تلاميذ مخيمات الشمال السوري على طرقات الوحل والبرد

11 فبراير 2024
تلاميذ مخيمات إلى المدرسة (محمد سعيد/الأناضول)
+ الخط -

يقطع أمير العبد اللطيف البالغ 9 سنوات كيلومترات عدة للوصول إلى مدرسة المخيم الذي يقيم فيه شمالي مدينة سرمدا السورية، ويرتجف من البرد خلال ذهابه وعودته في فصل الشتاء، ثم ينتظر العطلة الأسبوعية لينال قسطاً من الراحة من البرد ومن حمل حقيبته مسافة طويلة لأيام.
يقول لـ"العربي الجديد"، بعد تجفيف وجهه من مياه أمطار هطلت خلال عودته من المدرسة: "الذهاب إلى المدرسة في الجو البارد والأمطار أمر صعب للغاية خاصة في حال عدم وجود وسيلة نقل. يُبلل المطر ثيابي دائماً، وبتّ أكره المدرسة بسبب عدم وجود ملابس كافية تقيني من البرد والمطر. وفي حال عدم الذهاب إلى المدرسة بسبب البرد القارس يتأثر تحصيلي العلمي، إذ تفوتني دروس كثيرة لا أستطيع أن أفهمها لاحقاً من أجل تحضير الواجبات والامتحانات".
وتقول الطفلة سلوى الأحمد التي تقيم في تجمع مخيمات دير حسان شمالي إدلب لـ"العربي الجديد": "أستخدم قبعة من صوف ومظّلة حين أذهب إلى المدرسة وسط طقس ماطر. المدرسة بعيدة عن البيت والهواء بارد في المنطقة خلال فصل الشتاء لذا أحسّ بأن وجهي يتجمّد. أذهب منذ 5 سنوات إلى المدرسة ذاتها، وأصعب ما أعانيه هو حمل الحقيبة التي تكسر الظهر، وحين أعود إلى البيت أجلس فوراً جنب المدفأة، وأنام قربها أحياناً للتخلص من البرد".

يواجه الأطفال صعوبات في الوصول إلى المدارس خلال فصل الشتاء

من جهتها، لا تكترث ليلى الحلو (12 سنة) التي تقيم في تجمع مخيمات دير حسان أيضاً بتبلل ملابسها أثناء ذهابها إلى المدرسة وعودتها منها في أجواء ماطرة باردة، لكنها تحزن لأن مياه الأمطار تصل إلى كتبها ودفاترها، ما يصعب تجفيفها فتتمزق بسهولة. وتقول لـ"العربي الجديد": "يمنع ابتعاد المدرسة عن البيت ذهابي إلى الصف في شكل منتظم. وتتعمد والدتي تغييبي كي أتفادى الأجواء الماطرة التي قد تصيبني بنزلات برد وزكام، علماً أن المدرسة لا تتضمن أيضاً أي وسائل تدفئة بسبب قلّة الدعم، ما يعرّض التلاميذ للبرد داخل الصفوف، وقد أصبت مرات بعدوى أمراض تنفسية".
أما وائل السواح (13 سنة) الذي يُقيم في مخيمات كفريحمول شمال إدلب التي تفتقر لأبسط مقومات العيش، فهجر مدرسته البعيدة عن مكان إقامة عائلته بعدما هاجمته كلاب ضالّة مرات، وانخرط مبكراً في مهنة الحدادة الشاقة التي تتطلب قدرات جسدية تتجاوز عمره، ما عرّضه أيضاً لأذى مرات بسبب حمل أبواب وألواح حديدية وأطراف حادة.

صف بلا تدفئة (كريس ماكغرات/ Getty)
صفّ بلا تدفئة (كريس ماكغرات/Getty)

ويقول لـ"العربي الجديد": "ما فائدة التعلم في ظروف صعبة لا نجد فيها قوت يومنا؟ ربما يكون عناء العمل أفضل من المشي أكثر من ساعة وسط البرد، وعبور الوحل للوصول إلى المدرسة والعودة منها، كما أن العمل يجلب بعض المال الذي أنفقه على نفسي وأهلي".
وتعيش سمية والدة وائل في حيرة بين الحفاظ على أطفالها على قيد الحياة، وإلحاقهم بالمدارس، لذا وافقت على أن يترك ابنها المدرسة من أجل مساعدتها في تأمين الغذاء والدفء والدواء لأبنائها الأربعة الآخرين، خاصة بعد وفاة زوجها.
وتخبر سمية "العربي الجديد" بأنها تشعر بألم لأن ابنها ترك الدراسة، لكنها لا تجد بديلاً لذلك في ظل الدعم والمساعدات الإنسانية المحدودة في المخيم، وقلة الاهتمام بالتعليم في المدارس العامة بالمخيمات مقارنة بالمدارس الخاصة التي توفر تعليماً جيداً ومواصلات فيقصدها أولاد ميسوري الحال، فيما يواجه الفقراء الحياة في المخيمات حيث الجوع والبرد. وتقول: "نقيم في مخيم بردقلي، ونواجه صعوبات في إرسال أولادنا إلى المدرسة بسبب الأمطار والطين في الشتاء. وقد ترك ابني المدرسة بسبب هذه الظروف، فالمشوار اليومي والبرد يعرضانه للمرض في شكل دائم".

إلى ذلك، يشير الدفاع المدني السوري إلى أن الأطفال في مخيم البراء بقرية البدرية في ريف إدلب الغربي يواجهون صعوبة في الوصول إلى المدارس خلال فصل الشتاء بسبب وعورة الطرقات والوحول التي تغطيها مع كل هطول للمطر. ودفع ذلك فرق المنظمة إلى فرش طريق المخيم بحصى بهدف تخفيف معاناتهم.
ولا تقتصر الصعوبات التي يعيشها طلاب المخيمات على الطرقات فقط. وتقول ربا الحسين، وهي أم لأربعة أطفال، لـ"العربي الجديد"، إن الأمراض التي يعاني منها أطفالها الثلاثة في المدرسة أتعبتها جداً إلى جانب عبور الطين والوحول، وقد أصبحت أدوية الزكام والرشح وخافضات الحرارة أساسية لدينا، ولا يمكن أن نستغني عنها فعند هطول المطر يأتي الأولاد مبللين بالكامل وملطخين بالطين، في وقت إن المدرسة بعيدة عن المخيم في منطقة كفرلوسين، ونرجو توفير وسائل نقل للتلاميذ على أقل تقدير من أجل تخفيف معاناتهم ومعاناتنا أيضاً في فصل الشتاء".

المساهمون