خلال العام الماضي، سلّطت جائحة كورونا الضوء على التأثير المدمّر الذي يمكن أن تحدثه أمراض الجهاز التنفسي على حياة الناس. وأفاد تقرير جديد صادر عن "جمعية الربو الخيرية في المملكة المتحدة" و"مؤسسة الرئة البريطانية" بأنّ نحو ستة ملايين شخص ممّن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً في بريطانيا، أكثر عرضة وبشدّة لتلف الرئتين ونوبات الربو بسبب الهواء السام. وأظهر التقرير أن كبار السن والمصابين بأمراض الرئة والأكثر عرضة لتأثيرات التلوث هم في الغالب الأكثر تضرّراً. تأتي هذه النتائج في الوقت الذي يطالب فيه النواب الحكومة بوضع أهداف أكثر صرامة لتلوث الهواء. ويقول أعضاء لجنة مجلس العموم البريطاني، التي تركز على القضايا البيئية، إن تحسين جودة الهواء يجب أن يكون في صميم إعادة بناء المملكة المتحدة بعد الوباء.
وكشف التقرير الذي يحمل عنوان "التهديد غير المرئي"، أنّ ربع مراكز دور الرعاية وثلث العيادات العامة والمستشفيات في إنكلترا، تقع في أماكن يتجاوز فيها التلوث الحدود التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية. ويعدّ تلوث الهواء حالة صحية طارئة، وهو يؤذي المجتمع بأسره، بيد أنّ بعض المجموعات أكثر تضرراً من غيرها مثل النساء الحوامل والأطفال وكبار السن، والمصابين بالأمراض الرئوية، وذوي الدخل المنخفض، وأولئك الذين يعانون من مشاكل في التنفس من جرّاء إصابتهم بكورونا.
العام الماضي، ولأول مرة في أي مكان في العالم، كُتب على شهادة وفاة الطفلة إيلا كيسي ديبرا، أن تلوث الهواء كان السبب في موتها، وكانت مصابة بالربو. وتبيّن أنّه لم يتم عمل ما يكفي لحمايتها، ذلك لأن الأطباء الذين تولوا علاجها يعرفون القليل جداً عن تلوث الهواء. كذلك، لم تزود أسرتها بالمعلومات التي تحتاجها للحد من تعرضها لتلوث الهواء.
في هذا الإطار، تواصل "العربي الجديد" مع المكتب الإعلامي بمؤسسة الرئة البريطانية، الذي أوضح أن التقرير يشير إلى معاناة الناس من جراء تلوث الهواء. وبعدما تحدّثت المؤسسة إلى الأشخاص الذين يعانون من أمراض الرئة، مثل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن، تبيّن أن تلوث الهواء يحبسهم في منازلهم، وغالباً ما يعانون من نوبات تؤدي إلى دخول بعضهم المستشفى. كذلك، يؤدي إلى تدهور صحتهم العقلية وتقليل قدرتهم على التواصل الاجتماعي والحصول على العلاج. والكثير منهم يجدونه عائقاً رئيسياً للمشي وركوب الدراجات الهوائية.
وعلى الرغم من توثيق الآثار الصحية لتلوث الهواء، ومعرفة السياسيين آثاره الخطيرة على الصحة لأكثر من عقد من الزمان، ما من خطة شاملة لحماية الناس.
خلال جائحة كورونا، تضاءلت حركة الناس واستخدام السيارات بسبب الحجر المنزلي، بالإضافة إلى حركة الطائرات، فتراجعت نسبة التلوث في الهواء، وكان لذلك تأثير إيجابي على مرضى الرئة الذين شعروا بتحسن في حالتهم خلال الموجة الأولى من الإغلاق.
آدم إدواردز (79 عاماً) يقيم في لندن منذ أكثر من عشرين عاماً، يعاني من الربو ومشاكل أخرى في الرئة. يقول لـ "العربي الجديد"، إنّه في البداية، تضايق من جراء الإغلاق الذي منعه حتى من الخروج إلى المتجر خوفاً من الإصابة بكورونا. لكن مع مرور الوقت، لاحظ تحسناً في صحته، وقد بات أكثر قدرة على القيام بالعديد من الأشياء في المنزل من دون الشعور بضيق في التنفس بسرعة كما في السابق. يتابع أنّه أصبح قادراً على المشي لمسافة أبعد أمام منزله، بعدما كان يشعر بالاختناق عقب بضع خطوات ويتوقف مرّات عدة للاستراحة. يضيف: "أنا متأكد من أن تلوث الهواء لعب دوراً كبيراً في مرضي، وأشعر بالقلق اليوم من اقتراب عودة الحياة إلى طبيعتها التي ستؤثر على صحتي من دون شك".
وتُطالب جمعية الربو الخيرية في المملكة المتحدة ومؤسسة الرئة البريطانية الحكومة بوضع خطة وطنية لحماية الصحة في بريطانيا وتخصيص وزارة تتولى الحفاظ على جودة الهواء لحماية أولئك الأكثر تأثراً بالتلوث، على أن تشمل الخطة تدريباً للعاملين في القطاع الصحي، بالإضافة إلى نظام تنبيه يخبر عامة الناس عندما تكون نسبة تلوث الهواء مرتفعة، ليتمكن الناس الأكثر عرضة للخطر من حماية أنفسهم (مثل كبار السن في دور الرعاية والمرضى في المراكز الطبية).
كذلك، تطالب جمعية الربو الخيرية ومؤسسة الرئة البريطانية الحكومة بوضع قوانين أكثر صرامة تضع أهدافاً تتماشى مع إرشادات والتزامات منظمة الصحة العالمية للوفاء بها بحلول عام 2030 على أبعد تقدير.
من جهتها، تقول الرئيسة التنفيذية لجمعية الربو ومؤسسة الرئة سارة وولنو: "من غير المقبول أن يتعرض الملايين ممن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، والذين هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض الرئة، لمستويات سامة من تلوث الهواء في الأماكن التي من المفترض أن يشعروا فيها بالأمان. مع تقدمنا في السن، نعتمد أكثر على خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية ولكن لا يمكننا نقل جميع دور الرعاية والمستشفيات والعيادات العامة، إلى مناطق ذات جودة هواء أفضل. يجب على الحكومة وضع خطة وطنية لحماية الناس من التهديد غير المرئي لتلوث الهواء، ووضع قوانين أقوى لجودة الهواء بما يتماشى مع إرشادات منظمة الصحة العالمية".
بدوره، يقول المستشار الطبي لدى جمعية الربو ومؤسسة الرئة، وأستاذ علم الأدوية المناعية في جامعة "ساوثهامبتون"، السير ستيفن هولغيت: "علمنا بالضرر المميت الذي يمكن أن يسببه تلوث الهواء لعقود. حان الوقت الآن لاتخاذ إجراءات عاجلة. الهواء الملوّث يُمكن أن يُعيق نمو الرئة لدى الأطفال، ويسبّب تلفاً للرئة وأمراض السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية لدى كبار السن".