توقف محطة الأكسجين... الحصار يشتد على مرضى شمالي غزة

25 يونيو 2024
توفرت أنابيب الأكسجين سابقاً (دعاء الباز/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- توقف محطة الأكسجين في غزة عن العمل بسبب نفاد الوقود، مما يهدد حياة المرضى المعتمدين على التنفس الاصطناعي ويحذر من كارثة إنسانية.
- الحصار والقصف الإسرائيلي يعيقان وصول المساعدات والوقود، مما يضع النظام الصحي تحت ضغط شديد ويهدد بانهياره.
- المرضى، خاصة الأطفال والمصابون بأمراض مزمنة، يواجهون خطر الموت بسبب نقص الأكسجين والرعاية الطبية، مع تأكيد الطواقم الطبية على صعوبات تقديم الرعاية.

الإعلان عن توقف محطة الأكسجين الوحيدة في محافظة غزة بسبب نفاد الوقود يهدد حياة العديد من المرضى الذين يعتمدون على أجهزة التنفس الاصطناعي للبقاء على قيد الحياة، ولا حل إلا بإدخال الوقود.

أعلن المدير العام للصحة في محافظة غزة، شمالي القطاع، محمود حماد توقف محطة الأكسجين الوحيدة في المحافظة بسبب نفاد الوقود، يوم الأحد الماضي، محذراً من أن الوضع ينذر بكارثة إنسانية ويهدد عشرات المرضى بالموت المحتوم. كما أشار حماد إلى أن المرافق الصحية العاملة توقفت، وإلى أن الأدوية النادرة في ثلاجات مخازن الصحة تلفت بسبب منع إدخال الوقود، وسط عدم استجابة من المنظمات الدولية لإدخال الوقود إلى المنطقة الشمالية المحاصرة. وتقدر وزارة الصحة عدد المرضى على أجهزة التنفس بالعشرات، علماً أن هناك صعوبة في إحصاء جميع المرضى الذين يستفيدون منها بسبب ظروف الحرب.
وتحدث حماد عن محاولات حثيثة ومتكررة، كما وصفها، لتأمين الوقود من عدد من المصادر ومما هو متاح لدى المواطنين، لكن المنطقة تعيش حصاراً من جميع الجهات ولم تدخل المساعدات الطبية ولا الوقود إليها منذ بدء العملية العسكرية في رفح.
ويذكر أنهم في العاشر من الشهر الجاري كانوا قد أنذروا بأنهم مقبلون على كارثة حقيقية، وكانت الفترة الزمنية للتوقف النهائي ثلاثة أيام، لكنهم خفضوا كمية الإنتاج واستمروا بتقليص ساعات تشغيل المولدات حتى وصلوا إلى مرحلة العجز الكامل، ويوضح أن الوضع ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة تهدّد عشرات المرضى بالموت المحتم لأنهم يعتمدون على الأكسجين يومياً، ومنهم من يحصلون على الأكسجين لساعات أقل مما هم يحتاجون إليه، ويشير إلى أن المرافق الصحية العاملة توقفت فيما أتلفت الأدوية النادرة في ثلاجات مخازن الوزارة بسبب منع إدخال الوقود.
يقول حماد لـ"العربي الجديد": "ما يحدث معنا هو حرب على كل المنظومة الصحية في قطاع غزة بهدف انهيارها بالكامل. كان هناك استهداف لقتلنا وتدمير المنشآت الطبية لإيقاع أكبر عدد من الشهداء. لكن اليوم، هناك احتمال أكيد أن يموت عدد من المرضى الجدد الذين يعتمدون على الأكسجين". يضيف: "من المحتمل حصول وفيات بين المرضى الذين يحتاجون إلى أجهزة تنفس اصطناعي في ظل تراجع حالاتهم الصحية. وهذا النقص يهدد الأطفال في الحضانات وأولئك الذين يولدون في ظروف صعبة ويحتاجون إلى تنفس اصطناعي طارئ. وأحد الأسباب التي تزيد حاجة الأطفال إلى الأكسجين هو سوء التغذية. وبعض الحالات تتعرض لحظر كبير وتهديد بتوقف عمل المستشفيات على غرار مستشفى كمال عدوان الذي قد يزيد من حالات الوفيات".
أكثر من ذلك، تتعرض مراكز صحية في مدينة غزة للقصف المستمر بعد تمركز المهجرين في المنطقة الغربية لمدينة غزة ووجودهم فيها، وكان آخر استهداف لها مساء الأحد في عيادة الدرج، وسط مدينة غزة، ما أدى إلى استشهاد مدير الإسعاف والطوارئ هاني الجعفراوي، هو الذي كان أحد المشرفين على إعادة إحياء المركز الصحي الذي توقف مراراً عن الخدمة ومن اجل استيعاب حالات الجرحى. 

أعلنت وزارة الصحة أنها لا تزال تتعرض للاستهداف الممنهج والقتل المباشر الذي طاول 500 كادر صحي بعد استشهاد الجعفراوي واعتقال أكثر من 310 آخرين في ظروف قاسية وغير إنسانية، فضلاً عن سقوط 70 شهيداً من طواقم الدفاع المدني. أكثر من ذلك، أعلنت الوزارة مواصلتها العمل مستفيدة من كافة الأدوات المتاحة وبكامل طاقتها داخل المناطق التي تتعرض لقصف إسرائيلي متواصل.
يعتمد عدد من المرضى على أجهزة التنفس الصناعي ضمن سجلات الوزارة، منهم مرضى إصابات الرأس والمصابون بالسكتة الدماغية والتصلب الجانبي الضموري والشلل الدماغي والمصابون بالنخاع الشوكي وأزمة التنفس والالتهاب الرئوي ومتلازمة الفشل التنفسي ومرضى الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن، بالإضافة إلى متلازمة الضائقة التنفسية لدى حديثي الولادة من الأطفال. جميع هؤلاء أصبحوا مهددين بالموت الحقيقي، كما أنهم محاصرون ويعيشون أزمة مجاعة حقيقية.

يعمل الأطباء بما هو متوفر في غزة (علاء أبو محسن/ الأناضول)
يعمل الأطباء بما هو متوفر في غزة (علاء أبو محسن/ الأناضول)

أحد المصابين بضيق التنفس نتيجة إصابته بمرض الربو يدعى إسحق أبو رماح، زادت حالته الصحية سوءاً في ظل الانتقال المتكرر والهرب من القصف الاسرائيلي كما يشدد، ويحاول يومياً أن يكون موجوداً على مقربة من شارع عمر المختار حتى يتوجه إلى المستشفى المعمداني بسبب حاجته إلى جهاز التنفس الاصطناعي، لكنه يوضح أنه يشعر بأن نهايته اقتربت بعدما سمح نبأ توقف محطة الأكسجين الوحيدة في مدينة غزة. يقول أبو رماح لـ"العربي الحديد": "أنا مصاب بمرض الربو منذ أربع سنوات. لكن منذ بدء العدوان، ساءت حالتي، وقد نجوت من قصف إسرائيلي في فبراير/ شباط هذا العام، وأصبحت حالتي الصحية أكثر سوءاً وصرت أحتاج إلى التنفس الاصطناعي للبقاء على قيد الحياة علماً أنني ما زلت في الـ45 من عمري. أريد أن أعيش وأصبح جداً، وأحكي لأحفادي حكايات صمودنا، والخذلان الذي تعرضنا له".
زاد الضغط على المحطة الوحيدة في غزة خلال الشهرين الأخيرين، وخصوصاً بعد تدمير محطة الأكسجين داخل مجمع الشفاء الطبي، والتي كانت أكبر محطات الأكسجين في القطاع، وكانت تغذي الكثير من المستشفيات بالأنابيب بشكلٍ يومي. إلا أن تلك التي تقع داخل مستشفى الشهيد محمد الدرة، شرقي مدينة غزة، توقفت عن العمل.

غزة (رامز حبوب/ الأناضول)
معاناة بسبب نقص الأدوية والأكسجين (رامز حبوب/ الأناضول)

من جهته، يعاني فادي أبو الريش (58 عاماً)، من مرض الانسداد الرئوي المزمن، ويعيش قلقاً كبيراً وحاداً، بعدما استشهد ابناه وبقيت لديه ابنتان فقط. يشير إلى أن زوجته مصابة بمرض السرطان وأسرته تعتمد عليه، علماً أنه يعتمد على أجهزة التنفس الاصطناعي. وفي الفترة الأخيرة، كان يوضع على جهاز التنفس الصناعي لساعات محدودة قبل الإعلان عن توقف المحطة، ويقول لـ"العربي الجديد": "قتل الاحتلال الإسرائيلي نجليّ، أحدهما طالب جامعي كان يدرس الهندسة وآخر يدرس التربية الرياضية. أحاول الصمود وأنتظر انتهاء الحرب، لكن الحزن يتفاقم ويفرض عليّ أن أتنفس بصعوبة". يضيف: "نقلت إلى المستشفى مرات عدة ووضعت على جهاز التنفس الاصطناعي. لا أعبر عن حزني لكن أتمنى أن أعيش لأطمئن على عائلتي بعد الحرب، وأن أبني منزلاً يستر ابنتي وزوجتي ولا يهمني إن مت بعدها. لكنني لا أريد موتاً بطيئاً يضاف إلى الجوع". 

يرافق عبد الوهاب الحنجوري والدته التي تعاني من الالتهاب الرئوي الحاد. ينظر إلى أنابيب الأكسجين ويرجوها ألا تنفد لتبقى والدته على قيد الحياة، كما يقول لـ"العربي الجديد". يضيف: "تربيت يتيماً وقد ضحى والدي كثيراً، ورفضت النزوح لأن الاحتلال بذلك سيحتل غزة بالكامل، ونحلم بالعودة إلى بيتنا في غزة بعدما كنا نحلم بالعودة لأراضينا عام 1948. بقيت صامداً وأنا أسمع دعوات أمي. أحاول أن أجعلها تجلس في الهواء الطلق قدر الإمكان". 
أحد أطباء الطوارئ العاملين في عدد من المراكز الصحية والمستشفيات في المنطقة الشمالية في القطاع، ويدعى أحمد أبو عمر، يقول إن عدداً كبيراً من أفراد الطواقم الطبية أصبحوا يعملون في أكثر من مركز صحي لحوالى 20 ساعة في اليوم الواحد، وصاروا يبيتون في المستشفى أو المركز الصحي. ويقول إن البدائل لعدد من المرضى الذين يحتاجون إلى أجهزة التنفس الاصطناعي تكاد تكون صعبة جداً. يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "لاحظت أن عدداً من أبناء المرضى الذين يحتاجون إلى أجهزة التنفس الاصطناعي يبحثون عبر الإنترنت عن وسائل بديلة للتنفس، لكن الأمر صعب، خصوصاً أن رائحة البارود تنتشر في كل مكان. والمشكلة الأساسية هي أن آلات التنفس الميكانيكية قليلة، ولم تتصور الطواقم الطبية أن تصل يوماً إلى واقع كهذا".
يضيف: "هناك أعداد كبيرة من المرضى في عدد من المستشفيات والمراكز الصحية في غزة ممن لن تنفعهم ماكينة التهوية الميكانيكية لأن حالتهم أشد خطورة. نحاول مساعدتهم قدر الإمكان. كنت أسمع أحد الأبناء يدعو الله أن يتشارك الهواء الذي يدخل جسده مع والده، عسى أن يبقى الأخير على قيد الحياة". 

المساهمون