شعرت الأم البنغالية تنزيلا نسرين بالسعادة فقط، لأن رضيعها اكتسب بعض الوزن، بعد معاناته من هزال ملفت، كآلاف الأطفال الآخرين في العاصمة البنغالية دكا، على خلفية سبب واحد، وهو تلوث الهواء.
نسرين (28 عامًا)، مهندسة تعمل في مجال النسيج، أنجبت رضيعًا يقل وزنه عن 2.5 كغ، ما يُعتبر بشكل عام رضيعًا منخفض الوزن عند الولادة.
كانت نسرين مستاءة في البداية، لكنها الآن بدأت تشعر بالراحة، لأن طفلها اكتسب بعض الوزن باتّباع نصائح طبيب الأطفال. مضيفة: "لطالما كان طبيبي قلقًا بشأن طبيعة الهواء الذي استنشقتُه خلال فترة الحمل، لأن هواء دكا غير صحي".
أثر تلوث الهواء على الحوامل
خلصت دراسة حديثة نشرت في مجلة "تغير المناخ والصحة" إلى أن الأمهات المعرّضات لمستويات عالية من تلوث الهواء أثناء الحمل، كان لديهن معدل أعلى من انخفاض الوزن عند الولادة.
ورصدت الدراسة 3206 حالات لحديثي الولادة وُلدوا بوزن أقل من الطبيعي في دكا، بين العامين 2014 و2017.
تحتل دكا المرتبة الثانية في العالم من حيث انبعاثات الميثان في الهواء
وقال أحد المشاركين الرئيسيين في الدراسة، ماهين آل نهيان، وهو باحث في مبادرات تغير المناخ وقسم الصحة بالمركز الدولي لأبحاث أمراض الإسهال في بنغلاديش، إنهم قاموا بقياس تعرّض الأم لتلوث الهواء، من خلال جمع قيم مؤشر جودة الهواء التي تتعرض لها خلال فترة الحمل.
وأضاف: "وجدنا أن 36 بالمائة من نسبة الأطفال منخفضي الوزن عند الولادة وُلدوا من أمهات تعرّضن لمعدلات عالية من تلوث الهواء".
وأوضح أن من بين الأمهات اللاتي عانين من انخفاض مستويات تلوث الهواء أثناء الحمل، كان معدل الولادة المبكرة 9 بالمائة، بينما وصل المعدل بين الأمهات اللاتي واجهن مستويات أعلى من تلوث الهواء إلى 15.2 بالمائة.
وتابع ماهين: "حاولنا رصد العلاقة بين تلوث الهواء ونتائج الولادة، ولدينا بعض النتائج الحاسمة، بالنظر إلى تأثير نوعية الهواء الرديئة على الأمهات والأطفال حديثي الولادة".
من جهتها، قالت فردوسي بيجوم، طبيبة أمراض النساء والأستاذة في مستشفى بيرديم العام وكلية إبراهيم الطبية، إن الهواء الملوث يعني وجود جزيئات في الهواء تقلل من قدرة الإنسان على استنشاق الأكسجين.
يتسبب تلوث الهواء في بنغلاديش بـ20 بالمائة من جميع الوفيات المبكرة في البلاد
وأوضحت أنه "إذا لم تحصل الأمهات الحوامل على كمية كافية من الأكسجين، فإن ذلك يؤثر بشكل مباشر على الأطفال، حيث إن الأكسجين ضروري للنمو البدني والعقلي الطبيعي في مرحلة ما قبل الولادة".
ووفقًا للطبيبة بيجوم، فإن "استنشاق هواء غير صحي أو الحصول على كمية أقل من الأكسجين يسبب اضطرابات في التمثيل الغذائي، وارتفاعًا في ضغط الدم، كما يقلل من خصوبة المرأة وقدرتها على إنجاب أطفال أصحّاء".
وأوضحت بيجوم، وهي أيضا رئيسة جمعية أمراض النساء والتوليد في بنغلاديش، أن "تلوث الهواء يمكن أن يتسبب في الولادة المبكرة، مع انخفاض وزن المواليد عند الولادة".
أسباب تلوث الهواء
وحدد الباحثون أسبابًا متعددة لمعدلات تلوث الهواء العالية في دكا، بينها إلقاء النفايات، وأعمال البناء غير المنضبطة، وانبعاثات المركبات، وسبل التخلص من مياه الصرف الصناعي، ونقص المعرفة حول إدارة النفايات البلاستيكية.
ووفقًا لتقرير بحثي آخر نُشر في مارس/آذار الماضي في المجلة العلمية الدولية "Environmental Research Letters"، تحتل دكا المرتبة الثانية في العالم من حيث انبعاثات الميثان في الهواء.
وفي السياق، قال عبد السلام، أستاذ الكيمياء في جامعة دكا، الذي درس تلوث الهواء في البلاد على مدى العقدين الماضيين، إن وجود غاز الميثان في هواء دكا "يتسبب في الاحتباس الحراري".
وأوضح لـ"الأناضول" أن "ارتفاع درجة الحرارة يسبب انتشار المزيد من الأمراض بوتيرة سريعة بين سكان المدن".
وأضاف عبد السلام أن "تلوث الهواء في بنغلاديش مرتبط أيضًا بولادة عدد متزايد من الأطفال الذين يعانون من مشكلات جسدية".
جهود حكومية لتقليل التلوث
بدوره، أقرّ ضياء حق، مدير إدارة البيئة، بنتائج الدراسات المعنية برصد نسب تلوث الهواء في بنغلاديش، وقال إنهم بدأوا بتقييم التقارير وسيتخذون الإجراءات المناسبة.
وقال إن "مؤسسة مدينة دكا الشمالية تعمل على تحويل 3000 طن متري من النفايات يوميًا إلى طاقة، بينما يجري تطوير نظام تحويل النفايات إلى سماد في منطقة ماتويل بالعاصمة لتحسين إدارة النفايات". وأكد أنه "بمجرد بدء تشغيل المشاريع واكتمال أعمال المشاريع التنموية الضخمة في دكا، مثل مترو الأنفاق والأنفاق والجسر العلوي، ستتحسن جودة الهواء بشكل كبير"، لافتًا إلى التعاون بين الوكالات الحكومية لتحسين إدارة النفايات.
وفي سياق مواجهة هذا الخطر، تطالب بنغلاديش باتخاذ إجراءات فورية للحد من تلوث الهواء، الذي يتسبب بـ20 بالمئة من جميع الوفيات المبكرة في البلاد، وفقًا لأحدث تقرير للبنك الدولي، صدر الثلاثاء.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، ذكر البنك الدولي أن المواقع ذات مساحات البناء الشاسعة وحركة المرور المستمرة في دكا لديها أعلى مستوى من تلوث الهواء. وأوضح أن الجسيمات الدقيقة "بي إم 2.5" في هذه المناطق، أعلى بنسبة 150 بالمائة من متوسط النسب المتعلقة بجودة الهواء، التي توصي بها منظمة الصحة العالمية.
هذا التلوث بالهواء يتسبب في مشكلات صحية متعددة لسكان دكا، أخطرها نقص الوزن عند الولادة، والولادة المبكرة، إضافة إلى ارتفاع معدل وفيات الأطفال حديثي الولادة.
(الأناضول)
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
