تربية النحل من مهن الرجال التقليدية في تونس، إذ تحتاج إلى جهد بدني كبير وتترافق مع أخطار التعرض للدغات، لكنّ نساء كثيرات انضممن إليهم.
تقصد أحلام الطرابلسي (30 سنة) أسبوعياً مكان منحلتها (مكان تربية النحل) بمدينة تستور الريفية بمحافظة باجة. تتفقّد صناديق النحل، وتعاين محصول العسل المتوافر. ترتدي ملابس بيضاء فضفاضة تغطي كلّ جسمها لحمايتها من لدغات النحل، في وقت ينفخ أحد مساعديها دخاناً أبيض بواسطة مضخة صغيرة على كلّ صندوق تفتحه لرؤية خلايا النحل بوضوح، والتحقق من كمية العسل التي تنتجها كل خلية.
تخبر أحلام أنّها باشرت مشروعها قبل ست سنوات حين امتلكت خلية واحدة، وصولاً إلى خمسين حالياً. اختارت أرض والدها الزراعية مكاناً لمشروعها نتيجة انعدام فرص العمل وحبّها لتربية النحل، وزرعت الزعفران قرب صناديق النحل، لأنّها نبتة تُزهر طوال السنة، ويجد النحل فيها موقعاً مهماً ليتغذى من رحيقها. تقول: "هذا العمل يحتاج إلى مكونات تُساعد بقاء الخلايا منتجة، لذا نزرع أنواعاً خاصة من الأزهار والأشجار تلبي احتياجات النحل إلى الغذاء طوال السنة، وأيضاً نباتات طبية وعطرية. كما سنزرع قريباً زهرة لسان الثور والخزامى والنعناع ونباتات أخرى ستشكل مصادر غذاء مهمة للنحل، وسنعمل أيضاً على تقطير النباتات واستخراج زيوتها".
تشير أحلام إلى أنّه "يمكن أن ينتج النحل على مدار السنة، خاصة خلال فصلي الربيع والصيف إذا لم يشهدا ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة قد يتسبب في مرض النحل، أو تخفيض قدرته على التغذية تمهيداً لإنتاج كميات كبيرة من العسل. أما في الشتاء فيقل الإنتاج، لا سيما أثناء هطول كميات كبيرة من الأمطار. لذا يلجأ بعض مربي النحل إلى إطعام الخلايا بالماء والسكر اللذين يزيدان نسبة الإنتاج من كيلوغرام واحد إلى أكثر من خمسة كيلوغرامات. لكن هذا العسل يصبح اصطناعياً وليس طبيعياً، ويفقد نكهته ومنفعته الصحية. فأجود أنواع العسل ينتجه النحل بلا تغذية من مصادر خارجية، ويكون من مذاق إكليل الجبل أو الصعتر، أي بحسب طعم رحيق الأزهار التي ترعى فيها خلايا النحل".
وتُعتبر تربية النحل من المهمات المعقدة التي تحتاج إلى عناية ورعاية خاصة، لا سيما أنّ النحل يتأثر كثيراً بالظروف المناخية المحيطة به، سواء إذا ارتفعت درجة الحرارة أو هطلت الأمطار بغزارة، وأيضاً بمدى خصوبة الأرض. لذا تحتاج تربية النحل إلى أرض زراعية في منطقة ريفية توفر المراعي. والمهنة حكر على الرجال لصعوبة العمل فيها، خصوصاً أنّ غالبية خلايا النحل توجد في مرتفعات قرب غابات وأشجار تسمح بأن يجد النحل المراعي، وتشكل طبيعة جغرافية صعبة للإناث.
لكنّ هذه الصعوبات لم تمنع شابات كثيرات من اختيار العمل في تربية النحل. تشير ربح مولهي (32 عاماً) التي تربي النحل في منطقة كسرى بمحافظة سليانة، شمالي تونس، إلى أنها واجهت صعوبات عدة في بداية عملها، لا سيما بعد انتقاد عائلتها قدرتها على النجاح في تربية النحل، باعتباره عملاً مرهقاً محصوراً بالرجال، وقد تمارسه فقط نساء يعشن في وسط تقليدي ريفي محافظ يرفض عملهن خارج مسقط رأسهن، ما يضطّر بعضهن إلى امتهان أعمال زراعية، من بينها تربية النحل، لكن بطرق تقليدية وباستخدام أدوات بسيطة. وتقول مولهي لـ"العربي الجديد": "أملك اليوم 60 خلية نحل، أراقبها يومياً، في حين لم أزرع إلاّ نباتات زهرية لغذاء النحل، باعتبار أنّ المنطقة غنية بنبتة إكليل الجبل. وأنتج سنوياً نحو 150 كيلوغراماً من العسل، أبيعه بسعر يتراوح بين 20 و50 دولاراً للكيلوغرام الواحد، بحسب مذاق كلّ نوع منه".
ورغم أنّ لدغات النحل قد تتسبب في آثار جانبية، تواظب حنان عبد اللاوي على تربية النحل منذ 15 عاماً. تقول لـ"العربي الجديد": "أصبت بلدغات مرات عدة خلال تفقدي النحل من دون ارتداء الملابس الخاصة بالمربين للوقاية. لكن بعد تجربتي الطويلة في مجال تربية النحل، تعلمت أكثر كيفية تفادي اللدغات". وتشير حنان إلى أنّه "لا يكفي فقط توفير صناديق لتربية النحل ووضعها في أرض زراعية، فمن الضروري استخدام ألواح خشبية توضع داخل الصناديق كي يشكل النخل خليته. ويجب أن توضع هذه الألواح بعناية، ويجرى تفقدها أسبوعياً. ويضطر غالبية مربي النحل إلى زرع أنواع عدة من النباتات التي تُزهر طوال فترات السنة كي تُوفر الرحيق الذي يتغذى النحل عليه. لذا ننفذ أعمالاً زراعية أيضاً، وهذا أمر معقد، خصوصاً أنّ تونسيين كثيرين يفضلون العسل ذا مذاق إكليل الجبل أو الصعتر أو السدر أو غيرها من الأعشاب الطبية، أي أن يكون من أجود الأنواع. ونحن بالتالي نتعلم كيفية زرع النباتات والتعامل معها. وارتفعت أسعار العسل في السنوات الأخيرة بسبب قلّة المراعي والإمكانات الكبيرة التي تتطلبها رعايتها".
وتسوّق النساء منتجات العسل على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر معارض للصناعات التقليدية أو حرف يشاركن بها، أو أخرى للمنتجات الزراعية التي تنظمها وزارتي الثقافة والزراعة. وبمعزل عن ذلك، لا يثق التونسيون كثيراً في تجار بيع العسل في المحال أو الطرقات أو الأراضي الزراعية، لأنّهم يعرفون أنّ بعض مربي النحل يطعمونه السكر لإنتاج كميات أكبر من العسل.