استمع إلى الملخص
- تعيش العائلات اللبنانية حالة نزوح داخلي وخارجي بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، وتبحث المدارس عن حلول بديلة مثل التعليم عن بُعد رغم التحديات.
- يطالب اتحاد لجان الأهل بإنقاذ العام الدراسي عبر التعليم الحضوري، مع إعداد منصات للتعليم عن بُعد، مشددًا على أن قرار فتح المدارس يجب أن يكون مسؤولية الدولة.
تُرك الخيار للمدارس الخاصة لتحديد كيفية متابعة العام الدراسي سواء كان حضورياً أو عن بعد، الأمر الذي زاد إرباك وخوف الأهالي في ظل الحرب الإسرائيلية، بينما يحرم قسم كبير من التلاميذ النازحين من حقهم في التعليم.
في تعميم أصدره مؤخراً، حول بدء التدريس في المدارس والثانويات الخاصة في ظل العدوان الذي يتعرض له لبنان، طلب وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال، عباس الحلبي، من جميع المسؤولين عن هذه المدارس الحصول على موافقة لجان الأهل للبدء بالتدريس، واعتماد التدريس الحضوري و/أو المدمج و/أو التعليم عن بعد، وفق ما تقتضيه الأوضاع الأمنية، والنطاق الجغرافي الذي تقع فيه كل مدرسة، ورغبة ولي أمر كل تلميذ.
والحال أنّ تحديات جديدة تواجه العائلات اللبنانيّة التي تقف حائرة أمام قرار المدارس الخاصة بفتح أبوابها لبدء العام الدراسي واستقبال الطلاب حضورياً، بالتزامن مع الاعتداءات الإسرائيليّة في مختلف الأراضي اللبنانيّة. وتعيش آلاف العائلات حالة من القلق والخوف على سلامة أطفالها داخل المدارس، وخلال تنقلهم على الطرقات يومياً، خوفاً من تعرضهم لأي خطر فُجائي خلال رحلة وصولهم إلى المدرسة أو في طريق عودتهم إلى منازلهم.
وشكّل قرار الحلبي، الذي أعلن فيه عن بدء العام الدراسي وفتح أبواب المدارس في المناطق الآمنة، والمُباشرة بالتدريس حضورياً أو عن بُعد، جدلاً واسعاً بين اللبنانيين، على اعتبار أن هذا القرار قد يشكّل خطورة على حياة التلاميذ وجميع العاملين في القطاع التربوي، وإن كان في مناطق آمنة، وبعيدة نسبياً عن الاعتداءات الإسرائيليّة، لناحية أن الغارات لم تعد محصورة في أماكن محددة، بل تشمل مناطق مختلفة.
وشهد لبنان خلال الأسابيع الأخيرة حالة نزوح كبيرة من مختلف الأراضي، كما غادرت آلاف العائلات البلاد نحو الخارج، خوفاً من تدحرج الأمور بشكل أوسع. لمى عواد هي إحدى الأمهات التي اتخذت قراراً بترك لبنان، والتوجه نحو الأردن، وهي أم لطفلين. تروي لـ"العربي الجديد" ما حصل معها خلال الأسبوعين الأخيرين. وتقول: "تفاقم الوضع الأمني في لبنان بشكل كبير، وقررت السفر إلى الأردن. تركت منزلي في منطقة الأشرفية في بيروت. وبعد أيامٍ تلقيت رسالة من مدرسة أطفالي بأنها ستفتح أبوابها، في إطار خطة استثنائية تتضمن حضور الأطفال لمدة أربع ساعات يوميّاً، وتقديم ساعات تعليميّة عن بُعد للأهالي الذين يرفضون التعليم الحضوري. لكن هذه الخطة لا تشمل تأمين وصول الأطفال إلى المدرسة أو خروجهم منها، بمعنى أن العائلات هي التي ستكون مسؤولة عن توصيل أطفالها إلى المدرسة يوميّاً".
واضطرت عواد إلى مغادرة البلاد لفترة غير محددة بهدف حماية طفليها من أصوات الغارات الإسرائيلية. تضيف: "جميع الطرقات في لبنان لم تعد آمنة، وستكون إعادة الأطفال إلى المدارس مخاطرة كبيرة". تواصلت إدارة المدرسة مع العائلات التي تركت لبنان لإيجاد حلول مناسبة لها، وكان خيارهم الأنسب هو تعليم الأطفال عن بُعد، علماً أن هذا الحل ليس مناسباً، فقد خضنا هذه التجربة خلال جائحة كورونا، وكانت صعبة جداً على التلاميذ والأهل لناحية توفير شبكة إنترنت قوية، وحاجة الطفل إلى هدوء تام داخل المنزل وغير ذلك. أنا اليوم عاجزة عن اتخاذ أي قرار في ما يتعلق بالتعليم. أشعر أن الوضع ليس آمناً كي أعود إلى بيروت ويتابعان تعليمهما في المدرسة. لا أعلم إن كان عليّ البقاء في الأردن وتسجيلهما في مدرسة هنا".
تسبّبت الحرب بنزوح أكثر من مليون ومائتي ألف مواطن لبناني من منازلهم نحو مناطق أخرى في لبنان، فيما فرّ آخرون إلى دول محاذية، منها الأردن والعراق وسورية وتركيا، بالإضافة إلى حاملي الجنسيات الأجنبية الذين اتخذوا قراراً بالمغادرة، من دون تحديد أي أفق واضح لعودتهم.
في هذا السياق، تعيش ميريام هاشم حالة من القلق النفسي إزاء الأوضاع الأمنية الراهنة، إذ إن أصوات القصف الإسرائيلي قريبة من منزلها. وتجنباً لارتجاج المنزل وخوف الأطفال، تركت بيتها في منطقة بدارو في بيروت وانتقلت إلى منطقة ضهور الشوير (قضاء المتن). وتلقت هاشم رسالة نصية من مدرسة أطفالها، المدرسة الألمانية في بيروت، مفادها بدء العام الدراسي على أن تكون حصص التعليم عن بُعد. وتقول: "الأولوية اليوم هي حماية الأطفال من المخاطر". تضيف: "غادرتُ المنطقة منذ أسابيع. كان صوت الغارات الوهمية وجدار الصوت قوياً جداً، وسيطر الرعب علينا. صوت طائرات الاستطلاع لا يغادر المنطقة أبداً، وشعرنا بأن المنطقة تشكل خطراً على جميع السكان. وبعد انتقالنا قررت المدرسة بدء حصص تعليمية عن بُعد، وبدأ أطفالي حضورها، لكنني لست قادرة على متابعة دروسهما، أو البقاء بقربهما لمساعدتهما على إنهاء واجباتهما اليومية. أنا في حالة قلق كبيرة جراء الحرب المُشتعلة في البلد. أحاول إقناع أطفالي بأن التعليم عن بُعد سيكون أفضل من التعليم الحضوري. نحن الأهالي في حالة صعبة، لكنها مسؤولية الدولة اللبنانيّة وإدارة المدرسة. فما المانع من فتح المدارس في فترة الصيف؟". تضيف: "ما إن ينتهي طفلاي من حصص التعليم حتى أقفل اللابتوب، وأصطحبهما للمشي في الخارج كي أخفف من الضغوط النفسية عليهما".
إلى ذلك، قال اتحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية في كسروان الفتوح وجبيل، في بيان بعد اجتماع لهيئته العامة برئاسة رفيق فخري، إن الآراء توحدت حول ضرورة إنقاذ العام الدراسي، ورفض التعليم عن بُعد، لما اختبرناه من مستوى تعليمي متدنٍ في السنوات الماضية، والاستمرار في التعليم الحضوري طالما سنحت الظروف بذلك، طالباً من القيمين في وزارة التربية والتعليم العالي والمركز الوطني للبحوث والإنماء، إعداد منصات تربوية تؤمّن الدروس لجميع الطلاب في جميع المراحل التعليمية بمختلف الوسائل المتاحة للتلاميذ، لا سيما منهم المسافرين، في حال تفاقمت الأحوال الأمنية، ولم يعد باستطاعة مدارسنا فتح أبوابها حضورياً، ليتشارك بها كل طلاب لبنان. كما تمنى من جميع الوزارات المعنية تأمين الخدمات اللازمة لذلك ومجاناً للأساتذة والطلاب، مؤكداً أن مسؤولية قرار فتح المدارس هي على عاتق الدولة، وتحديداً وزارة التربية والتعليم العالي، بعد التشاور مع القطاعات المعنية. أما وبعد قرار وزير التربية تحميل هذه المسؤولية للمدارس، بعد التشاور مع لجان الأهل، يرفض الاتحاد رفضاً قاطعاً إحالة هذه المسؤولية على عاتق لجان الأهل منفردة، أو على الأهل مباشرة. وطلب من اتحاد لجان الأهل تحمل مسؤولياته، والقيام بواجباته كاملة ومشاركة إدارة المدرسة بالقرار الذي يراه مناسباً.
يوضح فخري لـ"العربي الجديد" أنه طالب المدارس الآمنة نسبياً، أي الموجودة في الكورة والبترون (محافظة الشمال) بالفتح الحضوري، كما أن هناك مجموعة من المدارس المتوزعة في حوالي ثلاثة أقضية تعتبر طرقاتها آمنة والحركة التجارية فيها طبيعية، لذلك من المهم الاستفادة من هذا الوضع، وتعليم الأطفال كي لا يضيع العام الدراسي. يضيف: "لم نفرض على الأهالي أي قرار، وكان مُتاحاً أمامهم إما إحضار أطفالهم للمدرسة، أو تعليمهم عن بُعد"، مشيراً إلى أن هناك مجموعة من الأهالي خائفة من الوضع الأمني، لذلك وافقنا على تحويل الدروس اليومية لمتابعتها في منازلهم من دون إلزامهم بالحضور، وسنحاول إعادة النظر في الأقساط.
ووضعت المدارس خطة إخلاء للتلاميذ في حال تعرضها لأي حادث طارئ. ويشرح فخري: "الكثير من التلاميذ يُتركون لساعات في منازلهم وحدهم، بسبب ذهاب أهلهم لعملهم. لذلك من الأفضل حضور الأطفال إلى المدارس، ليكونوا قربنا وبين الأساتذة والأصدقاء، وبالتالي لا يضيع عامهم الدراسي. كما وضعنا خطة طوارئ تحسباً لأي حدث طارئ يتزامن مع وجود الأطفال داخل صفوف المدرسة، وهي عبارة عن تأمين المأكولات والمشروبات للأطفال لأكثر من 40 ساعة في حال علقوا داخل المدارس (وهو السيناريو الأسوأ)، كما تتضمن الخطة إخلاء التلاميذ من الصفوف وتسليمهم للأهالي".
من جهتها، ترى مي أن قرار تعليم بعض الأطفال وحرمان كثيرين آخرين منه مجحف. مي، وهي والدة لطفلين، تقيم في بلدة برمانا (قضاء المتن)، تشير إلى أن العائلات اعترضت على قرار المدرسة بتدريس الأطفال عن بُعد في مقابل عدم تعديل الأقساط المدرسية التي بقيت على حالها، فلجأت المدرسة إلى تصويت الأهالي، وجاءت النتيجة متنوعة. فضّل البعض حضور الأطفال إلى المدارس، كونهم دفعوا جزءاً كبيراً من الأقساط، في مقابل آخرين يخشون حضور أطفالهم. كما غادرت بعض العائلات لبنان خلال الأيام القليلة الماضية. وتقول: "وقعنا في حيرة من أمرنا. اشترينا كل ما طلبته المدرسة لأطفالنا، لكننا اليوم لا نعلم إن كان حضورهم سيكون آمناً. في المقابل، نخاف من فقدان سنة كاملة من التعليم".
فيما تقدر بعض الترجيحات أن الحرب على لبنان ستطول لأمدٍ غير معروف، ترى وزارة التربية والتعليم العالي والمدارس الخاصة ضرورة استكمال "دورة الحياة" وعدم توقفها لدى تلاميذ لبنان الذين عانوا الأمرين، أكان بسبب الأزمة الاقتصاديّة وتبعاتها، أو بسبب جائحة كورونا التي فرضت عليهم حجراً منزليّاً وتعليماً عن بعد بظروفٍ صعبة جداً. في المقابل، يرى البعض أنه من حقّ كل طلاب لبنان التعلّم، وبظرفٍ أمني واجتماعي واقتصادي أقلّ خطورة من الحالي، وقد وقعوا في حيرة من أمرهم لاتخاذ قرار مناسب لأطفالهم.