستشفياتها وفي تزايد الطلب على الأوكسجين، علماً أنه جرى تخيير مرضى كُثر بملازمة بيوتهم فاحتاج بعضهم إلى أوكسجين وفرّت منظمة الهلال الأحمر كميات منه، ونقلته إلى منازلهم. كما  نظم شبان حملة تبرّع سمحت بتوفير مبلغ لشراء أكثر من 20 من مُكثفات الأوكسجين وجرى توزيعها على مرضى خلال تدهور حالاتهم الصحية. ونشر هؤلاء أرقاماً للتواصل وأعلنوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي استعدادهم لتلبية طلب كل عائلة يحتاج أحد مرضاها إلى أوكسجين. 

متطوعون في الميدان
ووجد متطوعون كثيرون في مواقع التواصل الاجتماعي بوابة للتواصل مع أكبر عدد من المتبرعين، ونشر حملات تبرّع سواء لجمع أجهزة أوكسجين أو مبالغ مالية لشرائها، تمهيداً لوضعها في تصرف مستشفيات أو تأمين توزيعها على مصابين سواء كانوا في بيوتهم أو حتى في مستشفيات ميدانية شيّدت في مناطق عدة. 
تقول المتطوعة صفية فرحات، التي تعمل منذ أكثر من شهرين بالتعاون مع جمعيات خيرية ومنظمات على جمع أموال لشراء مكثفات أوكسجين، لـ"العربي الجديد"، إنّ "جمعيات خيرية ركّزت، بالتعاون مع مجموعة من المتطوعين الشباب، عملها التطوعي خلال الفترة الأخيرة على توفير مكثفات الأوكسجين. وجرى البحث عن مصادر تمويل على مواقع التواصل الاجتماعي، وتخصيص أرقام هواتف لاستقبال مكالمات المتبرعين، كما أنشئت صفحات عدة على فيسبوك لتلقي طلبات كل من يبحث عن مكثف أوكسجين في مناطق مختلفة". 
وتضيف: "استطعنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي تلقي اتصالات من متبرعين كُثر، ووفرنا عدة أجهزة جرى توزيعها على المرضى. ولا نزال نواصل جمع التبرعات، أكانت أموالاً أو أدوية خاصة بمرضى كورونا، من أجل توزيعها بمساعدة منظمات عدة على محتاجيها. وقد استعمل متطوعون سياراتهم الخاصة لإيصال الأجهزة إلى طالبيها". 

المساهمون